إبن تاونات خالد بونو(مفتش متقاعد للتعليم بشفشاون) في ذمة الله وتأبين خاص من صديقه الحمري

الرباط:”تاونات نت”/- بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة إبن إقليم تاونات ، خالد بونو(مفتش متقاعد للتعليم بشفشاون) ، الذي وافته المنية، يوم12 يناير 2022.

وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم إدارة و طاقم جريدة ”صدى تاونات” الورقية وموقع “تاونات نت” الإلكتروني،بأحر التعازي وأصدق المواساة إلى أسرته الكريمة وعلى رأسها والدته، وإلى باقي أفراد العائلة وأصدقائه وزملاءه، سائلين العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وأن  يلهم أسرته وعائلته وذويه الصبر والسلوان.

 إنه سميع مجيب وبالاستجابة جدير، ولله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار.  

و”إنا لله وإنا إليه راجعون “.

والمرحوم خالد بونو معروف في الوسط الجمعوي والسينمائي والفني .وهنا سننشر تدوينة صديقه كاملة وإبن بلدته الإطار التربوي الأستاذ محمد الحمري (عضو منتدى كفاءات إقليم تاونات) التي عنونها ب”تــــــــأبيـــــن: وداعا أيها الراحل في صمت وبدون وداع”:

      وصل الخبر-الفاجعة، “قم لا وقت للسعادة، صديقك خالد بونو مات” فطارت غفوة القيلولة، وأنت تعلم صديقي أن القيلولة كانت فترة مقدسة لنا، بل كنت تسمي النوم السعادة. فعوض “سأنام” تقول “سأسعد”.

وفي النقاشات الفلسفية المرتبطة بالوجود، تعتبر الموت سعادة أبدية؛ لذلك لم تكن تخافه كما يرتعد منه أغلب الخلق. وأنا مخدر بالصدمة، عدت مباشرة إلى أرشيف الذكريات كأنني أعيدك إلى الحياة رغما عن الموت … فلا يستطيع محوك من الذاكرة … تنهمر الدموع مع الحكي … وتفاصيل شريط صداقة يمر أمامي منذ منتصف أكتوبر 1985، أحداث كثيرة تختزل معاني المحبة والتضحية والتضامن والعفوية قيم إنسانية رائعة تقرأ في الكتب فقط... 

      شكرا إدارة مركز تكوين المعلمين “ابن الخطيب” بفاس على قرارها بإعادة توزيع الطلبة (مجموع الطلبة 60 طالب وطالبة) لتكوين قسم عاشر. لم أتردد في الالتحاق بالقسم المحدث بعدما ولج مدير الدروس القاعة 5 وسألنا من يرغب في الانتقال إلى القاعة 10. ونفس الأمر حدث معك في القاعة 3 في الجناح الآخر… تشكل القسم من 5 طلبة فقط (حمو، بلمنصور خديجة، خرباش، بونو، الحمري).

من هنا ابتدأت رحلة الصداقة… كانت سنة تكوينية رائعة بشهادة الأساتذة الذين التقيتهم فيما بعد (التوسي، بدادة،وآخرون…) يشيدون بذلك الفوج الذي مثلته، صديقي، في المباراة النهاية للشطرنج ضد الأستاذ الطيب أموراق

     لن أنسى، صديقي، يوم ورطتني لإعداد قصيدة شعرية بمناسبة عيد العرش (الذكرى الفضية)، وكنت تتوق لرؤيتي فوق المنصة وأنا “عياش” بلغة اليوم؛ طلب الأستاذ الكتاني ممثلا عن القسم للمشاركة في الإقصائيات. وبدون تردد اقترحتني بجدية مفتعلة رائعة. سجلني رغم اعتراضي. وتم استدعائي من طرف السيد المدير عزالدين البرادعي لعرض قصيدتي. قلت له: للأسف خانني الإلهام هذه الأيام. ولما ألح. قلت له: بما أن الملك رئيس لجنة القدس فلدي قصيدة جاهزة عن فلسطين. قرأت القصيدة فرفض إدراجها لأنها خارج موضوع المناسبة… كان الحدث فرصة لك وللرفيق حمو للضحك والنكتة.

    يصعب تعداد كل تفاصيل السنة التكوينية في المركز وفي المدرسة التطبيقية وفي الزيارات الميدانية للولجة وكيكو ولمعمل الحليب بسايس… ولمدرسة باب الفتوح بفاس التي زرتها مرة أخرى سنة 2011 كمفتش مركزي فبكيت على أطلالها. (صارت خرابا يتعايش فيها ما تبقى من الأساتذة وبعض التلاميذ الفقراء مع المشردين).

ذات يوم من أيام شهر ماي 1985 طلب منا أستاذ الاجتماعيات إعداد جذاذة درس في التاريخ للسنة الخامسة حول عودة الملك من المنفى، هذا الطلب كان نوعا من التحدي لاعتراضنا على المنهجية التلقينية المعتمدة في تدريس التاريخ (العرض الأول ومناقشة، العرض الثاني ومناقشة). وحرص على ضرورة مناقشة الجذاذة معه قبل تقديم الدرس. لكننا لم نفعل، وضعناه أمام الأمر الواقع. فأعددنا الجذاذة معا، وقدمت الدرس انطلاقا من نص ألفناه ” تحت ضغط المقاومة وجيش التحرير، رضح المستعمر لمطالب المغاربة: استقلال المغرب، وعودة الملك من المنفى”. انبهر الجميع بالدرس وكيف تم بناؤه من طرف التلاميذ خطوة خطوة. سألنا الأستاذ عن مصدر النص، فكتبت، صديقي، على الجذاذة المؤرخان “بونو والحمري”. ضحك الاستاذ – الذي كان صديقا لنا- كثيرا

     في إحدى اللقاءات التكوينية بمدرسة أحمد بوكماخ بوجدة لفائدة المدارس التجريبية لمشروع القراءة من أجل النجاح في الموسم 2018 – 2019. التقيت بمعلم تبادلنا أطراف الحديث عندما علم أنني من تاونات، وأخبرني أنه عمل معك في مجموعة مدارس أفراس. فعدت بذاكرتي إلى سنة 1987 لأدرك أنه المعلم الذي كان يقتسم مع إمام المسجد ما يجمعه من أثمنة الدعاء في المناسبات. حاربت هذا “الريع” فأحبك الإمام وكرهك المعلم. في نفس السنة التحقت بفرعية إببختيين حيث كان الزميل برايس يشتغل. خصصتما جزءا من الفصل للسكن. ذات يوم زارك المفتش صباحا، ولما استيقظ برايس من النوم، شغل المذياع. فطلب المفتش منك أن تنبهه إلى الأمر، فقلت بكل جدية: ذاك مسكن. وللمسكن حرمة يكفلها الدستور” هذا الجواب لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص نبيه وبليغ وشجاع.

كنت صديقي تبحث عن الأسباب لمغادرة الوظيفة؛لكن ما يحسب لك، ويشهد به الجميع طيلة الثماني سنوات من التدريس لم تكن تنتقم من التلاميذ لكرهك للوظيفة كما يفعل بعض “الجبناء”، بل كنت معطاء ومتشبعا بقيم نبيلة وحاملا لمشروع كبير عنوانه “لا تقدم بدون تعليم”. ولقيمة العطاء التي تؤطر سلوكك، كنت تتحدث دائما عن رغبتك في التبرع بأعضائك وهذا قمة التضحية والإيثار

    وفي السنة الدراسية 87 -88، وبمدرسة القلعة ببني وليد ضواحي تاونات، سيزورك مفتش آخر ويحضر درس العقيدة في المستوى الأول. فقدمت الدرس في 5 دقائق فقط: طرحت السؤال الأول: من هو ربنا؟ فأجاب التلاميذ: هو الله. والسؤال الثاني: من هو نبينا؟ فردوا: محمد. قلت لهم أحسنتهم. هل الدرس مفهوم. قالوا نعم. قلت لهم إذن ننتقل إلى القراءة.  أرغى المفتش وأزبد. لكنك حاصرته معرفيا ومنهجيا. فلم يستسغ الأمر فراسل النيابة. لم يحرك فيك الموضوع شعرة واحدة خصوصا مع دعم مدير المدرسة الذي أشاد بتفانيك في العمل وتضحياتك. ووقف ضد المفتش. مما جعل النيابة تبحث الصلح بينكما. بكل تضحية تبادلت المنصب مع أستاذة بفرعية واد الوان ببني وليد لتلتحق بزوجها بالمركزية رغم محاولة المدير إقناعك بالبقاء لانك كنت مفيدا له.

  نقابيا، كنت صديقي، متقدما في طروحاتك، فكنت ترى أن معاناة المعلمين بالبادية مختلفة عن غيرهم، وترى أن مطالبهم هي نفسها مطالب السكان (الماء، والكهرباء، الطريق المعبد). فالمال في البادية لا قيمة له في غياب شروط العيش الكريم. يا للأسف كان البعض منا وما زال يعتبر البادية بقرة حلوبا.

   صور كثيرة تصفحتها، وذكريات لا تنسى كنا نلتقي في أغلب الأحيان في عطل نهاية الأسبوع بفاس، فكان منزلكم/ منزلي بليراك بفاس والمقهى المجاور له ومقهى الشلالات بصفرو ومقهى النهضة بفاس ريكس وتيفولي وغيرها من الآماكن شاهدة على نقاشاتنا سواء مع رفاق وأصدقاء آخرين، أو نحن الاثنين فقط خصوصا عندما كنا بصدد الإعداد لمباراة الدخول إلى مركز المفتشين التي خططنا لها بعناية سنتين قبل المباراة، وكان النجاح حليفنا.

لا يمكن أن أنسى النقاشات التي كانت تجرى بمنزلكم/ منزلي أو بمنزل الأستاذة فاطمة بحي الادراسة بفاس. الجو العائلي الديمقراطي الذي يسود منزلكم يمكن اعتباره الجمهورية الفاضلة. فتحية لروح سي احمد بونو  وللحاجة زينب على التربية الرائعة القائمة على احترام الاختلاف وعلى التكافل والتضحية.

      سنلتقي من جديد بمركز تكوين المفتشين، ونعيش أحداثا من نوع آخر: تأسيس لجنة المؤسسة النقابية، تنظيم اعتصام يوم 30 يونيو 1995، تنظيم ندوة حول تقرير التفتيش، الصراع الخفي والظاهر مع “الإخونج” وإفسادهم لمحاولة تشكيل اللجنة الثقافية للمركز، صرح أحدهم في الاجتماع “فين غاديين، أسستم لجنة نقابية والآن لجنة ثقافية.” فقلت له بجرأة معهودة: لم أتوقع أن المخزن معنا“. 

وبنفس الجرأة أجبت الأستاذ المرحوم الدرقاوي بمركز تكوين المفتشين ذات يوم في بداية الموسم الدراسي 94 -95 عندما “زل” لسانه وذكرنا بسنة “الكار” فقلت له “لي كانو في الكار ما شي معلمين، إنهم قطيع من البشر فقط” لو كنت معهم لغادر المركز مجموعة من الأساتذة ومجموعة من الإداريين أيضا قبل أن أغادره. فرد قائلا: “قوة شخصيتك كانت داعمة لنجاحك في الاختبار الشفوي”. فكانت آخر جملة تواصلية بينكما. إلى أن توسطت لعقد لقاء لتنقية الأجواء باعتباري ممثلا للطلبة.

كنت متقدما في النقاشات والأفكار ومجادلا صنديدا، كان الكل يتعب أثناء النقاش وتستمر في البرهنة والتعليل. ذات يوم تورط أستاذ اللغة الفرنسية في الاشتغال على نص حول الفلسفة اليونانية ربما لم يتوقع أنه بيننا من هو مطلع على تفاصيلها. وبقي النقاش بينكما كأننا في مباراة لكرة المضرب. الكل يتابع الكرة من بونو إلى الأستاذ والعكس. وتطور النقاش حول الأسطورة والآلهة فأدليت برأيك بالجرأة المعهودة. لم يتمالك الأستاذ نفسه، واتجه نحو المكتب ووضع رأسه بين يديه وساد صمت طويل إلى حين الاستراحة.  

    يا للأسف فرقتنا التعيينات، فأنا في طانطان، وأنت في شفشاون. ولكن أخانا رضوان الذي زارني هناك، سيساهم في تجديد التواصل سواء بأكادير أو مراكش أو الرباط. 

 وكان آخر لقائنا قبل جائحة كورونا بمنزل أختنا سميرة بالبيضاء. كانت اللمة العائلية من جديد: رضوان عائد من كندا، الحاجة الوالدة ورجاء جاءتا من مراكش. وقدمت انت من شفشاون، كان يوما رائعا ذكرتنا الحاجة بأطباقها الرائعة. أعجب بك ولدي محسن وندى اللذان كان يسمعان عنك الكثير. فقالا لي ” فعلا، عمي خالد رجل اسثنائي”.

من بين المواضيع التي ناقشناها أنذاك «ثنائية العمل والكسل” فقد كنت ودعت للتو الوظيفة مستفيدا من التقاعد النسبي، وكنت تدافع عن “الكسل” فأصلت للطرح شرعا حيث اعتبرت أن الأصل هو الكسل وهو الأبدي ” إذ ليس هناك عمل في الجنة، فالكسل مطلق لأن كل شيء متوفر أنهارا”، واجتماعيا اعتبرت العمل، منذ تقسيمه في تاريخ البشرية، من اختصاص العبيد لصالح الأسياد المستفيدين من الكسل. ولو تغيرت الأسماء (عامل/ رب العمل) فالأصل عبيد وأسياد. كان نقاشا يجمع بين الجد والهزل. ورشحناك لرئاسة جمعية الدفاع عن الكسل والثورة ضد العمل.

    في هذا اللقاء، كنا نقترح عليك مشاريع مستقبلية ليس من أجل العمل فقط، بل كان الهدف الحقيقي هو إبعادك عن شفشاون تلك المدينة التي أحبتك لحد الجنون، كانت في كل مرة تغادرها تعلم أنك ستعود إليها: انتقلت إلى اشتوكة أيت باها وعدت إليها كحبيب يهجر حبيبته ويعود راكعا. ثم انتقلت إلى القنيطرة للعمل فقط وبقيت مستقرا فيها، ولكن لما علمت أنك طلقت الوظيفة تأكدت أنك ستطلقها قريبا وإلى الأبد.

فربما ساهمت الجائحة في تأجيل الرحيل إلى هذه اللحظة. تأكدت، هذه المرة، أنك عدت لتودعها الوداع الأخير. لم تقو على فراقك. ظنت أنها ستحضنك بباطنها كما حضنتك بظاهرها، ليستمر العشق الأبدي. فأجهزت عليك ليلا في هدوء تام، لم تصرخ، لم تتألم، فقد اختلطت سكرات العشق بسكرات الموت / السعادة كما كنت تصفها دائما. أحسست بالسعادة وأحست بالندم. لأنها لن تضمك في باطنها كما توقعت. فقد قررت هجرها حيا أو ميتا

  صديقك وأخوك محمد الحمري الذي كنت سترثيه أنت قبل سنة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7186

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى