جمعية قطرة والأنشطة الموازية تحقق هدفها وتربط دوار راس الدار السفلى- الصوالح بالماء الصالح للشرب بمرنيسة نواحي تاونات

يوسف بخوتة:”تاونات نت”/– في خطوة تحسب لها استطاعت جمعية قطرة ماء والاأنشطة الموازية بدوار راس الدار السفلى – الصوالح التابع جغرافيا لجماعة بني ونجال تافروات-منطقة مرنيسة بإقليم تاونات أن تحقق هدفها المسطر منذ أن تأسست في ربيع  2016، وهو ربط الدوار المذكور بالماء الصالح للشرب انطلاقا من واد القصبة التابع لجماعة فناسة باب الحيط، وقد تأتى لها بفعل العمل الجبار الذي قام بها أعضاءها والغيورين على الدوار والشأن المحلي.

معاناة تنتهي…:

كما هو معلوم، فدوار راس الدار السفلى – الصوالح وكغيره من الدواوير التابعة لهاته الجماعة وجماعات أخرى كان يعاني الويلات من أجل الوصول إلى الماء الصالح للشرب، إلا أن معاناة هذا الدوار كانت أكبر،  فما إن تظهر معالم فصل الربيع حتى تتأهب قوافل البهائم لرحلة الشتاء والصيف لجلب هذه المادة الحيوية، أطفال في سن مبكرة ونساء وشيوخ تقصد مركز واد القصبة للتزود بستين لتر من الماء في كل رحلة، رحلة قصد تصل إلى كيلومترين أو ثلاث في بعض الأحيان.

في مشهد غدا مؤلوفا وتعايش الناس معه ومع المعاناة، إلى قد ذاق بالبعض المتسع وفكر جليا في الرحيل، منهم إلى مركز واد القصبة، ومنهم خارج البلدة بصفة نهائية وقطع العلاقة بالأصل. فكان لابد في التفكير في حل لهذه المعضلة التي تندى لها الجبين في عصر التنمية والنهوض بالعالم القروي والعهد الجديد وكل الشعارات التي لم يجد منها دوار راس الدار السفلى أي تجسيد على الواقع.

فإقليم تاونات بصفة عامة يحتضن خمسة سدود كبيرة، منها واحدا في المنطقة التي نتكلم عن معاناتها التي لا تنتهي، وهو سد أسفالو الذي يبعد عن المنطقة ثلاثين كيلومتر على أبعد تقدير، لكن ظل هناك بحيرة كبيرة وسط الجبال لا يستفيد من خيراتها أحد إلا في السنوات الأخيرة التي تعرف عملية تزويد دواوير مجاورة بالماء الشروب في إطار تعاون جمعيات محلية ودولية للقيام بذلك، وفي غياب دور الدولة في القيام بواجبها المطلوب.

كان الحل لدوار راس الدار السفلى- الصوالح بعد شد وجذب وتبادل المقترحات التي ترمي في نفس الإتجاه -وهو كيف لنا ان ننهي هاته المعاناة- فكان الطرح إنشاء جمعية تعمل على هذا الأساس، وهو ربط الدوار المذكور بالماء الصالح للشرب من مركز واد القصبة، فكانت جمعية قطرة ماء والأنشطة الموازية هي السبيل الوحيد والأوحد لتحقيق الهدف.

تأسيس وعقبات وعمل في صمت:

في ربيع 2016 كان التأسيس لهذه الجمعية الفتية، كانت الأولى على مستوى الدوار وكانت الأقوى من حيث الأفكار، لما لا وهي مكونة من خيرة ما أبناء الدوار، قاطعين مع مفهوم (الجمَّاعة) التي كان عرفا يسير أهل المغرب بصفة عامة ومنطقة جبالة بصفة خاصة. مفهوم (الجمَّاعة) هذا كانت الكلمة لكبار القوم وأعيانهم وأعرفهم، لكن هذا النظام تلاشي في العقود الأخيرة ولم يعد يفي بالغرض، وظهر هناك ما يسمى بالمجتمع المدني ليحل محله. ومن هذا المطلق كانت البداية، واضعين هدفا واضحا وعملوا من أجل تحقيقه.

وكما هو معلوم كانت البداية صعبة، خاصة مع ناس الدوار الذين وجدوا أنفسهم في وضع وتنظيم لم يعهدوه من قبل، مُطَالَبِينَ بواجباته والتزامات وعديد من الأمور كانوا في غنى عنها، زد على ذلك أنهم يريدون النتيجة في أسرع وقت ممكن، ناهيك عن بعض المشككين والذين يعمدون إلى الهدم قبل البناء، وللأسف الشديد (كانوا)  من المستفدين من الهدف الذي سطرته الجمعية وهو ربط الدوار بالماء الصالح للشرب. فمرة يشككون في نزاهة المكتب المسير، ومرة يفتعلون الأقاويل ومرة يسخرون، ما دفع بالجمعية أن تعيش ذائقة مالية صعبة لمدة السنتين بعدما رفض المستفيدون أداء واجب الإنخراط للجمعية وكذا غياب الدعم من الشركاء والمسؤوليات عن الشأن المحلي والتنمية القروية. 

كل هذا والمكتب المسير للجمعية الفنية الفقيرة يعمل في صمت، يراسل ويطالب ويشد على فكرته وهدفه كالقابض على الجمر، يسمع الاتهامات والتلميحات والكلمات الساخرة من هنا وهناك دون أن يدخل في صراعات فارغة أو الرد على كل هاته التراهات التي كانت  ستدخل الجمعية في دوامة الفراغ، لكن صورة تلك القوافل من الأطفال والنساء متأهبة ليل نهار من أجل جلب ستين لترات من الماء، تلك الصورة المخدوشة لمغرب القرن الواحد والعشرين والتنمية البشرية، كانت تحتم على الجمعية أن تمضي قدما ولو على حساب دخل أفرادها، هؤلاء الذين لم يعد بإمكانهم المساهمة أكثر غير الذي بذلوه من جهد ومال في سبيل إنجاح الفكرة وتسطيرها على أرض الواقع، بعدما تبين أن الماء وربط الدوار به لن يكون إلا من مركز واد القصبة، خاصة وأن الجماعة (جماعة بني ونجل تافراوت) حفرت بئرا وسط الدوار -في عملية حفر الآبار بالآلة الحفارة (الصوندا) التي شملت جامعتي فناسة باب الحيط وبني ونجل تافروات- بلغ عمقه 106 متر ولم يتسنى لهم ما أرادوا. فبقي مشروع الجمعية وفكرتها الأولى هي الأنجع والأنسب. فكان مزيدا من الجهد والصبر ونكران الذات للوصول إلى المبتغى.

أخيرا جاء الفرج المنقوص:

حين كانت تطرح مسألة الدعم من طرف المسؤولين سواء في جماعة بني ونجل تافراوت بحكم تواجد الدوار المذكور على ترابها أو المسؤولين الإقليميين في العمالة وكذا المجلس الإقليمي كان مشروع الجمعية يستقبل بالترحيب والكلام المعسول، لكن لمدة تصل إلى السنتين لم تتوصل الجمعية بأي دعم ما عدا الوعود ثم الوعود، لكن في 2020 ستتوصل الجمعية ب(دعم تضامني) من جماعة بني ونجل تافراوت وهو عبارة عن صفقة مررتها الجماعة لمقاول قصد ربط الدوار بالبئر الذي تم تشييده من طرف الجمعية سنة 2016 في مركز واد القصبة بأنابيب الربط  مع التكفل بشراء مضخة خاصة وخزانين  للماء من البلاستيك، الصفقة التي لم يتكمل مرادها وبقي المشروع منقوصا مرة أخرى. حيث بقي الربط الكهربائي النقطة الرئيسة والناقصة ليكتمل مشروع ربط الدوار بالماء الصالح للشرب، هذا الذي كان يثقل كاهل الجمعية ماديا.

ما يحك جلدك إلا ظفرك:

بما أن المشروع لم يعد ينقصه إلا العداد الكهربائي ويكتمل، ويتم الربط النهائي وتحقق الجمعية هدفها، وهو تقريب الماء من المنازل، بدأت حملة جمع التبرعات والمساهمات من أبناء الدوار وبعض المحسنين الذين لم يبخلوا في سبيل أن ينعم دوار راس الدار السفلى الصوالح بالماء الصالح للشرب، وتنمحي تلك الصورة المشروخة التي لازمت الدوار منذ القدم، صورة طفل يمتطي حمارا يحمل برميلين أزرقين من سعة ستين لترا ويقصد مركز واد القصبة صيفا وشتاء، ربيعا وخريفا.

في ليلة 10/11 يوليوز من هذا العام كان الماء ينهمر بدوار راس الدار السفلى/ الصوالح، ليلتها لم تنام أعين الشباب الذين كانت تلاحقهم كلمات السخرية لأربع سنوات إلا لأنهم آمنوا بفكرتهم وأرادوا تحقيقها، ظلوا يراقبون كل كبيرة وصغيرة حتى يصل الماء إلى محطته الأخيرة بسلام..

أخيرا يمكننا أن نفتخر…:

يقول رئيس الجمعية الأستاذ أحمد الدخيسي “في تلك الليلة لم أريد أن أنام حتى يتم الربط بأمان.. ما إن اتصلت بالمسؤول عن العداد الكهربائي وأكد لي أنه يمكن تركيبه اليوم حتى قلت مع نفسي أن ليس  هناك ولو دقيقة التكاسل، هذه الليل سيكون الماء بالدار…”

وذلك ما كان تمكنت الجمعية الفتية التي تعمل في صمت أن تحقق هدفها النبيل الذي سطرته منذ البداية وآمنت أن التنمية تبدأ من الداخل لا أن تأتي هبة من السماء أو من مزاجية المسؤول أي كانت مسؤوليته. التنمية المحلية تبدأ من الشخص نفسه وهذا ما عرفته جمعية قطرة ماء والأنشطة الموازية.

الهدف كان تقريب نقطة الماء التي هي بمركز واد القصبة عبارة عن آبار متفرقة والتي تبعد بثلاثة كيلومترات إلى وسط الدوار فقط. مع ٱمكانية ربط المنازل إن كان ذلك في مستطاع الجمعية. لكن بمجرد وصول الماء إلى الدوار حتى تجند الكل وتم ربط المنازل بأنبيب صغيرة انطلاقا من الخزانن المتواجدين وسط الدوار، وأصبح الماء في كل منزل بعد يومين فقط من إيصال الماء، ما يظهر أن السكان هناك كانت متضررة بشكل لا يمكن وصفه.

تقول إحدى النساء المستفدات: هذا لم نكن نتصوره يوما، أن يصل الماء الدوار وبهذه الكيفية هذا ضرب من المستحيل، لكنه ممكن بفعل تعاون الشباب.. كنا في محنة، لا حمام كما ينبغي ولا نظافة وشرب حتى، لكن الآن وفي هذا العيد أمر آخر، أصبحنا تفرض على بعضنا البعض الحمام والغسيل كي نستفيد من حصتنا اليومية من الماء.. 

كلام يصور كل شيء، كانت الساكنة في أمس الحاجة، وقد أستفاد من هذا المشروع أكثر من 50 أسرة متفرقة عبر 3 مجمعات سكنية متباعدة، أي ما يزيد عن 300 شخص وكذا عدد كبير من الماشية والحيونات، فأغلبية السكان من مربي الماشية وفلاحين صغار. توزع الحصص اليومية بالتساوي تباعا كل في مكانه،في جو يملأه روح المسؤولية المواطنة. وتعمل الجمعية في هذه الأيام على بناء خزان مائي يلائم حاجيات الساكنة من الماء وتحافظ  على تقنين استعمال الطاقة.

في انتظار هذا تدعو الجمعية إلى تظافر الجهود من أجل الاستمرارية في العمل على خدمة الصالح العام. وكما صرح رئيس الجمعية: “لا فرحة تضاهي فرحة تحقيق هدفك المسطر حرفيا ونفرح كل هذه الوجوه التي كانت البارحة محتاجة.”

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7600

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى