” تاونات نت” تنبش في تراث اجبالة:”الليالي” و”حكوزة” و”موت الأرض” و”العنصرة” و”الصمايم”

تراث بولبطاين الجبلي الذي أوشك على الانقراض

تراث بولبطاين الجبلي الذي أوشك على الانقراض

إذا روت فاليالي عول على السمن بالقلالي

( فتر ة دجنبر / يناير / فبراير)

          يضم شهر دجنبر منازل أساسية  تمتاز بالبرودة الشديدة التي تؤثر على الإنسان والحيوان والنباتات .من هده المنازل سعد البلدة. يكون الفلاح مستعدا للطقس البارد ابتدءا من هده  الفترة وبالخصوص عندما تدخل الليالي في 12 دجنبر والتي تدوم 40 يوما أي إلى حدود 20 يناير. وتتميز بظلامها الحالك وبردها القارس  الذي يؤثر على قسمات الأفراد.ومن الأمثال الدائرة  في هدا المعنى المثل الذي يفيد أن العروسة الشابة تصبح من شدة البرد “قردة” والعجوز كالجلدة ، “سعد البلدة كيرد لعروسة قردة والعكوزة جلدة”.

بعد مرور 20 يوما من الليالي يحل رأس السنة الفلاحية( يوافق 13 يناير من السنة الميلادية ) ويعرف بحاكوزة أو “يناير” .ويتعلق الأمر هنا بمناسبة تحضر فيها وجبات خاصة تفاؤلا بالعام الجديد. وكان الاحتفاء عند البعض يدوم ثلاثة أيام . ومن الوجبات التي تحضر خلال هده المناسبة أكلة الدجاج ونوع من العصيدة تدعى “التشيشة”  (عصيدة القمح تطهى بالحليب والعسل  والصامت لحلو). كما يتم استهلاك بعض الفواكه الجافة المحتفظ بها لمثل هده المناسبات  في الخزائن الخاصة.

        تفتتح السنة الفلاحية بمنزلة سعد بلع يوم 4 يناير أي 17 يناير الشمسى . وهي فترة تشكل جزء من الليالي تتميز بسقوط الأمطار وانخفاض درجة الحرارة. وفي هدا الصدد نجد القول الشعبي يعبر عن قسوة البرد كما يلي  “سعد ابلع كا يجمد ألما في رأس القرع”. ويدفع انخفاض درجات الحرارة الفلاح إلى التكيف مع الأحوال المناخية لهدا الموسم كالإقبال على استهلاك القطاني وخاصة أكلة “البيصار” .

       تنقسم الليالي بدورها إلى فترتين متساويتين فادا كانت 20 يوما الأولى ممطرة فتعتقد بعض القبائل الجبلية أن محاصيل السنة الفلاحية لن تكون مناسبة “سنة فلاحية شبه عجفاء”. أما إذا حصل العكس (20 يوما الثانية ممطرة ) يعم التفاؤل بسنة فلاحية جيدة .ونكتفي بإيراد بعض الأمثال الموضحة لأهمية هذا الموسم الفلاحي “الليالي المسعودة تنزل الشتا بالليل والنهار مفقودة ” أي أن هطول المطر ليلا فقد يسمح للفلاح بالعمل نهارا.

 وفي نفس السياق “إذا روت فالليالي عول على السمن بلقلالي” بمعنى سقوط الأمطار في هذه الفترة يسمح بتوفر المرعى بكثافة في المراعي وبالتالي يكون الحليب ومشتقاته كالسمن وافرا .ويقال أيضا “اللي حب العنب يزبر الدوالي أو يغرسهم فالليالي “.من يريد العنب عليه  أن يهتم بغارسة الكروم  وتقليمها خلال هده الفترة. ومثال آخر على لسان الشجرة “ازبرني في الليالي وخليلي ديالي ” أي أن الليالي هي الفترة المناسبة للاهتمام  بالأشجار كتقليمها  .

        وفي 17 يناير يدخل سعد السعود حيث تستفيد الكائنات الحية كالحيوانات والنباتات من الأمطار وتصبح كل ذات مولود تتوفر على الحليب. ويعبر عن ذلك المثلان التاليان “إذا دخل سعد السعود كيجري ألما في العود ويسخن كل مبرود ويطلع الحليب في الثيود” . ” وفي سعد السعود تخرج الحية والقنفود”. وبعد مرور 13 يوما من سعد السعود يهل سعد الاخبية في 30 من يناير حيث يصبح الجو دافئا مما يسمح للحشرات والزواحف وغيرها بمغادرة مخابئها بحثا عن الدفء. يقول المثل “سعد الاخبية تخرج كل من هي مخبية”. وفي هده المنزلة ينتهي موسم حرث الزراعات البكرية.

         توافق نهاية شهر فبراير الفلاحي فترة مشؤومة تعرف بالحسوم تبتدئ يوم 25 فبراير .وتدوم 7 ليالي و 8 أيام. وتعرف عند الفلاحين بحيان ( حسب الحكاية الشعبية المعروفة ). ومن الأمثال التي تعرضت لهذه الفترة “إذا كانت الحسوم، البيع والشرا فيها مسموم ” . “لا تفرح بالخرفان والجديان لامخرج الليالي وحيان ” بمعنى سلامة قطيع الغنم والمعز لا يمكن الاطمئنان عليها من قسوة البرد والأمطار إلا بعد خروج الليالي و بالتالي لا بد من رعاية القطيع في الحظائر والزرائب حيث الدفء.

الحصاد في بلاد اجبالة

الحصاد في بلاد اجبالة

“فاتك الغرس قبل مارس”

شهر مارس

          في المنازل الفلاحية المهمة لدى الفلاح منازل شهر مارس. حيث يعتدل الطقس(ابريل وماي) وفيه تنتهي فترة غرس الأشجار المثمرة فيقال “فاتك الغرس قبل مارس” وبما أن حرارة الجو تبدأ في الارتفاع انطلاقا من هدا الشهر يشكل تهاطل الأمطار خلال هذه الفترة ضمانا للموسم الفلاحي حيث يستبشر الفلاح بها لأن الموسم الفلاحي يكون في حاجة ماسة إليها خاصة إن الظروف المناخية خلال شهري يناير وفبراير تكون غالبا عصيبة ونلمس ذلك في هذا المثل “ازرع ليجرحه يناير ويقتله يبرا ير ويتسمى على مرس” بمعنى رفعا لكل التباس فان القمح يتأثر بالأحوال المناخية السيئة السائدة خلال يناير وفبراير ومارس.

تحل في العاشر من مارس منزلة “بطن الحوت” .ويحذر المثل التالي الفلاح من مغبة التهاون خلال هده المنزلة في عملية إعداد الأرض للزراعات  المتأخرة (المازوزية) كالدرة “بطن الحوت اقلب الدرا قبل تفوت ” ومن ذلك قولهم في هذا الشأن على لسان النباتات كعلامة على بداية الحرارة “بطن الحوت اسقيني أو نموت”. إذا أمطرت السماء خلاله يكون الفلاح شبه مطمئن على محاصيله وماشيته خصوصا اذا أضحت الظروف المناخية مواتية في الشهرين المقبلين.

“شتا د النيسان كتعور لحيي في الكيفان ”

شهر ابريل

         أمطار هذا الشهر محبوبة لكثرة مزاياها “راوية يبريل أحسن من مال مدريد ” بمعنى ارتواء الأرض في ابريل أحسن من مال مدريد. مع حلول يوم 27 من ابريل يبتدئ موسم النيسان ويمتد إلى 4 ماي وهو من الفترات المحبورة. من الأمثال التي تعرضت لذلك ” إلى دخل النسيان كل إنسان حتى الوحوش والحيتان “. ويعتقد أن أمطار هذه الفترة مبروكة جدا من ذلك قولهم “ألما نيسان ليعرف قدره يشريه بالكيسان ” بمعنى من يعرف أهمية ماء أمطار هذا الموسم سيقتنيه بالأكواب. ويتم جمع مياه هذه الأمطار لترش بها الحيوانات والحبوب المحتفظ بها في الخزائن… كما يعتقد أن أمطار النيسان  تعمي الثعابين في مأواها.والمثل التالي يشير إلى ذلك “شتا د النيسان كتعور لحيي في الكيفان “. وعليه اذا لم تهطل الأمطار خلال هذه الفترة فان خطر الأفاعي وارد إلى حلول فصل الشتاء المقبل.

 

“حيد الرا واخرج لبرا”

شهر ماي

     حلول شهرماي علامة على زيادة ارتفاع درجات الحرارة. فيقال “حيد الرا واخرج لبرا”وذلك إيحاء بان الشهور التي يتضمن اسمها حرف الراء تكون باردة وهي شتمبر – أكتوبر- نومبر – دجنبر- يناير- فبراير- مارس – ابريل.  أما شهور مايو- يونيو- يوليوز وغشت حارة. وبالتالي النوم خارج البيوت ممكن ابتدءا من هدا الشهر لحصول نوع من الاعتدال المناخي بأحوال الطقس .

             في فاتح ماي تدخل منزلة الدبران .ويعبر المثل التالي على انعدام الفائدة من فلح الأراضي البورية  ابتدءا من هذه المنزلة بصورة مجازية كما يلي “إلى دخل الدبران لا درا لا ثران ” بمعنى محصول الحرث في هذه المنزلة يكون ضعيفا جدا على مستوى الإنتاج. وحيوانات الحرث تصبح منهوكة القوى ودلك لتزامن هده المنزلة مع فترة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة. وتعتبر منزلة الدبران ايدانا ببداية موسم الحصاد.

في 17 مايو من السنة الفلاحية يحل فصل الصيف. ويعرف هدا اليوم “موت الأرض”. وبهذه المناسبة تتم ممارسة بعض الطقوس كتفادي النوم خلال النهار وكي الرقبة والجلد المحيط بالوجه بواسطة عود “سلطان الدفلة” (فصيلة من نبات الدفلة ) بعد وضعه على النار وأكل البعض لشعير الموسم الفلاحي الجديد محمصا. كما تذبح أحيانا ذبيحة (الوزيعة) ويوزع لحمها على أعضاء الجماعة على أن يؤدى ثمنها إلى اجل معين. وتتم زيارة الأضرحة من طرف البعض خلال هدا اليوم .وفي اليوم التالي يشرع في عملية الحصاد عند البعض الآخر.

عملية الدرس في اجبالة

عملية الدرس في اجبالة

“اذا انفخ الشركي في الصمايم دبر فالعلف للبهايم”

شهرا يونيو / يوليوز

       يوافق يوم 24 يونيو الفلاحي موسم العنصرة ويواكب هذا الموسم ممارسة بعض الطقوس المرتبطة بالماء والنار اذ يعتقد أن لهما دور تطهيري مثل إضرام النار في الهشيم ليمس دخانها البيوت والحقول والمواشي… وينط بعض أفراد العائلة مرات عديدة فوق النار من جهة أخرى ويتبادل السكان رش الماء ويهيئون المآدب الخاصة بالمناسبة من محاصيل الموسم الفلاحي الجديد. كما يتم جمع العسل من خلايا النحل و الاشتراك في “الوزيعة” فيأخذ كل واحد من الجماعة حظه من لحم ذبيحة بعد ما يحسب لها ثمنا مناسبا حسب الأعراف المعمول بها .وقد يلعب بعض السكان لعبة الخيل المعروفة ب”ماطة” في الأماكن الممكن ممارستها .

          من مواسم هذا الفصل الصمايم (السمائم) وهو موسم فلاحي طويل ومشؤوم يشمل الصيف وطرفا من الخريف.و يقابل موسم الليالي  في موسم الشتاء  تمتد أيامه على أربعين يوما من 12يونيو إلى 19 غشت .و هي الأكثر حرارة خلال السنة. ونكتفي هنا بإدراج مثلين موضحين لذلك “الريح  د الصمايم ” ليطرح البهايم” “اذا انفخ الشركي في الصمايم دبر فالعلف للبهايم” بمعنى هبوب الرياح خلال هذه الفترة يجهض الدواب .وعلى الفلاح العناية بها نظرا لشدة حرارة هذه الرياح. ويعتقد انه اذا ظهرت السحب في السماء خلال هذه الفترة فان السنة الموالية ستكون ممطرة.

         تقتضي التقاليد أن تخلد نهاية الحصاد عند الفلاحين باجبالة ميدانيا بطقس خاص يعرف ب “عروسة الفدان” حيث أن الفلاح في أخر العملية يترك بضعة أمتار مربعة من القمح بدون حصاد فيرتدي العنصر النسوي من أسرته ملابسه الجميلة و يتوجه للحقل قصد “تريش السنابل” سنبلة بعد سنبلة منشدا الأهازيج الشعبية والسجاع مع الزغاريد وتنتهي هده العملية بإعداد مأدبة جماعية خاصة بالمناسبة .

         في سياق حديثه عن عملية الحصاد الجماعية (توازه) الخاصة بالمسجد يصف لنا العياشي المريني إحدى صيغ هدا الاحتفال قائلا “على انه لا بد من ختم عمليات الحصاد بوضع تمثيلية هزلية اجتماعية تقليدية يشارك فيها الفلاحون والفلاحات والشبان والشابات بحيث تختار أحسن نقطة في توازة تتوفر على أحسن السنابل وتترك على شكل دائري تحيط بها أكوام من السنابل تسمى ” العروسة ” ثم يأتى بامرأة تمثل عروسا وتجلس وسط السنابل ويحضر الحصادون بمناجلهم ومن وراءهم النساء وتشرع العروس في رفع أصواتها بالبكاء ومن خلفها الحصادون يقطعون السنابل ويرددون الأهازيج الشعبية فادا وصلوا الى العروس أمسكت عن البكاء وابتعد الرجال ودنا منها النساء ويشرعن في تقديم الهدايا للعروس والمتمثلة في الكعك والخبز الجيد ويسمونها ” الغرامات على العروسة “. وبعد الفراغ من هده الغرامات يجمع الكعك ويضاف إلى زاد الجماعة ويأكل البعض منه والأخر يحمل إلى مسجد الجماعة وغالبا ما يباع بالمزاد العلني ويضاف مردوده إلى خزين الجماعة. وتنتهي عمليات الحصاد بذبح عدد من رؤوس الماعز وان اقتضى الحال بقرة أو ثورا وتوزع على الجماعة بحيث تأخذ الأسرة  العادية المكونة من 2 إلى 6 أفراد  ” قرعة ” واحدة والأسرة المكونة من 6 أفراد فما فوق ” قرعتين ” والأرملة أو المطلقة ” نصف قرعة “.

 

” غشت أوله تين وآخره طين ”

شهرا غشت وشتنبر

      من الأمثال التي تعرضت لشهر غشت المثل الذي يقول ” غشت أوله تين وآخره طين ” بمعنى في بدايته تنضج ثمار  أشجار التين وقد ينتهي بتها طل أمطار الموسم  الفلاحي الأولى لكن يبقى الشهر الذي يحمل العلامات الأولى للمطر وتحولا ملحوظا في الطقس هو شهر شتنبر .

       خلال هذا الشهر الأخير يستعد الفلاح لاستقبال أيام الحرث ومن الأمثلة الشعبية التي يتضمنها هذا الشهر التي توحي بقدوم أيام الحرث ” في شتنبر اقطع الدرا وخا في قاع البير ” ويقول مثل آخر في هدا الشأن  ” في شتنببر تحلى ماكلة الشعير ويقوى ألما في البير والفلاح يشوف مايدير ”  بمعنى تلذ أكلة الشعير ويكثر الماء في الآبار والفلاح يستعد لموسم الحرث.

المرأة الجبلية والتراث

المرأة الجبلية والتراث

“زراعة غلال البكري”

  شهرا أكتوبر نونبر

        يعرف هذان الشهران منازل تمتاز كلها بتراجع الحرارة وبداية  موسم الأمطار والبرد القارس ففي 17 أكتوبر الفلاحي تدخل أيام الحرث (الحرث البكري )التي تمتد على مائة وثلاث أيام 17 أكتوبر إلى 27 يناير . بدخول موسم الحرث يستعد الفلاح للعمل في حقوله فيهتم بحيوانات الجر ويروضها على الحرث ويقتني ما يحتاج إليه من بدور وحبال وأدوات…وعندما تروي الأمطار الحقول يعتبر اليوم الأول من الحرث بالنسبة لكل مزارع يوم حفل فلاحي يدعى ” السهول ” أو ” النزول ” .ويتم الاحتفاء بهده المناسبة بتوجيه أطباق من الفطائر والأرغفة أو أقراص الخبز والتين المجفف والفول المحمص… إلى المسجد أو إلى مكان الحرث لإطعام التلاميذ ( المحاضرية ) والطلبة والصبيان والمحتاجين… ويواكب ذلك طقوس خاصة في اليوم الثالث عشر من شهر نومبر. تدخل منزلة الشولة ويعتبر بداية هذه المنزلة ايدانا بحلول يوم الزريعة ( زراعة غلال البكري ).

          ما نخلص إليه إجمالا هو انه من خلال الارتباط بالأرض ومحيطها البيئي وبناء على التوارث والتناقل  راكمت الثقافة الشعبية الشفهية عصارة تجارب ومهارات الفلاح في بلاد اجبالة وقدراته اللغوية على صياغة هذه التجارب والمهارات على شكل حكم وأمثال شعبية سهلة الاستثمار والتوظيف كما يمكن القول أن هذه التقسيمات للشهور تعبر عن وجه كل فصل فلاحي ومميزاته الطبيعية والإنتاجية وكما هو الحال في المناطق المغربية الأخرى كالأطلس الصغير فالحفلات الزراعية التي تقاوم تتويجا للمواسم الفلاحية تكسر روتين الحياة اليومية كما تطبع الانتقال من فترة إلى أخرى ومن دورة إلى أخرى وهي مناسبات يحتفل بها من حين لآخر حسب الأسر وحسب نسبة أهمية الفلاحة في حياة اجبالة.

إعداد :عبد العزيز بوليفة

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى