في المسألة التعليمية …القيم وارتباطاتها بالكفايات التعليمية

في المسألة التعليمية ... القيم وارتباطاتها بالكفايات التعليمية

في المسألة التعليمية … القيم وارتباطاتها بالكفايات التعليمية

د.اكنينح العربي°- فاس :”تاونات نت”/يتحدث في هذه الأيام، في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، عن القيم وقيمتها التربوية وضرورة تلقينها للمتعلمين في مختلف المستويات الدراسية، في ارتباط وثيق مع اكتساب الكفايات والمهارات المحددة في برامج المناهج الدراسية المزمع تطبيقها في القادم من الأيام. ويبدو من خلال عدد من القرائن والتصريحات الصادرة من هنا وهناك، أن هذا المفهوم ( القيم ) لازال غامضا في أذهان الناس، ولا يوجد لحد الساعة لدى المسؤولين عن هذا القطاع، تصور واضح عن مواصفات الإنسان الذي يريدون تكوينه في أفق العشرين سنة المقبلة.

 ومساهمة منا في توضيح هذا الموضوع لرجال التعليم العاملين في الأقسام أولا ، و ثانيا للرأي العام بصفة عامة الذي يجهل كل شيء عن العملية التعليمية، ندرج هنا، مقتطفا من كتابنا الذي يحمل عنوان: “الكفايات والقيم وسبل اكتسابها في مادة الإجتماعيات ” ،الصادر سنة 2004 ، وذلك تعميما للفائدة من جهة، وإثراء للنقاش حول هذا القطاع الذي يحتاج إلى تظافر الجهود لإخراجه من الوضع الذي يوجد فيه من جهة ثانية.

مع ملاحظة أساسية أن مضامين هذا الكتاب، تنطلق من فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي تمت صياغته مع متم القرن العشرين وأجرأته في سنة 2001 ، في أفق إصلاح المنظومة التربوية لذلك الوقت والذي لازال في نظرنا، محطة هامة يمكن الإستئناس بها لصياغة منظور آخر لما يجب أن يكون عليم تعليمنا في أفق 2030.

(القيم/ (Les valeurs:
القيم هي المثل والمبادىء التي توجه سلوكات الناس وتنظمها في الإتجاه المرغوب فيه. ويتم تحديد القيم والمبادىء المبتغاة لدى الناشئة عادة من طرف السلطات العليا المسؤولة عن التعليم. وتختلف مرجعيات القيم باختلاف الأمم ،وتباين ثقافاتها، ومعتقداتها الدينية، وتطور مقوماتها الحضارية والهوياتية، ونظرتها إلى الحياة بصفة عامة. فقيم الجمهورية الفرنسية، على سبيل المثال، وهي دولة لائكية، تنبني، بالإضافة إلى قيم المواطنة وحقوق الإنسان، على التآخي بين الناس، وتساكن الديانات، والثقافات فيما بينها داخل نفس الوطن، وعدم التمييز بين مختلف الأجناس، في الحقوق والواجبات : (Liberté, Fraternité, Egalité ).  ؛في حين حدد الميثاق الوطني للتربية والتكوين عندنا أربع مرتكزات للقيم ، تتمثل، في قيم العقيدة الإسلامية السمحة، قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، قيم المواطنة، قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.

قيم أساسية

قيم أساسية

مواصفات المتعلم في نهاية السلك الإعدادي:
تتوخى المناهج التربوية للسلك الإعدادي الذي هو استمرار للسلك الإبتدائي تزويد المتعلم بمواصفات من بينها، أن يكون:
– مكتسبا للقدر الكافي من مفاهيم العقيدة الإسلامية الوسطية ، حسب ما يلائم مستواه العمري، ومتحليا بالأخلاق والآداب الإسلامية الفاضلة في حياته اليومية،
– متشبعا بقيم الحضارة المغربية بكل مكوناتها، وواعيا بتنوع وتكامل روافدها،
– متشبعا بحب وطنه وخدمته،
– متفتحا على قيم الحضارة المعاصرة وإنجازاتها،
– مشبعا بقيم حقوق الإنسان وحقوق المواطن المغربي وواجباته،
– على دراية بالتنظيم الإجتماعي، والإداري، محليا وجهويا، ووطنيا، ومتشبعا بقيم المشاركة الإيجابية وتحمل المسؤولية،
– متفتحا على التكوين المهني والقطاعات الإنتاجية والحرفية،
– متذوقا للفنون وواعيا بالأثر الإيجابي للنشاط الرياضي المستديم على الصحة،
– متشبعا بقيم المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي، والوطني، وقيم تحمل المسؤولية.
مواصفات المتعلم في نهاية السلك التأهيلي:
تتوخى المناهج التربوية للسلك التأهيلي تزويد المتعلم بمواصفات من بينها، أن يكون:
– متشبعا بالقيم الإسلامية الوسطية البعيدة عن كل غلو أو تطرف أو كراهية للآخر،
– متفتحا على قيم ومكتسبات الحضارة الإنسانية المعاصرة،
– متشبعا بحب المعرفة، وطلب العلم، والبحث، والإكتشاف،
– قادرا على مسايرة المستجدات في مجالات العلوم، والتكنلوجية، والمعارف الإنسانية، واستثمار المكتسب منها في خدمة ذاته ومجتمعه،
– متشبعا بقيم الحداثة والثقافة الديمقراطية،
– قادراعلى المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني،
– قادرا على المساهمة في تدبير محيطه وتنميته.
إن هذه الإختيارات والتوجهات في مجال القيم تتوخى أيضا تحقيق الغايات التالية:
– ترسيخ الهوية المغربية الإسلامية والحضارية، والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها
– التفتح على مكاسب ومنجزات الحضارة الإنسانية،
– تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته،
-تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والإكتشاف،
– المساهمة في تطوير العلوم والتكنلوجية الجديدة،
– تنمية الوعي بالحقوق والواجبات،
– التربية على المواطنة وممارسة الديمقراطية،
– التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الإختلاف،
– ترسيخ قيم المعاصرة والحداثة،
– التمكن من التواصل باختلاف أشكاله وأساليبه،
– التفتح على التكوين المهني المستمر،
– تنمية الدوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات،
– تنمية القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني.
عند قراءة هذه النقط، نلاحظ تداخلا كبيرا بين الكفايات والقيم المرجو تحقيقها لدى المتعلمين ، وهذا أمر طبيعي لإن القيم لايمكن تمريرها خارج إطار الكفايات بل هي مرتبطة بها ارتباطا كليا.
كيفية تمرير القيم في ارتباطاتها مع الكفايات ، نمودج مادة الإجتماعيات .

الدكتور-العربي-اكنينح

الدكتور-العربي-اكنينح

 قيم العقيدة الإسلامية الوسطية:
إن اكتساب معارف حاملة أو مؤدية إلى العقيدة الإسلامية الوسطية السمحاء، والتحلي بالأخلاق والآداب المجسدة للإستقامة والسلوك المتحضر، يتم بصفة خاصة في مادة التربية الإسلامية والخلقية. لكن المواد المتعلقة بتاريخ الإسلام وتراثه وحضارته، تساهم أيضا في ترسيخ هذه القيم لدى المتعلمين. فعندما نكون مثلا بصدد الحديث عن المجتمع الجاهلي ومثالبه، ونقارن بينه وبين الإصلاحات التي أدخلها الإسلام على وضعية المرأة ، والرقيق، و نظام الإرث ، والتكافل بين الناس، وعدم وأد البنات، وصيانة حقوق الأقليات، وغيرها من المبادىء الإسلامية، نعمل جنبا إلى جنب مع أساتذة التربية الإسلامية والعلوم الشرعية، في إعداد الإنسان المسلم المتحلي بالقيم والمثل الآنفة الذكر. وعندما نكون بصدد دراسة أسباب نشأة الدول وسقوطها، في العالم الإسلامي، نقول لهم إن الدولة الطبيعية ،في العصور الوسطى، كانت في بداية عهدها، تقتصر في الجباية، على الضرائب الشرعية المتمثلة في الزكاة، والأعشار، والجزية، والخراج، وحينها كانت الرعية تنشط وتتفرغ للإنتاج. إلا أنه عندما كانت الدولة تحيد عن النسب الشرعية، وتكثر من الوظائف والمكوسات وغيرها من أصناف الجبايات، كان الناس يتضررون من تلك الأعباء ويفرون من مواطنهم، وبذلك كانت تتناقص مداخيل بيت المال، وتبدأ الدولة، تبعا لذلك، في الضعف تدريجيا إلى أن تنقرض نهائيا في آخر المطاف.( الدورة الخلدونية، المقدمة،( ص،279 – 280) . وحينما يحدث الأستاذ تلاميذه عن الأحباس ودورها التكافلي والإجتماعي في تاريخ الإسلام، يمرر أيضا قيما من فيم العقيدة الإسلامية.

 وعند الحديث عن الجزية، وأهل الذمة بصفة عامة الذين كانوا يعيشون في دار الإسلام، يفهم المتعلم معنى التسامح والتساكن مع الآخر، ويعرف أيضا أن الإسلام، ضمن كذلك، بالإضافة إلى حقوق الأفراد والجماعات، حقوق الأقليات والطوائف الدينية الأخرى. والأمثلة كثيرة.

قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية:
تنبني الهوية الحضارية لشعب من الشعوب، أو لجماعة من الجماعات السلالية، على مقومات متداخلة تربط بين مختلف مقوماتها وتشد الناس إلى بعضهم البعض. وهذه المقومات هي: الوطن ، والجنس، واللغة، والدين، والعادات، والتقاليد، والماضي المشترك. فبالنسبة للوطن، ينبغي على المتعلم أن يتعرف بصورة معمقة، على جغرافيته الطبيعية، والإقتصادية وتقسيماته الإدارية والمجالية ، ويلم بالروافد الأساسية التي تشكل تركبته الإثنية، ويطلع، بصورة مفصلة، على تاريخ بلاده، ويقف على المحطات المشرقة، والأزمات الدورية، والعوامل التاريخية التي تحكمت في صيرورته التاريخية، في ارتباط وثيق مع عالميه العربي والإسلامي ومحيطه الجهوي والكوني بصفة عامة. فكلما ازدادت معرفة التلميذ بمميزات وطنه ، ووقف على انتصارات أو إخفاقات أجداده ، إلا وتمسك بمسقط رأسه وتجند لخدمته والدفاع عنه. وللوصول إلى هذه الغاية، بنبغي أن تحتل الدروس المخصصة لجغرافية المغرب والعالمين العربي والإسلامي، حصة مهمة في المقررات الموزعة على سنوات مختلف الأسلاك. كما يجب أن تغطي دروس تاريخ المغرب والعالم الإسلامي نسبة كبيرة من نفس المقررات. ويجب أيضا أن تصاغ المضامين وفق مناهج علمية تخدم هذه الغاية، وتخلص تاريخنا بصفة خاصة من الرؤى الإستعمارية المغرضة التي كانت تستهدف طمس هويتنا، وزرع التفرقة فيما بيننا، وتشويه ماضينا، والحط من قيمة أسلافنا وزعزعة الثقة بأنفسنا.
وإلى جانب الإطلاع على جغرافية الوطن وتاريخه، تساهم اللغة في ترسيخ الهوية الحضارية للمتعلمين . لذا ينبغي حمل التلاميذ على إتقان اللغة العربية التي تمكنهم من فهم القرآن والسنة وقيم العقيدة الإسلامية، والإطلااع على التراث العربي الإسلامي بصفة عامة. وتساهم دروس التاريخ بصفة عامة، في تنمية قدرات التلاميذ التواصلية. فعندما يقف أستاذ الإجتماعيات مثلا، عند شرح الكلمات والمصطلحات التاريخية، مثل الجزية، والأنفال، والبيعة، وأهل الذمة، والأشهر الحرم إلخ…، يمرر أيضا قيما من قيم الهوية الحضارية. وبالإضافة إلى اللغة العربية، ينبغي أيضا الإهتمام باللغة الأمازيغية التي تسمح للمتعلم بالإطلاع على موروثنا الثقافي الشعبي المحلي ،والوطني، والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل مكونات ثقافتنا الوطنية. وعند اختيار المضامين في مادة التاريخ، بصفة خاصة، يجب أن لا نركز على التاريخ الحدثي السياسي ، بل ينبغي أن نقوم بتحليل البنيات الإقتصادية، والإجتماعية، والسياسية لبلادنا والعالمين العربي والإسلامي، في انفتاح تام على التاريخ الكوني. وهذه المجالات تتيح لنا الفرصة للحديث عن العادات، والتقاليد، والموسيقى، والموروث الشعبي، والتطرق، بالوصف والتحليل، للفئات الإجتماعية، وأنماط الحرف ،والحسبة، وأنماط عيش السكان، وانشغالاتهم اليومية ،وغيرها من المكونات الإقتصادية ،والإجتماعية ،والثقافية التي تصب في اتجاه ترسيخ هويتنا الحضارية ،وتدفع المتعلمين، بالتالي، إلى الإعتزاز بها والتمسك بإيجابياتها ونبذ سلبياتها.

قيم المواطنة:
تكتسب هذه القيم بصفة خاصة في مادة التربية على المواطنة وفي كثير من دروس التاريخ الحاملة لقيم الوطنية والمواطنة والتي تنمي لدى المتعلم حب بلاده، والتشبث بهويته الحضارية، والتمسك بمبادئها الأخلاقية، والثقاقية، دون تمييز جنسي ،أو عرقي، أو اجتماعي، أو جهوي،أو غيره. كما تمكنه من الوعي بالحقوق والواجبات، والتشبع بروح الحوار، والتسامح ، وقبول الإختلاف، وترسخ فيه كذلك قيم المعاصرة، والحداثة، والقدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني، فضلا عن التفاعل الإيجابي مع المحيط الإجتماعي على اختلاف مستوياته. وفي هذا الصدد، يجب أن تراجع مضامين المقررات الحالية التي تندرج تحت عنوان التربية الوطنية المنبثقة عن رؤى الحركة الوطنية وفلسفتها في تكوين الأجيال التي نشأت بعد الإستقلال . فهذه المضامين أصبحت متجاوزة الآن، ويجب أن تدرج في مقررات التاريخ، وتحل محلها مضامين تخدم التربية على المواطنة لا على الوطنية، كما كان الحال
سابقا، والفرق بين المفهومين (الوطنية والمواطنة) شاسع ولا لبس فيه.

مجال+التربية+على+القيم+حسب+مرتكزات+الميثاق+الوطني+للتربية+والتكوين

مجال+التربية+على+القيم+حسب+مرتكزات+الميثاق+الوطني+للتربية+والتكوين

قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية:
إن قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، يمكن تمريرها عن طريق الكثير من النصوص وعدد من المواد الدراسية، مثل اللغة الفرنسية، والإنجليزية والعربية ،والتربية على المواطنة. وفي مقررات التاريخ بصفة خاصة، نجد دروسا كاملة رصدت لهذه الغاية. وفي هذا الصدد، ينبغي للأستاذ،كلما عثر في درس من الدروس، على إشارات حاملة لقيم حقوق الإنسان، أن يقف مليا عندها ويتوسع في شرحها لترسيخ قيم الحداثة والديموقراطية لدى المتعلمين، وتنمية الوعي بالحقوق والواجبات لديهم.

ارتباطات القيم بالكفايات:
إن القيم التي تم الإعلان عنها كمرتكزات ثابتة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المشارإليه آنفا، والمتمثلة، في : قيم العقيدة الإسلامية السمحاء، وقيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، وقيم المواطنة، وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، لا يمكن فصلها عن الكفايات الإستراتيجية ، والتواصلية، والمنهجية، والثقافية، والتكنولوجية المشار إليها في كتابنا الآنف الذكر. فتمرير المثل والمبادىء المذكورة والتي ستوجه سلوك المتعلمين وتنظمه، تتم أثناء اكتساب التلاميذ للقدرات الموصوفة آنفا، ومن خلال جميع المضامين الحاملة أو المؤدية إلى تحقيق وتبلور تلك القيم. إن مادة الإجتماعيات، مكون فقط من مكونات المواد الدراسية، وتتقاطع مع باقي المواد لتمرير القيم المرغوب فيها، لكنها تشكل الفضاء الأمثل لتحقيق هذه الغاية، أي القيم المشار إليها آنفا.

°أستاذ محاضر- باحث قي التاريخ والتربية والتكوين/ من مواليد إقليم تاونات

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7245

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى