زوايا ومواسم بني زروال بإقليم تاونات… تراث ثقافي صوفي طواه النسيان وتقلبات الزمان

ضريح الزاوية الدرقاوية

ضريح الزاوية الدرقاوية

تاونات /جريدتي”صدى تاونات “و”تاونات نت”:نخصص ملف هذا العدد، للتعريف بموروث ثقافي ذا طابع صوفي، يتعلق الأمر بزوايا قبيلة بني زروال بدائرة غفساي، ومن جملة هذه الزوايا، نجد زواية بوبريح وزاوية أمجوط   وزاوية سيدي احمد الحمومي المعروفة بالزاوية الفوقية وزاوية المقراوي الحمومية، وزاوية سيدي عبد الوارث اليالصوتي وزاوية اولاد خزار  وزاوية سيدي الحسن الزغاري. وكان لمحمد البشير بن عبد الله الفاسي الفهري الاثر الكبير في سبر اغوار هذه الزوايا وطرقها الصوفية ومواسمها السنوية.

زاوية بوبريح الدرقاوية

 هذه الزاوية تقع بفرقة  بومعان بمشيخة بني عبد الله بمحل مسمى كدية العدس اسسها الشيخ مولاي العربي الدرقاوي صاحب الزاوية الدرقاوية الشهير ولما فارق الشيخ مولاي العربي استاذه مولاي على الجمل توجه لبني زروال فأسس محل سكناه ببني عبد الله سنة 1185 هـ، ثم لما كثر اتباعه واتسعت دائرته ضاق به المحل فأسس زاوية بوبريح سنة 1201 هـ وبقيت عامرة به وبأتباعه الى ان توفى وبعد وفاته وقع نزاع بين ابنائه فانفصل عنه ولده مولاي الطيب الذي تولى المشيخة بعد وأسس زاوية امجوط .

زاوية امجوط أحرقتها المقاومة الريفية لانشغالها بأمور السياسة

     تقع هذه الزاوية بفرقة بومعان ومؤسسها هو الشيخ الطيب العربي الدرقاوي سنة 1275 وسبب تاسيسه لها انه بعد موت والده الشيخ مولاي العربي حصل النزاع بينه وبين اخوته فانتقل للسكنى بمحل يعرف بحيط ليلة بقبيلة بني يحمد وبما ان المحل المذكور يوجد بالحدود بين قبائل بني يحمد وغزاوة وبني مستارة وبني زروال لم يتم له استقرار به بسبب كثرة الفتن فانتقل لامجوط واسس هناك دار سكناه وزاويته وهذه الزاوية التي اشتهرت بموسمها الدرقاوي الذي يقام في شهر شتمبر من كل سنة ويزوره اتباع الطريقة الدرقاوية من سائر نواحي المغرب والتي كان لابناء مؤسسها حركة علمية لا باس بها والتي ضمت خزانة كتب علمية تشتمل على عدة مؤلفات لا زالت بيد حفدته منها سيرة الكلاعي. غير ان الزاوية المذكورة امتحنت بسبب تداخل بعض رؤسائها المتاخرين في مسائل السياسة وخروجهم عن طريقة سلفهم فلقد هدمت وأحرقت اثناء حركة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي الريفي سنة 1925 م وفر سكانها وعلى رأسهم المولى عبد الرحمان بن الطيب عميدها لمدينة فاس ولما اخمدت الحركة الريفية عاد اليها سكانها وأعادت قبيلة بني زروال بناءها تحت ضغط الفرنسيين.

        زاوية سيدي احمد الحمومي الوزانية المعروفة بالزاوية الفوقية

  هذه الزاوية تقع بفرقة بني ابراهيم يمينا من مدشر عين الباردة على الطريقة الذاهبة من بني ابراهيم لبني ملول ومؤسسها هو السيد احمد ابن الحسن الحمومي سنة 1116هـ . ولقد قامت هذه الزاوية بنشر العلم والدين بين الجبليين مع كرم وبذل وسخاء وكانت بها خزانة كتب علمية على جانب من الاهمية و من جملة الكتب التي كانت بها شرح ابي علي ابن رحال على المختصر وهو الان بيد سيدي ادريس ابن علال الحمومي بفاس وطريقة مؤسسها هي الوزانية اخذها عن الشيخ مولاي التهامي الوزاني دفين وزان.

                  زاوية المقراوي الحمومية خديمة ملوك الدولة العلوية

  هذه الزاوية تقع بفرقة بني ملول على ضفة وادي امزاز ومؤسسها سيدي محمد بن علي بن التهامي بن احمد بن الحسن الحمومي الجد القادم لبني زروال  اواخر القرن الثاني عشر الهجري وكانت لها شهرة وصيت عند القبائل الجبلية لما كان لابناء مؤسسها من الجاه والثروة العريضة والكلمة النافذة لدى ملوك الدولة العلوية الشريفة ادام الله ملوكها .

               زاوية سيدي عبد الوارث اليالصوتي ببني دركول

   هذه الزاوية تقع بفرقة اولاد قاسم بفخذة ابني دركول على شاطئ وادي اوضور ومؤسسها هو الولي الصالح  سيدي عبد الوارث اليالصوتي الشهير ويسكنها الان ابناؤه وهم اهل مروءة وحياء واشتغال بالعلم وتمسك بالدين لم اقف على تاريخ تاسيسها الا ان مؤسسها سيدي عبد الوارث المذكور توفي سنة 971هـ.

                           زاوية اولاد خزار للشريف العلوي

   هذه الزاوية تقع بفرقة بني ابراهيم على الطريق الذاهب من ابني ابراهيم الى بومعان ومؤسسها هو سيدي احمد الشريف العلوي وهو اول قادم من الاسرة العلوية لقبيلة الني زروال في القرن العاشر الهجري ولم اقف على تاريخ تاسيسها الا ان صاحبها من اهل القرن العاشر والزاوية المذكورة تقع بسفح جبل وبها عيون مياه ومناظر خلابة ولسكانها اعتناء بفلاحة الخضر السقوية ولهم عند القبيلة مكانة واعتبار بسبب نسبهم الشريف وللمروءة والاشتغال بما يعنيهم .

                     زاوية سيدي الحسن الزغاري بودكة  

    هذه الزاوية تقع بفرقة بني مكة بفخذة المراج بجبل ودكة غربا منه بموضع يسمى راس الوادي ومؤسسها هو الولي الصالح ابو علي حسن بن عيسى الزغاري دفينها لم اقف على تاريخ تاسيسها الا ان مؤسسها كان حيا اوائل القرن الحادي وبالزاوية المذكورة سكنى ابنائه الذين هم محل اعتبار واعتناء من طرف القبيلة الزروالية والقبيلتين الغمارية واليحمدية لوقوع الزاوية بين حدود القبائل الثلاث.

                                        الكلام على الطريقة الدرقاوية والحمومية

        بمناسبة الكلام على الزاويتين الدرقاوية والحمومية وان الاولى كانت طريقتها شاذلة والثانية كانت طريقتها وزانية تهامية اردت ان اتكلم باختصار على الطرق الصوفية بالمغرب وما كان من الاثر الطيب غي نشر السلام وآدابه وماءال اليه امرها بعد بسبب خروج رؤسائها عن المقصود منها فأقول لا اقصد في هذا الفصل الكلام على الطرق الصوفية باتم معانيها وانما اشير فيه الى بعض اساطينها ثم ما قامت به من اعمال في صالح الدعوة الاسلامية والتهديب الروحي وماءال اليه الامر بسبب خروج بعض رؤسائها عن مبدئها الشريف وغايتها الحميدة فاستخدمها لنيل اغرادهم الدنيوية وشهواتهم النفسية مما كان سببا في سقوط مقامها لذى العامة وتطرق الشك الى عظمائها الذين يجل مقامهم عن كل نقص.

     ان التصوف على مبدئه وغايته رياضة النفس وتطهيرها من ادران الانانية وحب الذات وخدمة الصالح العام متمسكا في عمله بالكتاب والسنة ثم نشر الدعوة الاسلامية بين من لم تتمكن منهم مبادئها او فهموها على غير وجهها الصحيح فالتصوق بهذا الاعتبار علم اجتماعي يؤيد الذين ونفخ روح التهديب والتلربية الفاضلة في النفوس قال رئيس الصوفية “الطرق كلها مسدودة الا على من اقتفى اثر الرسول صلى الله عليه وسلم في اقواله وفعاله” ولم تزل طرق تصوف قائمة بنشر الدعوة المحمدية الى الان، فالطريقتين التجانية والقادرية لهما الاثر الطيب في هذا الميدان بمجاهل افريقية السوداء، فانها تنشر السلام وتبشر بتعاليمه السامية وتقف حجر عثرة في طريق المبشرين المسيحيين.

    وكان ابطال التصوف بعيدين كل غاية مادية الامر الذي لا يمكن معه بحال الشك في حسن قصدهم وشرف غايتهم فكيف يمكن ان يتطرق الشك الى رجال نبذوا الماديات وصرفوا هيمتهم لطهارة الروح وارشاد الخلق الى طريق عبادة الرب سبحانه على النهج الذي سنه الاسلام من العمل للدنيا وفق مباديء الشرع والاستعداد للاخرة على طريق الرشد كما قال اعلامهم، مبينا حقيقة التصوف

 ليس التصوف لبس الصوف ترقعه                      ولا بكاؤك ان غنى المغنون

و لاصياح ولا رقص ولا طرب                              ولا اغتباط كان ان صرت مجنونا

بل التصوف ان تصفو بلا كدر                             وتتبع الحق والقران والدين

وان ترى خاشعا لله مكتيبا                                 على ذنوبك طول الدهر محزونا

   فكيف يستطيع مسلم ان يدخله الشك او وهم في رجال اجمعت الامة على طهارتهم مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني المتوفي سنة 561هـ  1166م والشيخ ابي العباس المرسي والشيخ ابن عطاء الله والفيلسوف العظيم الغزالي وابى الحسن الشاذلي الشريف الحسني المولود بغمارة حوالي سنة 393 هـ وابن مشيش متوفي شهيد قتله ابو الطواجين الكتامي سنة  625هـ وابي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان الجزولي المتوفي سنة 870 هـ والشيخ احمد الزروق المتوفي سنة 1036 هـ والامام القشيري من اهل المائة الخامسة ومئات اضرابهم.

نعم خلف من بعدهم خلف سلكوا غير طريقتهم ونهجوا نهجا مخالفا لغاياتهم وحرفوا الكلم عن مواضعه فاتخدوا من الطريقة سلاحا لتضليل العامة واستخدموها في مصالحهم الخاصة وابتزاز ثورة الشعب بالشعودة والأضاليل مما يعلمهم العام والخاص ولا يكاد يخفى على من له ادنى انتباه .

اما الخيام فانها كخيامهم وارى نساء الحي غير نسائها، بل زاد الامر فساد او الشر استفحالا حتى صار يخدمون الاجنبي المستعمر ويضحون بمصالح اوطانهم في سبيل اغراضهم ويلقون اتباعهم تفاسير معوجة لبعض الايات والاحاديث تحملهم على الركون للخمول وترك العمل النافع واستخدام عقيدة القضاء والقدر على غير وجهها الذي شرعه المولى سبحانه وسيعاقبهم على اعمالهم الاجرامية وخيانتهم لأمانة العلم والدين وتضليل الشعوب يوم يجز المحسن على احسانه والمسيء على قبيح افعاله وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون .

المواسم

ان الكلام على الطرق الصوفية يجر بنا للكلام على هذه المواسم التي تقام بمناسبة ذكرى رئيس الطريقة وفي مقدمتها الموسم الدرقاوي و لاجله خصصت هذا الفصل للكلام عليها.

موسم الدرقاوي

المواسم على العموم لم تكن معروفة في صدر الاسلام وانما حدثت في العصور الاخيرة فهي من المحدثات التي قال فيها الرسول صلى الله عليه و سلم كل محدثة بدعة و قال فيها الشاعر :

و خير امور الدين مكان سنة      وشر الامور محدثات البدائع

نعم يستثنى من ذلك بعض المواسم التي تقام لإحياء ذكرى بعض عظماء الاسلام او لتمجيد فكرة ثانية على شرط ان تكون جارية على قواعد الاسلام و ادابه بعيدة عن كل بدعة مدمومة او شعوذة باطلة مما يخالف جوهر الاسلام .

و ان الناظر في المواسم التي تقام ببادية المغرب و حواضره يجدها مشتملة على اشياء مغايرة لروح الدين وبعيدة كل البعد عن مقاصده الشريفة و قديما حدر قادة الملة و ملوك الاسلام منها واتخذوا قرارات حاسمة لمنعها فقد كتب السلطان الجليل العالم المصلح مولاي سليمان قدس الله روحه رسالة لعلماء المغرب في شانها من جملة ما تضمنته (فبالله عليكم هل تعلمون ان النبي (ص) اقام موسما لعمه العباس ) وشدد في الامر حتى امر بالغائها كما في الاستقصا و ذلك لان رؤساؤها اتخذوها دريعة لنهب اموال الامة وتضليلها بالأوهام الباطلة و الخرافات الوهمية وكان لدول الاستعمار اثر قوي في تشجيعها وتنشيط حركتها خدمة لمصالحها لانها تخدر الشعوب وتصرفها عن النظر في مصالحها ومنافعها وتجعل منها جماعات مسخرة في ايدي رؤساء تلك المواسم يقودونها في الطريق التي يرسمونها ويوجهونها التوجيه اللائق بهم ولقد وقفت على مقال لبعض كبراء الضباط الاستعلامات بالمغرب في عهد حماية البغيض نشره في جريدة (بريد اخبار المغرب كوري دي مروك) التي كانت تطبع بفاس في عددها المؤرخ بيوم الاثنين 16 اكتوبر1933 حول الموسم الدرقاوي الذي يقام ببوبريح في شهر شتنبر من كل سنة والذي تقصده وفود كتيرة من سائر انحاء المغرب وها انا اقتطف منه بعض الفقرات ليعلم الانسان مكان الاستعما،ر يعلقه من امال على هذه المواسم وما كان سيعطه لها من الصبغة التي تتماشى مع مصالحه. فقد افتتح مقاله بقولة ” لقد حضرت في هذه السنة في اجتماع الدرقاويين ببوبريح واظن انه من اهمية بمكان ان اتحدث مرة اخرى عن هذه الطريقة وعن الدور التاريخي الذي قامت به منذ تاسيسها وعن الموقف الذي اتخذته ازاء فرنسا منذ سنة 1830م في الجزائر وساعطي عناية خاصة الى موقفها في المغرب منذ سنة  1912 م ، لست محاولا في هذا المقال ان اقدم دراسة تامة عن الطريقة الدرقاوية لكن لا ينبغي لفرد يعيش  في فاس ان يجهل اهمية هذه الطريقة وكيف كانت تتعاون معنا نحن الفرنسيين سياسيا وعسكريا بعدوى ورغة اليمنى واغتنم هذه الفرصة لارفع الى روح الكولونيل بين الذي كان اول من فكر في الاتصال بزاوية امجوط اتصالا لا ينقطع ابدا ويقول في الكلام على المؤسسين، اسس الطريق مولاي العربي الذي مات سنة  1823  م ودفن ببوبريح حيث يحتفل اليوم بموسمه وعاش ابنه مولاي الطيب من سنة  1811م الى 1887 م ودفن بامجوط اما حفيده مولاي عبد الرحمان الذي عاش من سنة  1850 الى سنة 1927 م ، فهو الذي كان على اتصال بنا خلال السنوات الخمس عشر الاخيرة من عمره ولقد ورث ابنه محمد بركته ويعتبر اليوم الشيخ الطريقة الحالي ويقول اما حياة مولاي الطيب فكانت هادئة لا تدعو الى اهتمام خاص ولما خلفه ابنه مولاي عبد الرحمان وجدنا قد نزلنا بالمغرب وما ان اتت سنة 1912 حتى طلبنا منه ان يحافظ على الامن في شمال ورغة وان ينادي بمقاومة الملوك المزيفين والخارجين عن الطاعة ومن ثمة والدرقاويون كلهم اخلاص للمخزن، ويقول في وصف الموسم وبمناسبة هذا الموسم اتى زائرون الى بوبريح من جميع الافاق منهم من اتى من الصحراء ومنهم من نزل من الجبل لكن حرس الشيخ مؤسس الطريقة هم بنو زروال وهاهم يتقدمون واثار العصبية تظهر على ملامحهم التي لفحتها الشمس يرتدون جلاليب دات لون قاتم ويحملون بنادق طويلة يطلقون نارها على الارض فتثير غبارا مختلط بدخان البارود ويسيرون ها كذا الى ان يصلوا الى ضريح وليهم حيث ينتظرهم ثور الفداء الذي نحر لكن لم يمت بعد فيقودونه معهم الى ضريح قديم كما هي العادة التي لا تفسير لها اليوم وعندما ينهار الثور على الارض يعم الجميع السكوت فتكف البنادق عن طلقاتها والطبول عن دقاتها والمزامير عن موسيقاها وحين داك تتكون جماعات لترجع من حيث اتت في خشوع وهدوء ثم عدنا من حيث اثينا ممتطين افراسنا الجبلية السريعة ونحن نتجاذب اطراف الحديث مع ضباط الاستعلامات بدائرة ورغة الوسطى وانه لا يسعد ضابط شيخ عمل في شؤون ادارة الامور الاهلية ان يرى رفاقه الصغار يتوقدون حماسا في اداء مهمتهم التي هي نشر الامن والاخوة بين شعبين ادا اديت على احسن وجه .

إعداد :محمد العبادي

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7183

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى