التغير الثقافي… بقلم الباحثة:صفاء الحسوني

الباحثة :صفاء الحسوني

الباحثة :صفاء الحسوني

تاونات:”تاونات نت”/يشهد العالم باسره تغيرا ثقافيا ملحوظا في الجوانب الشكلية و الجوهرية اسهاما نحو خلق انفتاح عالمي شامل،  ينصهر فيه الكيان البشري ويتوحد، ابتغاء تحقيق تقدم حضاري عارم يشمل جميع مجالات الحياة، مما يستدعي  اتارة  تساؤلات عن ماهية التغير الثقافي والعوامل المسؤولة عن افرازه،لنصرح بشكل جلي اننا بصدد عالم متغير بالفعل في جوانبه المادية و الرمزية ، كتعبير صريح عن فاعلية وعطاء الكائن البشري من داخل السياق الدي يحل فيه، وعليه  يتولد التغير الثقافي  كتجلي فصيح عن دلك.

 ” التغير الثقافي” هو مجموع التغيرات التي تطبع العالم  في كل فروع الثقافة مادية او غير مادية  بما في دلك الفن و التكنولوجيا و الفلسفة و الادب و العلم و اللغة و الأذواق الخاصة بالأكل و المشرب او وسائل الواصلات و النقل و الصناعة.

ان موضوع “التغير الثقافي ” ومادته هو الثقافة التي هي اساس الحياة الاجتماعية فهو بدلك  يتم في صوره المختلفة  في تقاطع جازم بين التيار المناصر للتجديد و التيار المحافظ يمكن الاشارة انه

بالرغم من المحاولات الجاهدة للحفاظ على الموروث التقافي و الانضباط بشدة و صرامة لالزاميته القسرية و الردعية،  الا ان اغلبه  قد تلاشى ان لم نقل اندثر، يجد دلك تبريره في ما دكرهالأنثروبولوجي  “هنري مين “في كتابه “القانون القديم”عبر عنتحرر الزوجة في الشكل الحديث من قيود الرجل بعد ان كانت تعتبر بمتابه ملكيته الخاصة، وهدا ان دل على شيء فهو دال على دينامية المجتمع في بعده الرمزي ،هدا اساسا ما اكدت عليه الدراسات السوسيولوجية  في محاولة رصدهالتبدل الانماط الثقافة في ظل التطور التاريخي للمجتمعات البشرية، لنقول ان “الانسانية” تكمن في الفترة التي يتصف فيها العالم ب”التغير المتسارع للتقافة” ابرازا لمدى نجاعة الافراد وقدرتهم الخلاقة على افراز معطيات و انماط تنتصر لمبدا التجديد وتدعم الافضل والاجود، انساجا وحركية المجتمع في مختلف المجالات.

يعد ” التغير التقافي” عملية انتقائية، حيت انه عندما يواجه اعضاء المجتمع تقاليد او عناصر ثقافية، فانهم  يتفحصونها بإمعان شديد، ليتقبلوا ما يتصورون انه مفيد و يتلاءم بشدة مع قيمهم الاجتماعية، لدا نشهد ترحيبا وتوضيفا لادوات تقنية من الات تكنولوجية…لانها مفيدة ودات اهمية عظمى لاتهدد منظومة القيم الاجتماعية الا فيما ندر ، بينما تحدت مقاومة لسلوكيات و تقاليد اجنبية تخالف القيم السائدة (لباس تقاليد اخلاق……) والنتيجة هي “حوصلة الثقافة” اي صيغة ثقافية جديدة تدمج بين عناصر ثقافية تقليدية داخلية و عناصر خارجية.


كما يشمل” التغير الثقافي” كل المجتمعات “المتحضرة” و النائية” غير ان وتيرة عملية التحضر تكون اكتر بطئا بالنسبة للمناطق النائية نظرا لانعزالها و انحصارها في موقع جغرافي منغلق، الشيء الدي يدفعنا للقول ان عملية “التغير الثقافي” تكون اكتر تحققا بالنسبة للمناطق المنفتحة على جواراتها  و المتوفرة على  مقومات الحضارة ، وان عامل الانعزال كفيل بحجم المنطقة على التطلع نحو “التغير الثقافي”  فهي بدلك تتصارع داخليا من اجل تطوير نمط عيش افرادها و خلق اساليب حياتية تيسر ظروف  العيش.

التغير الثقافي

التغير الثقافي

على خلاف ما سبق قد يكون”التغير الثقافي” ناجما عن الازمة التي يشهدها المجتمع، لنقول انه كلما تعرض المجتمع  لازمة خانقة، الا وقادته طبيعة هده الظروف الصعبة الى بدل جهد اكبر للتحدي و السيطرة ،تارة تحدي الانسان للإنسان و تارة اخرى تحدي الانسان للطبيعة، هكذا يبدو الامر اكتر تعقيدا تتضارب من خلاله التصورات و تتقاطع في سبيل تقديم تصور جازم عن حدوت عملية “التغير الثقافي” نشير في هدا الصدد الى ان الجفاف الدي اصاب” شمال افريقيا” استجاب له الافراد من خلال الهجرة الى وادي النيل و اقامة حضارة هناك  ينتعش الافراد من خصوبة ارضها ونماء ثقافتها من خلال التعايش الجماعي.

يشكل انتساب الافراد لسجلهم التفافي و هويتهم الرمزية ،عاملا حاسما في جعل حدوت “التغير الثقافي” يسير على وتيرة بطيئة، ما يعزز القول هو ما نجده عند” سمنر” يعبر عنه في كتابه “الطرائق الشعبية” بقوله “تجبر الاجيال الجديدة على تقبل الاعراف، ومن تم فهي لا تستحث الفكر، بل على العكس من دلك نجد ان الفكر متضمن فيها من قبل، كما انها الى جانب دلك تمتل في الحقيقة اجابات او حلولا  لمشكلات حياتنا، و لدلك فان اي محاولة لاعادة التنظيم الكلي للثقافة هي في راي” سمنر” محاولة صعبة” بالرغم من الطابع الاجباري للتفافة الا انها اكتر قدرة على خلق توافق مع الظروف المادية المتغيرة بشكل سريع داخل المجتمع ، في قالب ينضوي تحت لوائه التقليدي المحافظ و الحداثي هدا ما يستدعي فترة مديدة شيئا ما ليتحقق مراد الامم.

يتضمن “التغير التفافي” مجموعة من المفاهيم  الاخرى التي يمكن ان تحل عليه ومنها التثاقف، والتفكك، والانحراف، والتطور، والتغير التدريجي، والإبداع، والتكامل، والنقل، وإعادة الإحياء، وإعادة التفسيرفإذا نظرنا إلى التثاقف وجدناه يعني عملية التغير من خلال الاتصال الثقافي الكامل، أي اتصال بين ثقافتين يؤدي إلى زيادة أوجه التشابه بينهما في معظم الميادين الثقافية، ويتضمن هذا المصطلح أيضاً عملية “الاستعارة الثقافية”، كما يشير مصطلح” تجديد “إلى العملية التي تؤدي إلى قبول عنصر ثقافي جديد وهي صورة من صور التغير الثقافي أيضا.

 

دراسة التغير التقافي

اهتم  علماء الاجتماع و الأنثروبولوجيا بدراسة و معرفة عملية “التغير الثقافي” من خلال عدد من النظريات اهمها ” النظرية الشرطية” التي  ركزت على فكرة محورية مؤداها هو ان” التغير التقافي” ينبتق عن عدد كبير و متنوع من المصادر، و لا يرجع الى مجرد التغيرات التي تطرا على عامل واحد بعينه مشيرة الى ان تفسير التغير يلزم الرجوع الى عوامله و اسبابه كالاكتشافات و الاختراع والانتشار وسائل الاعلام  وغير دلك من العوامل.

يعبر”الاكتشاف”عن محصلة الجهد البشريالمبدع كاكتشاف الرافعة مثلاً والدورة الدموية المشترك في الاعلان المبدع عن جانب من جوانب الحقيقة القائمة بالفعل، لا يصبح الاكتشاف عاملا محدثا” للتغير الثقافي” الابعد توظيفه في المجتمع في هدا الصدد اتبتت “الاكتشافات الأثرية” وقوع التغير بشكل مطرد و منسجم على مخلفات الناس واتارهم في المنطقة التي كانوا يسكنونها، فقد دلت الشواهد المادية الأثرية التي ترجع الى حقب تاريخية موغلة في القدم على مظاهر تباين و اختلاف كبيرين تلك التي وجدت في ازمنة قديمة ونظيراتها التي وجدت في عصور قريبة في المجتمع الهندي، على سبيل المتال تدل اعمال الكشوف الأثرية هناك على وجود نماذج من الاواني الفخارية مختلفة تمام الاختلاف عما يسود الان.

فهو بدلك  اضافة ثقافية التي تحققت من خلال ملاحظة الظواهر الموجودة ولكن لم يسبق الالتفات إليها من قبل، والمتضمنة على حالتها هذه في الثقافة التي أعيد تشكيلها من أجل الاستعمال الثقافي، ويعرف “هوبل” الاكتشاف بأنه عملية الوعي بشيء قائم بالفعل ولكن لم يسبق إدراكه من قبل.
الموهوبين والأفذاذ ينقسمون إلى فئتين:
الأولى: تضم الإنسان الهامشي ذلك الذي ينحرف عما ألفته الجماعة وهو الشخص المجدد، ومثال ذلك قبائل الكوتا بالهند.
الثانية: وهم الأشخاص المحاطين بالهيبة وهم أكثر فاعلية في توطئة الجو لحدوث التغير.


 الاختراع هو إضافة ثقافية تحدث نتيجة عمليات مستمرة داخل ثقافة معينة، ويرى أوجبرن “أن الاختراعات هي توليفات بين عناصر ثقافية قائمة فعلاً في شكل جديد.
إن الاختراع جانب أساسي ومكانيزم جوهري في دينامية الثقافة، وهو في الوقت نفسه نتيجة وانعكاس لعمليات التغير الثقافي، تظهر معالم ذلك في حالة اختراع آلة بسيطة لحلج القطن في الريف، وبالتالي توفر مجهود النسوة والصغار في عملية الحلج اليدوي، وبالمثل يعد اختراع تقديم الحلوى للأفراد عملية هامة أحدثت تغيراً ثقافياً في المجتمع القروي ، وسرعان ما انتشرت في قوى مجاورة بفعل الاتصال والاحتكاك بالقرية، كما شمل هذا التغير أيضاً الطقوس المتبعة في حالات الوفاة وغير ذلك من المناسبات، في سياق اخر يعرف “ميرل” الاختراع بأنه توليف جديد لسمتين ثقافيتين أو أكثر مع استخدامهما في زيادة محصلة المعرفة الموجودة بالفعل، ومن أمثلة الارتباط بين سمتين، اختراع جورج سلدن في عام 1895م للمحرك الذي يعمل بالسائل والغاز معاً، هدا ما جعلنا نقسم الاختراعات إلى شقين مادي كالقوس والرمح والهاتف والطائرة واختراعات اجتماعية  كالمؤسسات والحروف

الأبجدية، والحكومة الدستورية، وفي كل حالة من الاختراعات يتم الاستفادة من العناصر القديمة والارتباط بينها وتجديدها بحيث تصبح صالحة لاستخدامات جديدة  ،يذكربارنت أن الاختراع أو التجديد لا يأتي من فراغ، بل لابد لحدوثهما من يأتينا خلفيات معرفية واختراعات سابقة ومقدمات بمعنى أنه كلما ازدادت عناصر الثقافة (من خلال عملية التراكم الثقافي) ازدادت الاختراعات، كما أن هذا التزايد يعبر في الوقت ذاته عن عملية التراكم الثقافي، وكلما زادت الاختراعات زادت المادة المتاحة للاختراع.

“الانتشار “عملية تنتج تماثلا ثقافيا بين مجتمعات متباينة، هدا ما يعرف باسم “التمثيل التقافي” الدي يتولد عقب الاختلاط و الاحتكاك بالمجتمعات الاخرى عن طريق التعايش و التبادل التقافي قد يتمالانتشار عن طريق الهجرة أو عن طريق الاستعارة ، أما الهجرة فهي تؤدي إلى انتشار وحدات ثقافية كبيرة، في حين تعد الاستعارة عملية نقل وحدات ثقافية بسيطة دون حدوث حركات شعبية وانتقال شعوب بأكمله.
وقد تأسست المدرسة الانتشارية في دراسة “التغير الثقافي”، ونظرت إليه كرد فعل لانتشار سمات ثقافية من مجتمع أصلي إلى مجتمع آخر عن طريق النقل أو الاستعارة أو الغزو كما قد يتم الانتشار عن طريق الهجرة أو عن طريق الاستعارة، أما الهجرة فهي تؤدي إلى انتشار وحدات ثقافية كبيرة، في حين تعد الاستعارة عملية نقل وحدات ثقافية بسيطة دون حدوث حركات شعبية وانتقال شعوب بأكملها.
 ان الفكر الانتشاري لا يؤمن بالانتقال الكلي للمجتمعات، وإنما يحدث هذا الانتقال لبعض السمات أو العناصر الثقافية، ويؤخذ على الانتشارية أنها لم تتناول البناء الثقافي للمجتمع ككيان عضوي، كما أنها عجزت عن متابعة التغيرات التي تقع نتيجة لهجرة سمة ثقافية إلى ثقافة أخرى، وبالتالي ردود الفعل التي تثيرها في البناء الجديد الذي هاجرت إليه، علاوة على أنها في النهاية تحيزت في اختيار المعطيات التي تثبت بها صدق فروضه.

يميز معظم علماء الاجتماع والانثروبولوجيا بين ثلاث عمليات منفصلة للانتشار هي:
الانتشار الأولي: وهو يحدث من خلال الهجرة، وأوضح مثال على هذه العملية التغييرات التي حدثت في الثقافة الأمريكية جراء هجرة أعداد كبيرة من الأفراد.
الانتشار الثانوي: تشتمل هذه العملية على النقل المباشر لعنصر أو أكثر من عناصر الثقافة المادية كنقل التكنولوجيا من العالم المتقدم إلى العالم النامي.
انتشار الأفكار: قد تحدث هذه العملية دون هجرة مباشرة، أو نقل لعناصر تقنية، إلا أنها تحدث تغيرات ثقافية كبيرة، ومن أمثلة انتشار الأفكار، الدعوى للحرية والمساواة وحقوق الإنسان.

تعتبر” الاستعارة الثقافية”نوعاً من أنواع التجديد الثقافي الذي يعتمد على الاتصال بين المجتمعات من خلال أساليب متعددة كالحرب والزواج، وطلب العلم، والمؤسسات التعليمية كالجامعات، ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ونتيجة للاتصال يستعير المجتمع بعض العادات التي توجد في مجتمع آخر، وقد يستعير المجتمع نمطاً ثقافياً كاملاً أو جزءاً من كل ثقافيوالملبس والتقاليد والفن والأخلاق والتكنولوجيا هذا بالإضافة إلى التغيرات التي تحدث في بنيان المجتمع ووظائفه.

وسائل الاتصال الإعلامي: إن تطور وسائل الاتصال الجماهيري ووسائل النقل، قد أثر بشكل واضح في تطور الثقافة وانتشارها وفي اتجاهات علماء الاجتماع في دراسة التغير الثقافي، إذ قامت المحاولات العلمية المبكرة في رؤيتها للانتشار الثقافي على فكرة المراكز الثقافية وانتشار الثقافة منها إلى مناطق أخرى، وأن يأخذ الانتشار شكل دوائر، أي أن الثقافة تنتشر في دوائر منتظمة بمعدل ثابت السرعة وفي وسط متجانس ،إن التطور التقني المذهل في مجالات الانتقال والاتصالات الإعلامية باستخدام الأقمار الصناعية يجعل العالم أشبه بقرية اليكترونية، ويضعف من مصداقية الزعم بالانتشار الثقافي القائم على المراكز الثقافية، إذ تدخل وسائل الاتصال الحديثة كعامل قوي التأثير في عملية الانتشار الثقافي.

التجديد: يذهب “هولتكرانس” إلى أن التجديد يعني أي عنصر ثقافي جديد تقبله الثقافة، وهو العملية التي تؤدي إلى هذا القبول والتي يمكن وصفها بأنها صورة من صور التغير الثقافيأما “بارنت”فيعرف التجديد بأنه “أي فكرة أو سلوك أو شيء يكون جديداً، لأنه يختلف نوعياً عن الأشكال القديمةأما هيرسكوفيتس فإنه يقول بإمكانية وصف عمليات التجديد بأنها اختراع، واكتشاف، وانتشار، ويسوق مثالاً على ذلك بأن الاستفادة من الخشب في بناء قارب أو صنع مجداف جديد، تعد خلقا ثقافيا مساهما في تغيير اساليب العيش.

ما يمكن استخلاصه هو ان “التغير الثقافي” ركيزة لنماء البشرية ودخول اي حضارة مسار العالمية، تجاوزا للمحدودية التي لا زالت تطبع بعض المجتمعات ،الشيء الدي يحتم التقبل الغيري والاعتراف بثقافته في مسار تشيد صرح  انساني مجيد، تتضافر فيه معالم التقليدي و الحداثي لكسر الفروق الرمزية و الاستفادة من المعطيات الثقافية المتغيرة  في مراحل البناء المجتمعي .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7253

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى