الجندي التاوناتي أمنزو يحكي ل “تاونات نت” تفاصيل حرب أكتوبر 1973

الجندي التاوناتي محمد أمنزو

الجندي التاوناتي محمد أمنزو

بطاقة تعريف: المساعد الأول محمد أمنزو، من مواليد دوار ايمغدن بجماعة ازريزر باقليم تاونات، دخل صفوف القوات المسلحة المكلية ورقي في فاتح يوليوز 1974 الى رتبة كابورال، بعدها حصل على وسام الشجاعة من الدرجة الثالثة وعدد من الميداليات لمشاركته في حرب أكتوبر 1973 بهضبة الجولان ولشجاعته واستقامته في اداء الواجب الوطني ألا وهو الدفاع عن الوطن، قضى 34 سنة في صفوف القوات المسلحة الملكية وهو الآن متقاعد وله أبناء ويقيم بمسقط رأسه دوار ايمغدن بجماعة ازريزر.

6 أكتوبر 1973 ? 6 أكتوبر 2014، 41 سنة مرت على آخر حرب بين جيوش عربية والجيش الإسرائيلي، التي عرفت في الأدبيات السياسية والأدبيات العسكرية إما باسم “حرب أكتوبر” أو “حرب رمضان” من الجانب العربي، وباسم “حرب أيام الغفران” من الجانب الإسرائيلي. وهي حرب ستبقى خالدة، كونها حققت بعض الإنتصارات العسكرية للجندي العربي على الجبهتين السورية والمصرية، لأول مرة على الآلة العسكرية الإسرائيلية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، طلب الرئيس نيكسون تخصيص 2.2 مليار دولار مستعجلة من الكونغرس لصالح إسرائيل، ورد عليه الملك فيصل السعودي الذي اغتيل شهورا بعد ذلك بقطع البترول عن الغرب كله.

وبالعودة إلى احدى الشهادات الميدانية لتلك الحرب ارتأت جريدة صدى تاونات نقل بعض حيثياتها الخفية على لسان أحد المتطوعين فيها وهو محمد أمنزو المساعد الأول في تجريدة القوات المسلحة الملكية، الذي يتحدر من دوار ايمغدن بجماعة ازريزر باقليم تاونات.

وصف محمد أمنزو المساعد الأول في تجريدة القوات المسلحة الملكية المشاركة في حرب الجولان 6 أكتوبر 1973، مشاركة الجيش المغربي في الحرب بـ”المهمة”، وقال “نحن نشهد بمشاركة الجنود المغاربة في حرب أكتوبر، وقد بعث القائد الأعلى للقوات المسلحة المحلية جلالة الملك الراحل الحسن الثاني التجريدة المغربية في التوقيت المناسب، وكانت تتكون من  6000 ضابط وجندي من خيرة لواء المدفعية والمدرعات والدبابات القتالية، 5000 وصلوا  في توقيت مهم الى الجبهة السورية الاسرائلية، وكانت في مواقع دفاعية حساسة جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة السورية.

وأوضح المساعد الأول محمد أمنزو، أهمية اللواء المدرع الذي أرسله الراحل الحسن الثاني إلى سوريا قائلا “مشاركة المغرب بلواء مدرع شيء كبير، إذ ليس من السهل أن يشارك في الحرب ضد العدو الإسرائيلي، وهذه الحرب والمساهمة المغربية المميزة والمهمة، أكبر مثال للتضحية في سبيل الوحدة العربية آنذاك.

المساعد الأول امنزو بزيه العسكري

المساعد الأول امنزو بزيه العسكر

وبالعودة الى ترتيبات المشاركة في هذه الحرب، قال المساعد الأول أمنزو، أنه استجابة لنداء الراحل الحسن الثاني، فقد بادرت بالمشاركة في التجريدة المغربية الى الجولان، حيث بدأ التوافد على قاعدة رباط الخير (هرممو) لتجميع اللواء بقيادة اللواء أحمد الصفريوي ونائبه العقيد البرنيشي والعقيد علام، كنت حينها ممرضا عسكريا بالفرقة الخامسة، قضينا ثلاثة أشهر من التداريب العسكرية قبل التوجه الى ميدان الحرب، وعلى مدى 4 أيام تجمعت التجريدة بمدينة وجدة حيث استقلنا القطار متوجهين الى الجزائر العاصمة، قضينا هناك يوما وعدنا الى ميناء وهران، ومن هناك استقلنا سفن حربية تابعة للاتحاد السوفياتي، قضينا في هذه الرحلة البحرية 7 أيام، وفي عرض الابيض المتوسط قبالة سواحل جزيرة قبرص توصلنا بانذار يفيد أن الجيش الاسرائلي سيقصفنا بالطائرات الحربية، هذا التهديد خلق حالة استنفار في صفوف الجنود المغاربة، بعدها حلقت طائرات قبرصية في عرض سواحلها ومن ثمة وصلنا الى الساحل السوري وبمناء طرطوس تم انزال التجردة العسكرية والعتاد الحربي، قضينا ليلة هناك، وفي الصباح استقنا حافلات سورية حيث مررنا بحلب وحمص والحسكة ثم دمشق، حيث استقرنا بضواحي العاصمة وأنجزنا هناك تداريب ميدانية لمدة شهر، منها كيفية مواجهة الغازات السامة والنار الحارقة من خلال البسة واقية.

ثم تم تقسيم خطوط المواجهة، فتم تخصيص خط جبل الشيخ بالجولان للمغاربة لدرايتهم وخبرتهم في الحرب البرية. كان الاتفاق الاولي هو ان يبدأ الهجوم على الجيش الاسرائلي في الواحدة ليلا الا ان ذلك الاتفاق تم تاجيله الى غاية الواحدة بعد زوال يوم 6 أكتوبر 1973 حيث كان شهر رمضان، حينها شرعت الطائرات المصرية تقصف العدو الاسرائيلي في الجبهة السورية والعكس من ذلك شرعت الطائرات السورية في قصف العدو بالجبهة المصرية وفق اتفاق مسبق بين الطرفين، بعد اشتعال الحرب وتحقيق الجيش المغربي والسوري لانتصارات ميدانية، التحقت فيالق صغرى كويتية وسعودية وقطرية، غير أنها ظلت في الاحتياط، ثم قدمت القوات العراقية وكانت أكثر عددا وعدة الا انها ظلت على الحدود في حالة استنفار قصوى.

في هذه الحرب التي كنت اتابعها بالمذياع انطلاقا من مركز الاسعاف التحت ارضي، حررت التجريدة المغربية في حرب انتحارية نصف مدينة القنيطرة وجبل الشيخ بهضبة الجولان، حيث تشابكت القوات البرية المغربية والسورية مباشرة بشوارع القنيطرة وجبل الشيخ بالجيش الاسرائيلي وألحقت به هزيمة نكراء أسقطت فيها المدافع العربية عشرات الطائرات الاسرائيلية بالميدان، الا أن ثمة احساس بالخيانة من قبل سلاح الجو السوري الذي توقف عن الضربات الجوية لتعزيز القوات البرية المتشابكة مع المدرعات الاسرائيلية، استغل سلاح الجو الاسرائيلي هذا الفراغ وهذه الخيانة التي قام بها شقيق الكولونيل السوري حلاوة قائد لواء المدرعات حيث كان لاجئا سياسيا باسرائيل في الوقت نفسه تلقت اسرائيل مساعدات عسكرية من الأسطول السادس الأمريكي، فقامت حوالي 90 طائرة بتوجيه ضربات جوية للقوات المغربية والسورية أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى،  حيث أصبت في اليوم الثامن من الحرب بجروح نتيجة شظايا قنابل انفجرت بجانبي حينما كنت أقدم اسعافات للجنود المغرابة في خط المواجهة. حيث ردت القوات الإسرائيلية عبر هجوم جوي كاسح وهجوم ميداني لقوات “غولاني” العالية التدريب، فاستعادت جبل الشيخ وأجزاء مهمة من هضبة الجولان وتقريبا كل مدينة القنيطرة السورية، والسبب هو تراجع الطيران السوري عن حماية المنجزات المتحققة على الأرض من قبل القوات المدرعة المغربية والسورية.

ان الدور الذي لعبه الجنود المغاربة قد كان حاسما في تحرير مدينة القنيطرة وجزء مركزي وازن من جبل الشيخ، لكن القيادة العسكرية السورية لم تحم ذلك النصر كما كان مخططا له من قبل، بسبب عدم صعود أي طائرة عسكرية سورية لحماية ظهر أولئك الجنود المغاربة، مما اعتبر خيانة لهم.

بالعودة إلى شهادات أخرى لبعض من الجنود المغاربة المشاركين في تلك الحرب (خاصة على الجبهة السورية)، يمكن للمرء رسم ملامح قصة متكاملة للذي وقع في 10 أيام أكتوبر 1973 الخالدة. وبالضبط رسم ملامح دقيقة عن حجم وطبيعة ودور المشاركة المغربية الرائدة والوازنة والمؤثرة في تلك المواجهة المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي.

عمليا، انطلق التنسيق بين القيادة المصرية والسورية لتنفيذ تلك الحرب في شهر يناير 1973، حيث تم اتخاد القرار على أعلى مستوى بين الرئيس المصري حينها أنور السادات، والرئيس السوري حينها حافظ الأسد، ويمكن هنا تسجيل أن الجانب السوري قد عبر من خلال كتابات بعض ضباطه نشرت بعد اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين أنور السادات ومناحيم بغين برعاية من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، عن امتعاضهم من عدم قبول الرئيس المصري طلبا لحافظ الأسد بتأجيل قبول اتفاق وقف إطلاق النار لأسبوع فقط، حتى ينفذ الجانب السوري هجوما مضادا ضد الجيش الإسرائيلي لاستعادة جبل الشيخ نهائيا ومدينة القنيطرة بالجولان، مما اضطر القيادة السورية بدورها للمسارعة بقبول اتفاق وقف إطلاق النار والدخول في ما وصف ب “حرب استنزاف” انتهت بتوقيع اتفاق مع الجانب الإسرائيلي للإنسحاب من تلك المدينة في آخر ماي 1974.

فما الدور الذي لعبه الجنود المغاربة في هذه الحرب على الجبهتين معا؟. الحقيقة أنه كان دورا أكبر على الجبهة السورية، بسبب أن عددهم كان أكبر هناك، وأنهم التحقوا بسورية أسابيع عدة قبل بدء الحرب، مما يعني أنهم كانوا مشاركين في “السر الحربي” للمعركة منذ البدايات.. مثلما أن الوحدة المغربية التي شاركت في الجبهة السورية، كانت عبارة عن لواء كامل للمدرعات بدباباته ومدفعيته وسلاحه الخاص، وضمت 5 آلاف جندي وضابط مغربي، بقيادة الجنرال أحمد الصفريوي، وهو اللواء الأكبر الذي كان يتوفر عليه المغرب حينها بشهادة الفريق سعد الدين الشادلي..

التجريدة المغربية التي قضت مدة غير يسيرة على الجبهة السورية، وتدربت هناك على مناورات عسكرية ميدانية بالتنسيق مع القوات السورية والمجموعات الفدائية الفلسطينية، كانت تضم أفضل لواء مدرعات يتوفر عليه المغرب حينها، الذي كان متواجدا بقصر السوق (مدينة الرشيدية حاليا، ولا يزال بهذه المدينة إلى اليوم واحد من أرفع وأقوى وأحدث أولوية المدرعات المغربية، إضافة إلى تلك الموازية قيمة المتواجدة بأقاليمنا الجنوبية الصحراوية). وكان ضباط وجنود ذلك اللواء المغربي من المدرعات، من خريجي مدرسة “الدارالبيضاء” بالكلية العسكرية بمكناس، التي تعتبر عمليا تكرارا لكلية سان سير الفرنسية الشهيرة على مستوى منهجية التكوين الرفيع والصارم، مع الإختلاف في الإمكانيات المادية طبعا، لكن منهجية التدريس مشابهة. وبالمنطق العسكري فقد كان ذلك اللواء العسكري المغربي للمدرعات زبدة الجيش المغربي حينها، لهذا السبب لم تتعب القوات الإسرائيلية قط في رمي مناشير باللغة العربية والفرنسية عليهم، تحثهم فيها على عدم الدخول في أية معركة ضدهم، لأن القضية ليست قضيتهم وأن المغرب بعيد ولا تحاربه إسرائيل. والسبب في ذلك، يقين القيادة العسكرية الإسرائيلية أن مستوى التكوين العسكري لأولئك الجنود والضباط المغاربة جد عال ومختلف عن المدرسة المشرقية السوفياتية، التي تعتمد مبدأ الكم العددي في أي مواجهة عسكرية والشحن النفسي الإيديولوجي، بينما المنهجية الغربية الفرنسية، التي تنتمي إليها تكوينا الجندية المغربية، هي منهجية تقنية كيفية وليست كمية وأنها احترافية. ولقد تأكدت النتيجة ميدانيا أيام 6 و 7 و 8 أكتوبر 1973، حين توغلت تلك القوة المغربية بمدرعاتها ومدفعيتها، عبر مناطق “مجدل شمس” و “الجهة الشرقية لجبل الشيخ” والمنبسط المفضي إلى مدينة القنيطرة السورية. لقد حققت تلك القوات تقدما نوعيا سريعا خاصة في اتجاه جبل الشيخ بتكامل مع تقدم الوحدات السورية من الجهة الغربية لجبل الشيخ، وتمكنا معا في ظرف قياسي من استعادة كل جبل الشيخ الإستراتيجي واحتلال موقع الرقابة والرصد والإتصالات الإسرائيلي على قمته، وإنزال العلم الإسرائيلي ورفع العلم السوري. مثلما تقدم الجنود والضباط المغاربة 5 آلاف بأسلحتهم الثقيلة صوب مدينة القنيطرة، حيث حرروا أكثر من ثلثيها، ودخلوا بدعم للقوات السورية وبتنسيق كامل معهم في حرب شوارع مع أقوى القوات الإسرائيلية حينها “غولاني” وتمكنوا من أسر عشرات الجنود الإسرائيليين. لكن ما الذي جرى بعد ذلك؟.

كان مفروضا أن يحمي الطيران السوري ذلك النصر الميداني المغربي والسوري، لكن الطائرات تلك لم تحلق أبدا على مدى يومين. وحين كانت الصواريخ الروسية والتشيكوسلوفاكية تقتنص الطائرات الإسرائيلية في سماء سيناء والطائرات المصرية تقصف المواقع المحصنة الإسرائيلية في الجبهة الشرقية قناة السويس، ظل الطيران السوري غائبا، مما طرح أسئلة كبرى من الشك حول رائحة خيانة. بدليل أنه اعتقل ضباط سوريون بعد ذلك وقدموا أمام المحاكمة ومنهم من تمت تصفيته، في ما اعتبر مسرحية لدر الرماد في العيون. وحين غاب الطيران السوري ظل الطيران الإسرائيلي في الجبهة السورية يفعل ما يريد، حيث أباد عمليا القوات المغربية والقوات السورية وفصائل القوات الفدائية الفلسطينية، وفي يومين فقد المغرب عددا كبيرا من خيرة ضباطه وجنوده على ربى جبل الشيخ وب “مجدل شمس” وفي محيط مدينة القنيطرة. وإلى اليوم هناك مقبرة كبيرة في القنيطرة وفي ضواحي دمشق تضم رفات أولئك الجنود المغاربة الأبطال، بأسمائهم وصفاتهم ورتبهم. وأصدرت الحكومة السورية عملة كتب عليها “التجريدة المغربية” وأطلقت على واحدة من أكبر ساحات العاصمة دمشق إسم “التجريدة المغربية”. ولا تزال النسوة في الجولان وفي مدينة القنيطرة (كما أكد لي زملاء صحفيون مغاربة عاشوا في دمشق سنوات طويلة وأيضا زملاء سوريون)، إلى اليوم حين تردن أن تحكين لصغارهم عن معنى البطل، الذي يجب الدخول بسرعة لأنه قادم في الشارع، فإنهن يقلن لهن في ما معناه: “أدخلوا أو سأنادي الجنود المغاربة”. عنوانا على الرجولة والقوة والصلابة. ورغم كل هذا الإرث النبيل، والمواقف التضامنية المساندة، وبعد ثبوت خيانة الطيران السوري لأولئك الجنود المغاربة الأبطال (الشهداء والأحياء منهم)، لم يخجل الرئيس السوري الراحل في دعم البوليزاريو ضد وحدة المغرب الترابية، وما سجل من موقف للرئيس العراقي صدام حسين في قمة فاس العربية، معروف ومدون، حين واجه حافظ الأسد بالقول كيف لا تخجل أن تدعم البوليزاريو والمغرب قدم لك أرفع أبنائه في الجندية وسال دمهم في الجولان لتحرير بلادك؟ وفي تلك القمة قرر صدام منح المغرب البترول بأثمنة تفضيلية. هذا هو التاريخ، وهذه وقائعه.

محمد العبادي

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى