فصل الشتاء في إقليم تاونات..مناخ بارد ووضع يستدعي التدخل
أحمد المتوكل:”تاونات نت”/ يَحُل فصل الشتاء بمنطقة تاونات فتعرف كغيرها من مناطق المغرب تساقطات مطرية مهمة، وانخفاضا كبيرا في درجات الحرارة، وطقسا باردا، نظرا لوقوعها بالمنطقة الداخلية للبلاد، وبالضبط في مقدمة جبال الريف، فهي ترتفع عن سطح البحر بأزيد من 800 متر، كما تبعد عن ساحل البحر من كِلا الواجهتين بمسافة طويلة، وهو ما يجعلها تعرف هبوطا كبيرا في درجات الحرارة، إذْ ينزل معدلها في أشهر (دجنبر- يناير- فبراير) إلى ما دون الصفر، وهو ما يشكل هما مؤرقا لقاطني المدينة والمناطق المجاورة لها.
كما توجد ببعض مناطق إقليم تاونات جبالٌ مرتفعة تتساقط عليها في هذا الفصل كميات مهمة من الثلوج، كجبل “درنكل” ويسمى كذلك بجبل “الكِيل” بجماعة عين مديونة بارتفاع 1628 متر، وجبل تِفلْواسْتْ بمنطقة بني بربر في الجهة الشمالية من تاونات بعلو 1855 متر، وجبل ودكة بمنطقة غفساي 1600 متر، والثلوج المتساقطة على هذه الجبال وغيرها تعطي للمناطق المحيطة بها برودة يُحِسُّ بها السكان المجاورون.
كما تعرف درجة الحرارة بتاونات انخفاضا كبيرا خصوصا في الليل وأول الصباح، أو مع هبوب الرياح من جهة الشمال حيث ثمَّةَ جبال تغزوت واكتامة التي تكسوها في أغلب شهور الشتاء كميات مهمة من الثلج المتساقط فوق قممها.
كما تساهم الأودية الجارية والسدود الممتلئة بالمياه المجاورة للمنطقة في انتشار البرودة بسبب كميات المياه المتواجدة فيها، أو المنسكبة من الوديان أو النازلة من مناطق باردة.
وخلال طول ليالي فصل الشتاء ومع انخفاض درجة الحرارة بشكل كبير تقل حركة سكان تاونات في شوارع المدينة وأزقتها مباشرة بعد صلاة العشاء، وتغلق جل المقاهي أبوابها، فتكاد تنقطع الحركة حيث يحاصر البردُ السكانَ في البيوت، فلا يخرج من بيته إلا من ألجأته حاجة ضرورية لذلك.
أما ليل فقراء سكان تاونات في أشهر الشتاء فهو طويل عليهم، حيث تعتصر قلوبهم الحسرة والأسى بسبب البردِ الذي يعانون منه في بيوتهم، فلا يجدون مفرا منه إلا لدفء الفراش، لضعف المستوى الاقتصادي للأغلب الأسر التاوناتية، وقليلة هي الأسر التي تتوفر على وسائل التدفئة وأجهزة التسخين العصرية تقي نفسها بها قَرَّ الطقس.
فما أن يبدأ الليل في طوله في فصل الشتاء، والشمس في اقترابها من الأرض حتى ترى وجوه الناس تتغير ملامحها، ويشكو بعضهم لبعض قسوة البرد، ويستاؤون من القرّ القارس والصقيع و”الجريحة”، ويظهر أثر ذلك باديا على مُحياهم وملابسهم، وكلما انخفضت درجة الحرارة في آخر الليل وفي ساعات الصباح إلا وازداد تأففهم منها، وكثر كلامهم عن درجة انخفاضها بين ساعات الليل والنهار، وكم تراوح معدلها من يوم لآخر.
كما تنتظر ساكنة تاونات بتلهف وشوق تساقط الثلوج في فصل الشتاء، وحينما ينزل ترى الصغار والكبار يخرجون ليتمتعوا بمنظره الرائع، وجماله الآسر، فتجد الصغار يلعبون به في فرحة وسرور، ويقذف بعضهم بعضا به، إذْ لا يفَوِّتون فرصة اللعب به لأنه قد لا يرونه إلا بعد سنوات، ولأن الوضع المادي لكثير من الأسر لا يسمح لهم بالانتقال والرحلة لجبال الأطلس للتمتع بنعمة الثلوج.
وتميزت هذه السنة بهطول كميات كبيرة من الأمطار في بداية شهر نونبر بشكل لم يكن مألوفا من قبل، وانخفاض درجات الحرارة بشكل كبير مع بداية شهر يناير وظهور موجة الصقيع والجريحة بالمنطقة.
أوضاع قرى تاونات في الشتاء تستدعي التدخل من الجهات المسؤولة
يتكون إقليم تاونات في أغلب مناطقه من تضاريس قروية ومناطق جبلية وهضاب طينية ومنعرجات، فهو يضم 49 جماعة ترابية منها فقط 5 تنتمي للمجال الحضري والباقي كله قروي.
وتعرف القرى والبوادي والجبال بمناطق الإقليم في هذا الفصل ظروفا قاسية وصعبة حيث تغيب فيها أدنى شروط العيش الكريم، وخصوصا عندما يكثر تهاطل الأمطار وتشتدد موجات البرد، ويكثر جريان المياه في الوديان والشعاب والجداول بغزارة وتتبلل الأتربة الطينية بالماء، وتتوقف العربات عن التحرك في الطرقات الوعرة خوفا من الانزلاق والحوادث.
وتجدر الإشارة إلى أنه في كثير من الأحيان تسبب التساقطات المطرية والثلجية الغزيرة في بعض مناطق الإقليم انقطاعا في الطرقات، وانهيارا في المنازل، وارتفاعا في منسوب مياه الأودية والشِّعاب، وتوقفا لحركة السير فيُحاصَر سكان المناطق الجبلية بالدواوير والمداشر، فتتأخر مواعيد السفر، ويفوت قضاء الحاجات المرتبطة بالمواعيد المحددة، ويصعب تنقل المرضى والحوامل للمستشفيات للتداوي والعلاج والوضع وتلقيح الرضع، ويفوت على كثير من السكان قضاء الأغراض الإدارية في الإدارات البعيدة عنهم.
كم يتخلف التلاميذ والمدرسون عن الوصول للمدارس البعيدة عنهم في بعض المناطق الوعرة لأيام، ويعاني المتمدرسون والأساتذة من البرد الشديد داخل الفصول الدراسية لغياب الأقسام المجهزة لمواجهة البرْد وانعدام وسائل التدفئة.
إن كثيرا من مناطق إقليم تاونات تعرف ظروفا صعبة في هذا الفصل البارد، حيث تتخبط ساكنتها في مجموعة من المشاكل وتعيش كثيرا من المنغصات بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي تمس جميع جوانب الحياة اليومية، كما يعاني أرباب الأسر كثيرا من أجل تأمين مصاريف لقمة العيش لأهلهم، ويتحدَّون كل صعب هم عائلاتهم من أجل البقاء على قيد الحياة، ويصبرون على حياة البؤس والشقاء والمعاناة، مع أدنى شروط العيش الكريم، متحملين شظف العيش وقساوة مناخ الطبيعة، وصابرين على إهمال وتقاعس المسؤولين عن الرعاية والعناية بهم والقيام بالواجب اتجاههم.
إن ساكنة بعض مناطق الإقليم – كمناطق بني وليد وتمضيت ومرنيسة … ذات الجبال والمناطق النائية والطرق الوعرة والمنحدرات الصعبة، تحسب فصل الشتاء موسم عذاب بالنسبة إليها، حيث تعيش قساوة الطقس متخبطة في مشاكلها في صمت، وبعيدا عما يقال في وسائل الإعلام الرسمية، إذ يظن من يراهم في مِحَنِهم وكأنهم يعيشون خارج التاريخ، وتظهر معيشتهم الضنكة على قَسَمات وجوههم، وفي تفاصيل حياتهم المُعاشة، ومنازلهم المهددة بالسقوط، وأسمالهم المرقعة، وأغطيتهم البالية، وأرجلهم الحافية اللهم إلا من أحذية بلاستيكية، وأجسادهم التي تئن وتشكو لخالقها وطأة الطقس، وتقصير المسؤولين من بني الإنسان، وغياب برامج التنمية الحقيقة الدائمة على طول العام.
دور المسؤولين من التخفيف من آثار فصل الشتاء
إن ما تعيشه الأسر القروية الفقيرة بمختلف المناطق الجبلية المشَكِّلَة لتراب إقليم تاونات خلال فصل الشتاء من معاناة ويأس وبأس وإحباط وفقر وحاجة وبُعْدِ عن الأسواق والمدارس والمستشفيات والإدارات… ومعاناة مادية ومعنوية مريرة تتكرر كل فصل شتاء، تجعلهم جديرين وأَوْلى وأسبق ببرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الدائمة وليس المناسباتية، وبأحقيتهم المُلحة في الاستفادة من محاربة الهشاشة والفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية، وتوفير الرعاية المادية والمعنوية اللازمة الشاملة لهم.
لذا يتعين على المسئولين الحكوميين والجهويين والإقليميين من سلطات ومنتخبين ومصالح مختلفة توفير المزيد من الدعم المادي والمعنوي لسكان الدواوير والقرى النائية، وسن عدد من التدابير والإجراءات والبرامج الكفيلة بمساعدتهم على التخفيف من وطأة الشتاء والبرد في هذه الأشهر الشديدة عليهم، ووضع حد لمعاناتهم ولو بشكل تدريجي، والانكباب على إعداد مخططات بعيدة المدى من أجل العمل على تقليص نسبة المسالك الطرقية التي تنقطع سنويا وتعبيدها، وتسهيل تنقل المواطنين القاطنين في الجبال.
كما يجدر بمن يتولى المسئولية في الإقليم القيام بخلق مشاريع تنموية اقتصادية وأنشطة مدرة للدخل، وتحريك وتشجيع الاقتصاد المحلي، ودعم المنتوجات والصناعات التقليدية فيه، الشيء الذي ينمي حركة الاقتصاد ويغرس في قلوب ساكنة المنطقة حبها والشعور بالاعتزاز والفخر بالسكن فيها، والانتماء إليها مما يحد من الهجرة القروية والنزوح نحو الحواضر.
كما يتوجب على جمعيات المجتمع المدني بالإقليم القيام بالدور المنوط بها والتنسيق فيما بينها، والنهوض بالعمل الاجتماعي، والإكثار من الحملات الإحسانية والطبية والخدمات المتنوعة… وجمع المواد الغذائية الأساسية والملابس، وجمع التبر عات والألبسة والأغطية والأدوية و… والانطلاق إلى مناطق الإقليم التي يستدعي وضعها التدخل لإغاثة الفقراء وضحايا البرد للتخفيف من معاناتهم وإدخال السرور عليه وتقديم يد العون والمساعدة لهم.