نسمات في تراجم علماء إقليم تاونات” العلامة سيدي عبد الرحمن الوردي اللجائي
نسبه ونشأته
هو سيدي عبد الرحمن بن محمد الجايي الوردي، ولد في قرية عين الريحان بقبيلة الجاية، إحدى قبائل إقليم تاونات، وبها نشأ وترعرع، فدخل الكتاب بمسجد قريته لتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم، فحقق المبتغى الذي كان يترجاه والده منه، وبقيت متمنياته في قصد التعلم، وغالبا كان الطلبة بعد الحفظ القرآن الكريم في مدشرهم يرحلون إلى مساجد المركزية التي كانت تهتم بدراسة العلوم الشرعية، واللغوية من خلال متونها… وذلك لنيل مزية العلم وفضله، لأن الله سبحانه وتعالى مدح العلم وأهله، ورعب العباد في طلب العلم والتزويد منه، حيث إن العلم من أفضل الأعمال الصالحة، ومن أفضل وأجل العبادات، قال تعالى: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) نعم !
وإنهما لا يستويان، لا يستوي الذي يعلم ــ العالم ــ والذي لا يعلم ــ الجاهل ــ كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، لأن العلم نور وضياء يهتدي به الإنسان، ويخرج به من ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة… يقول إبن القيم رحمه الله:
<< والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في الترتيب متفقان
علم من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني>>
وقال سابق البربري.
<< والعلم يجلو العمى عن قلي صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها ولا البصير كأعمى ماله بصر>>
وقال أحمد بن عمر بن عصفور:
مع العلم فاسلك حيث ما سلك العلم وعنه فكاشف كل من عنده فهم
ففيه جلاء للقلوب من العمى وعون على الدين الذي أمره حتم
فإني رأيت الجهل يزري بأهله وذو العلم في الأقوام يرفعه العلم
يعد كبير القوم وهو صغيرهم وينفذ منه فيهم القول والحكم
وأي رجاء في امرئ شاب رأسه وأفنى سنيه وهو مستعجم فدم
يروح ويغدو الدهر صاحب بطنه تركب في أحضانها اللحم والشحم
إذا سئل المسكين عن أمر دينه بدت رحضاء العي في وجهه تسمو
وهل أبصرت عيناك أقبح منظر من أشيب لا علم لديه ولا حكم
هي السوءة السواء فاحذر شماتها فأولها خزي وآخرها ذم
فخالط رواة العلم واصحب خيارهم فصحبتهم زين وخلطتهم غنم
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجم
فو الله لولا العلم ما اتضح الهدى ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم
وقد دخل القرويين ودرس على شيوخها وعلمائها فنال شهادة العالمية، وصار مدرسا بها.
شيوخ العالم العلامة سيدي عبد الرحمن بن محمد الوردي:
إن شيخنا سيدي عبد الرحمن الوردي درس على عدد كبير من شيوخ علماء جامع القرويين، نذكر من بينهم كما يحكي لي بعض الأساتذة الذين عايشوه، كالشيخ العالم العلامة سيدي الحاج أحمد بونو:
• العالم العلامة سيدي العباس بناني، المتوفى سنة ج)1392 هــ/1972م.
• العالم العلامة سيدي الجواد الصقلي، المتوفى سنة 1392هــ/1972م.
• العالم العلامة سيدي عبد الرحمان الغريسي، المتوفى 1398هــ/1977م.
• العالم العلامة سيدي محمد الطاهري، المتوفى بتاريخ 27 جمادى الثانية عام 1409 هــ الموافق 5 يناير 1989م.
• العالم العلامة سيدي العربي بن إدريس الشامي، المتوفى سنة 1405هــ/1984م.
• العالم العلامة سيدي محمد بن محمد بن عبد القادر بن الطالب بن سودة المري، المتوفى 1328هــ/1948م.
المهام التي زاولها الشيخ سيدي عبد الرحمن الوردي:
لما حصل الشيخ العالم العلامة سيدي عبد الرحمن الوردي على الشهادة العالمية، عين مدرسا بجامع القرويين بجانب شيوخه وأساتذته، وقد اختص بتدريس مادة المنطق.
وكان رحمة الله مجدا نشيطا يقرأ كتب التربية والتعليم، ويتبع تطورها، وقد لاحظ قصورا في طرق التدريس، واعتمادا الأساليب التقليدية مما دعاه إلى تنبيه المتخصين إلى هذا التقصير، سواء في التأليف أو الأساليب التربوية ووسائلها، وخاصة مادة المنطق التي يدرسها، حيث قال في مقدمة كتابة: << فقد رأيت بعد الاختبار والممارسة، أن التلميذ قد يقضي السنوات المشار إليها في هذه المادة، فيتخرج منها وهو لا يستطيع أن يكون عنها فكرة صحيحة، وإن ذلك ليرجع إلى الأسباب منها، عقم طرق التعليم من جهة، وطول بعض الكتب الموجودة من جهة آخرى، فليس لدينا كتاب مغربي في المنطق جديد، عن الطول الممل بعيد، فالكتب المتداولة في هذا الشأن، زيادة على أن التلاميذ قد ابتعدوا عنها،” واكتفوا بما يمليه عليهم الأستاذ، أصبحت لا تساير مداركهم، إذ لا علاقة لها بالأساليب التربوية والنماذج التطبيقية التي تناسب عصرهم الذي يعيشونه، عصر السرعة والتجديد.ولا أعني بهذا، الرجوع باللائمة على الكتب القديمة، كما قد يفهمه البعض، لأنها بعد الله سندنا، ومن معينها روينا، وإنما المسألة مسألة ظروف، وهي تحتم علينا أن نسايرها بسطا وقبضا، حتى نحقق الهدف المنشود من التعليم…>>.
وقد ختم ــ رحمه الله ــ مقدمته بقوله:<< نرجو الله أن يسد الفراغ، وأن يجدوا فيه ما يشفي الغلة، ويروي الصدى، فعسى أن يدرك الطلاب أنهم هم الأمل الباقي لهذا العلم النفيس، فيحرصوا عليه، ويجودوا بالوقت في تحصيله.
فإن كنت قد أحسنت صنعا فإن ذا من الله ذيالإمداد لا غير يشكر
وإلا فكن بالنقص غير المواخذ أخا جاء بالمقدور لا ريب يعذر>>.
مؤلفاته:
من مؤلفاته:
“الجديد في المنطق” الذي قال في سبب تأليفه:<< وهو أن نعد النخبة الموهوبة من أبناء هذه الأمة إعدادا ثقافيا عميقا، بعد أن نستخدم في ذلك كل ما يمكن من الطرق التربوية الصحيحة والمتنوعة، تنظر إلى كيفية التعليم أكثر مما تنظر إلى كميته.
لذلك فقد حدتني ــ هذه الأسباب، وإرضاءا للضمير ومشاركة في حل أزمة الكتاب ببلادنا ــ إلى وضع كتاب على النمط الجديد، فيه خير للتلميذ والأستاذ معا، طبقا للمنهاج الوزاري الأخير في المنطق. فعقدت العزم وتوكلت على الله عز وجل فكان ذلك، أسميته ” الجديد في المنطق”… فاستطعت بعون الله تعالى وحسن توقيفه أن أخرج للمتعطشين للمعرفة من طلاب هذا الوطن العزيز، كتابا جديدا عصريا متدرجا مع مستواهم، متمشيا مع مداركهم، سوء من ناحية الفكرة على الوجه الموضح في الكتاب>>.
وفاته:
توفي الشيخ العالم العلامة شيخي وأستاذي سيدي عبد الرحمن بن محمد الجاي الوردي، يوم الأربعاء ثاني جمادى الثانية 1422هــ/الموافق22 غشت 2001م، وأقبر بالمقبرة التي توجد بين حي الأدارسة وحي للا سكنية بفاس، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته. آمين، والحمد الله رب العالمين.
عن الكاتب
مواضيع ذات صلة
اكتب تعليق
لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.