تفاعلا مع خطاب ملكي…خواطر صحافي حول إعلام الحقيقة

 

الصحافي-جمال-المحافظ

الصحافي-جمال-المحافظ

د. جمال المحافظ/ كاتب صحفي:”تاونات نت”/وان اتابع الخطاب الملكي، اثارتني من موقعي كصحفي، جملتان اثنتانجاءتا في سياقان مغايران لما سأتناوله بالتحليل،  الجملة الأولى من كلمتين دالتين ، تتعلق بتأكيد الملك على الحاجة الى “تغيير العقليات” والجملة الثانية ب” تسابقالأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولين إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة”.

بالنسبة ل”تغيير العقليات” فإنهذه الفكرة  اعادتني الى المرحوم محمد العربي المساري، حينما كان خلال حكومة “التناوب التوافقي” في نسختها الأولى

 يتولى حقيبة الاعلام اعتقد بجرأة الصحفي، أنه سيتمكن من ضمان “انتقال سلس”  لهذا القطاع الحيوي  مرحلة ” الحب في زمن الكوليرا ” الى مرحلة ” قصة حب ما جوسية”

حينما قال رحمه الله ” لقد جئت لتغيير العقليات.. والسياسة، وليس الاشخاص ” بالإعلام العمومي خاصة السمعي البصري، انطلاقا على ما يبدو  من ايمانه خلال تلك الفترة بأن التغيير لا يأتي بقرارات فوقية ولا بتعليمات إدارية، وإنما يتعين أن يتم وفق مقاربة تربوية ومنهجية بيداغوجية.

         ان عبارة “تغيير العقليات” كما وردت في الخطاب الملكي الأخير، هي نفسهاالتي استعملها السي العربي بذكاء وآمن بها طيلة  مساره القصير على رأس قطاع حساس كان ولازال طبعا “صامدا” كواجهة متقدمة من واجهات ” جيوب مقاومة التغيير” وساهم ب”سلاح الصورة  الفتاك” في” اجهاض التناوب الأول” في مجتمع يعاني من أفة الامية تؤدى به مكرها الى ” استهلاك الصور النمطية”.

إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه :بدون تغيير العقليات،وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر،وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام،وفي غياب روح المسؤولية ، والالتزام الوطني ، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة ، من عيش حر كريم، كما تردد بقوة في الخطاب الملكي.

ألم يكن هذا هو نفس ” دفتر تحملات” السي العربي في الاعلام التي أعلن عنه حينما ” واجهته” نقابة الصحافة في أول نشاط ” رسمي ” في لقاء عمومي بمسرح محمد الخامس سنة 1998ن مباشرة بعد تحمله لحقيبة مهنة المتاعب، بملفها المطلبي القاضي بالخصوص بتحرير الاعلام العمومي السمعي البصري من سلطة ” أصحاب الأحذية الغليطة “.فالتاريخ يعيد نفسه سنة 2017، انها تقاطعاتوحمولات مشتركة، وإن تباعدت المسافات والاجيال واختلفت السياقات ودرجة المسؤوليات.

اننا ونحن بصدد الحديث عن الاعلام وهو في الواقع كما يقال حديث ذو سجون، في الحاجة   الى دراسات علمية جادة ولتحليلات رزينة وعميقة لخطابنا الاعلامين نضع فيه مبضع الطبيب الجراح للتعاطيما ينتج اعلامنا الوطني من رسائل ومن طرق المواكبة لمختلف الانشطة وما يقدمه من برامج خاصة تلك التي يستضيف فيها ” الخبراء والمحللين والاعلاميين ” ل” القراءة والتعليق ” والقيام ب”التحليلات” ليست الطبية طبعا، وانما “للدعاية ” ب”أسلوب غوبلز وسياسة ستالين “، مع اغفالهم، ان التوجه الى الرأي الاعلام عبر التلفزيون، يختلفجذريا عن القاء الدروس أمام التلاميذ والطلبة بالأقسام والمدرجات الجامعية، وان الصحافة مهنة نبيلة وسلطة مضادة أولا وأخيرا.

         ان الحاجة ماسة في الوقت الراهن الى ” اعلام الحقيقة” خاصة في ظل التنوع الكبير مما يتيح للجمهور المتلقي الاختيار ما يفضله من المئات من الوسائط الاعلامية، وان يهجر وشيج بوجهه عن القنوات التي  لا تستجيب لتطلعاته، ولا تحترم أذواقه وذكائه.

فالوقت الراهن محتاج اكثر من أي وقت مضى الى اعلام وطني ديناميكي، يتفاعل ويتجاوب مع المتطلبات المتحركة للرأي العامكي لا يأت علينا وقت يخاطب المذيع أهل بيته” فقط .

إن هذا الامر بتطلب القيام بمراجعة جذرية وشاملة لبرامجنا الاعلامية خاصة نشرات الاخبار الخطب الملكية، ومنها ما تضمنته الرسائل التي جاءت في خطاب العاهل المغربي بمناسبة بذكرى جلوسه على العرش الذى، والاساليب المهنية المعتمدة في تبليغها وتقديمها الى الجمهور من قراء ومستمعين ومشاهدين والرأي العام المحلى والدولي، فضلا عن القطع مع ” ثقافة الريع والزبونية، وباك صاحبي ..الخ” واعلاء شأن الكفاءة والنزاهة والمصداقية لنيل ثقة الجمهور.

فخطاب العرش الاخير الذى كان استثنائيا بكل المقاييس الذى تتطلبها عملية التشخيص وجاء قويا في لغته عميقا وجريئا في طرح الاسئلة العميقة الحارقة التي تمس شظاياها حياة المواطن، ويعبر عنها يكاد يوميا بكافة الطرق والوسائل  بفئاته، بتطلب من وسائل الاعلام وقفة للتأمل في مشهدنا الاعلامي الذى لم يتمكن من مراوحة مكانه وظل رهين عقلية عتيقة لم تستطع ان تتلاءم مع تحولات الثورة التكنولوجية ومجتمعات الاعلام والمعرفة، وظلت حبيسة ” اعلام التعليمات، وخدمة الاجندات المصالح الشخصية”.

        ف”وضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات لن يحقق ما ينشده جميع المغاربة، من عيش حر كريم بدون تغيير العقليات وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام، وفي غياب روح المسؤولية، والالتزام الوطنين كما جاء في الخطاب الملكي، وفي مقدمة ذلك العقليات التي لازالت مسيطرة ومهيمنة على الاعلام والتي ظلت حبيسة رؤية دعائية جامدة، لم ترتق الى مستوى التحولات المجتمعية والانتظارات الوطنية والمتغيرات القارية الدولية.

فاذا كانت ” لغة الحقيقة ” القوية التي جاء بها الخطاب الملكي وتفعيل الدستور خاصة ما ينص عليه من “ربط المسؤولية بالمحاسبة “، فإن من شأنها أن تقوي الامل لدى المواطن في أن تتمكن البلاد  من التوفر على “اعلام الحقيقة” الذى يقدم المادة الخبرية بمهنية وجودة عاليتين، تمكن الجمهور من التفاعل بكيفية واعية مع محيطه، وتجنبه الوقوع فريسة طمس الواقع ، والتهويل، وحتى لانترك الفرصة ” لا الى الجزيرة، ولا الى وكالة الانباء الفرنسية ..” لكي تظل أخبارنا وقضايانا حكرا عليهما.

ان اعلام  الحقيقة هو ذاك الذى يقطع مع كافة  أساليب ” التنويم  والتعتيم والتضليل” التي طال عهدها، ودقت ساعتها الآن خاصة بعد تعدد مخالفات الاعلام العمومي والخاص التي رصدتها هيئات الحكامة المختصة في ما يتعلق بالإخلال  بالتزاماتها في مجال أخلاقيات المهنة، ويقدم صورة واقعية عن تاريخ وحاضر ومستقبل البلاد.

 فلا ديمقراطية ولا تنمية بدون اصلاح حقيقي للإعلام السيف ذو الحدين. ولايسعنا الا أن نقول ب”الفم المليان” كفى، واتقوا الله في وطنكم.. أما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا “وهو ما يتعين على ” كل مسؤول أن يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة “يمنعونني من القيام بعملي”، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد”، كما أكد ذلك الملك الذى أشار الى وجود ” مفارقات صارخة، من الصعب فهمها، أو القبول بها . فبقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات ..” في مقدمتها إعلام  الخدمة العمومية المستفيد من أموال دافعي الضرائب والذى لم تزده السنوات الى تعفنات جانبية اثخنت جراحه بسبب ما يعانيه من مرض مزمن.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى