مرت 61 سنة على انطلاق هذا المشروع الواقع ما بين تاونات وكتامة
جمال المحافظ- الرباط:”تاونات نت”/ في الخامس من يوليوز 2018، تكون قد مرت 61 سنة على انطلاق مشروع طريق الوحدة الواقعة ما بين تاونات وكتامة المخصصة للربط بين شمال وجنوب المغرب الذي مزقه الاحتلال الفرنسي والاسباني على مدى المرحلة الاستعمارية ما بين 1912 و1955.
لم يكن الهدف من هذا المشروع، هو قيام 11 ألف شاب من مختلف مناطق المغرب، سنة 1957 ولمدة ثلاثة اشهر، بشق طريق طولها 60 كلم وهي العملية التي كان بمستطاع ادارة الاشغال العمومية والتجهيز ان تتولاه، بل كان الهدف يتمثل آنذاك، في بناء الانسان من أجل تشييد دعائم المغرب الجديد، كما كان يردد دوما على مسامعنا مربي الاجيال المرحوم محمد الحيحى أحد أعضاء لجنة الاشراف على وضع مخطط تنفيذ هذا المشروع الذي لم يمكن مشروعا رسميا وحكوميا، وانما كان مشروعا وطنيا رائدا، من بنات أفكار الشهيد المهدي بن بركة، الذي كان يخاطب الشباب المتطوع في بداية الاستقلال بالقول ” نحن نبنى الطريق والطريق تبنينا”.
فالهدف كان أكبر وأعمق من عملية البناء، وهو ما يمكن الوقوف عليه في مضامين رسالة المهدي بن بركة الى المغفور محمد الخامس خلال تلك الفترة، حينها، بالرغبة في أن يحتل طريق الوحدة مكانته ضمن حملة وطنية لتعبئة القوى الحية في البلاد من أجل بناء استقلال المغرب الجديد. واقترح المهدي بن بركة، في هذا الصدد، ان يتم تنفيذ مشروع طريق الوحدة عبر العمل التطوعي للشباب، وان يكتسي طابعا رمزيا في ترسيخ وحدة المغرب الذي مزقته القوى الاستعمارية وتكالبت عليه، ويجسد بذلك التحاما ملموسا بين منطقتي الشمال والجنوب اللتين كانتا تربطهما سوى بعض المسالك الموجودة على طرفي الريف، وبالتالي فك العزلة عن مناطق الشمال التي فرضها الاستعمار الاسباني.
وفي اطار استراتيجية التكوين والتأهيل الخاصة بالأطر المشرفة على المشروع، نظمت سلسلة من المحاضرات في مركز التكوين بالمعمورة بضواحي سلا، منها محاضرة بعنوان ” مهمتنا في الحالة الراهنة ” للمهدي بن بركة رئيس المجلس الوطني الاستشاري، تناول خلالها الوضعية العامة ابان السنوات الأولى للاستقلال وواجبات المواطنين ازاءها والعمل الذي يتعين على الشعب أن يقوم به لتدارك ما لحق البلاد من تأخير في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نتيجة قرون من الركود ولسياسة التجهيل والافقار التي اصطبغ بها عهد الحماية.
وخلص الى القول أن سبيل النجاح يتمثل أساسا في اعداد المواطنين المكافحين الذين يكونون طلائع الجماهير الشعبية المجندة لتحقيق برنامج اصلاح حال البلاد. ويشترط في هذه الطلائع، حسب المهدي بن بركة، أولا: استعداد فكري بالإخلاص والتفاني في خدمة الشعب الدي يجب ان يكونوا منه واليه. وثانيا: تكوين خاص لتزويدهم بمعلومات ضرورية عن حالة البلاد، وما تتطلبه من علاج عن طريقة التجنيد في سبيل العمل لبناء الاستقلال، وهي الغاية الرئيسية من مشروع طريق توحيد المغرب الذى هو قبل كل شيء مدرسة ستخرج الطلائع من صفوف جماهير الشباب المتطوع لبناء الاستقلال.
جمال المحافظ خلال تكريمه بتاونات من طرف صدى تاونات
فالمهمة الحالية في بداية الاستقلال، هي تلك المنوطة بالشعب المغربي عندما تتضح لديه أن الغاية التي يجب أن يسعى نحوها ويكون على بينة من حالته الحاضرة. فغايتنا يقول، المهدي بن بركة، هي بناء مغرب جديد يعيد مجده التاريخي وتحقق لأبنائه، الرفاهية الاقتصادية لفائدة الجميع بفضل طاقته البشرية وخيراته المختلفة من فلاحية ومعدنية وصناعية والعدالة الاجتماعية بفضل حيوية جماهيره الشعبية وروح التضامن التي تربى عليها فضلا عن الاستقرار السياسي والازدهار العلمي بفضل نظام ملكي دستوري ينبني على مؤسسات ديمقراطية، ناشئة عن تربيتنا الوطنية ومن أعماق عقائدنا الدينية وتقاليدنا التاريخية الصحيحة.
ويعتبر المهدي بن بركة أن الحالة الحاضرة وليدة أمرين اثنين، أولهما الميراث الذي خلفه النظام الاستعماري والذي يجب علينا تصفية سائر مظاهره السياسية والعسكرية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والنفسانية، وثانيهما الميراث الذى فتح الباب للسيطرة الاستعمارية وهو ناتج عن الفترة الانعزال والانكماش التي مرت بها بلادنا طيلة القرون الاخيرة التي كنا فيها مضطرين للدفاع عن أنفسنا ضد الغارات الاجنبية، فتسبب ذلك الانكماش في قلة المبادلات العلمية والاقتصادية، فانتشر الجهل ولم تساير أمتنا ركب الحضارة والعمران. ونبه الى أن هذا الميراث الثاني أشد خطرا من الميراث الأول وهو الذي بترك البلاد عرضة لأخطار جميع أنواع العبودية والاستغلال.
وشدد على أن هناك تجارب يتعين الاتعاظ بها منها تجربة أمم كانت في نفس وضعيتنا بعد أن تحررت من الحكم الأجنبي وسلكت أحد مسلكين: فبعضها اغترت بمظاهر الاستقلال وعرف الاستعمار كيف يلهيها بالتغييرات السطحية والمنافسات السخيفة عن واجباتها الحقيقية ومن مهمتها الثورية، حتى اضطرت أن تقوم بحركة تحريرية ثانية، بعد أن ضيعت وقتا ثمينا وأحدثت في جماهيرها خيبة مريرة، وبعض الأمم عرفت كيف تقف في مستهل طريق النهوض بعد زوال الحكم الاستعماري، وجندت قواتها الحية لاقتلاع جذور أمراضها، واستكمال تحررها من جميع العوائق التي تؤخر سيرها الى الأمام .
وتساءل عن ماهي العوائق التي تقف في وجهنا ؟ وقسم المهدي بن بركة هذه العوائق الى قسمين أولا: من أنفسنا ،وتتمثل في محاربة روح التقاعس التي توحى بإيقاف الكفاح وتخلق روح الاغترار ببوادر النصر ومحاربة روح النفعية التي تجعل من الاستقلال غنيمة توزع، علاوة على محاربة روح الانتظار التي تجعل من الاستقلال غاية في حد ذاته تحقق كل المعجزات. وثانيا: عوائق من غيرنا، وتمثل في التعجيز الاستعماري في الشؤون الادارية والفنية والمالية، والغرض من ذلك كله بعث: اليأس في النفوس واستمرار السيطرة الاستعمارية وذلك عبر التحطيم المعنوي عبر الحرب البسيكولوجية التي يشنها المستعمرون بطرق مباشرة وغير مباشرة للتضليل والتشكيك والاحباط والفتنة، بتشتيت الأمة التي وحدها الكفاح، وتحطيم قيادتها التي امتحنتها الأحداث والازمات وبعث الروح العنصرية القبلية، وبخلق مشاكل داخلية وخارجية لا تتصل بالمشاكل الجوهرية لبناء الاستقلال. وارجع أسباب فشل الحرب النفسانية الآن الى متانة صفوف المخلصين تحت قيادة الملك المتبصر اليقظ الحكيم، غير أن الخطر ما يزال قائما.
غير أن المهدي بن بركة حدد واجباتنا في الشعور بالمسؤولية عبر عدم السماح بأدنى اهمال في الفترة الانتقالية الدقيقة التي يتربص فيها المستعمرون بنا الدوائر، وذلك من خلال عدم التهاون في قيادة النهضة حتى لا تتوجه أمتنا اتجاها فاسدا من الابتداء عن طريق التضليل والاغراء و تجنيد الجماهير الشعبية في المنظمات الوطنية ،حتى لا تبقى عرضة لكل استغلال، ويوجه حماسها للبناء المثمر وتتضافر جهود المخلصين في طريق الخير مع تمتين النظام وتقوية الصفوف ونشر روح الخضوع الى المصلحة الوطنية العليا.
طريق الوحدة
فسبيل النجاح، في نظره يقتضى اعداد المواطنين المكافحين الذين يكونون طلائع الجماهير الشعبية المجندة لتحقيق هذا البرنامج والتي يشترط فيها استعداد فكري بالإخلاص والتفاني في خدمة الشعب الذي يجب ان يكونوا منه واليه، وتوفرهم على تكوين خاص لتزويدهم بمعلومات ضرورية عن حالة البلاد وما تتطلبه من علاج عن طريقة التجنيد لبناء الاستقلال.
فطريق الوحدة الذى هو قبل كل شيء مدرسة ستخرج الطلائع من صفوف جماهير الشباب المتطوع لبناء الاستقلال واعتبار هذه الخطة لتعبئة الحماس الشعبي في سبيل بناء الاستقلال وتحصينه، خير وسيلة لكسب الاصدقاء من الأمم التي نحن في حاجة الى مؤازرتها والتي يتعين تمتين الروابط معها، وخاصة منها الامم الشقيقة التي تجمعنا وإياها روابط الكفاح في سبيل التحرير والتقدم، فتلك هي الغاية الرئيسية من مشروع طريق توحيد المغرب. وإذا كان شباب مغرب بداية الاستقلال قد توحد حول طريق الوحدة، ، فأي مشروع في ظل السياقات الجديدة والمتغيرات الراهنة يمكن ان يجمع ويوحد شباب القرن الواحد والعشرين؟.