د. خالد فتحي:العفو الملكي على مزارعي القنب الهندي إستثنائيا ومؤسسا لمرحلة جديدة

البروفيسور خالد فتحي*- الرباط :”تاونات نت”//- يكتسي العفو الملكي خلال ذكرى ثورة الملك والشعب ، لهذه السنة  بعدا خاصا من جميع النواحي كونه هم فئة معينة من المواطنين يجمع بينهم أنهم  مدانون أو متابعون أو مبحوث عنهم  في قضايا تتعلق بالقنب الهندي ،وكون غالبيتهم ينتمون لمناطق ظلت مهمشة من كل الحكومات …

مناطق لم يتسنى لها أن  تنال قسطها  الكامل من التنمية إسوة بما شهدته مناطق وجهات أخرى…وبالتالي، يكون هذا العفو استثنائيا، مختلفا عن سابقيه،  مؤسسا لمرحلة جديدة، ،ومصححا لأوضاع قانونية وانسانية واجتماعية كان يشوبها الاختلال أو تجاوزها السياق الحالي،و حاملا  بالخصوص  في طياته  بذور زخم  تنموي  قادم يستهدف تأهيل هذه المناطق، و إنصاف ناسها.

كل من يعرف هذه الأقاليم المعنية بالالتفاتة الملكية حق المعرفة ، يعلم  جيدا أن تلك المتابعات والأبحاث  كانت تخلق وضعا متشنجا…،شعورا قاسيا بالإبعاد والتهميش، ،واحساسا لايوصف  بالظلم والاحتقار،لأن لا أحد كان ليختار يإرادته  ذاك النوع من الزراعات بالوصم والمخاطر المتضمنة فيها، لو كانت قد  توفرت له بدائل أخرى للعيش, أو كانت  الدولة قد أتته بطرقها المعبدة،وقناطرها التي تفك العزلة عن المداشر التي يعيش فيها ،و بنت له من  المستوصفات والمستشفيات والمدارس، والثانويات، والجامعات، مايكفيه وأبناءه …

ثم لنتسلح بالشجاعة الأدبية ،ونعترف بأن تلك المتابعات كانت سببا أيضا في تدهور الحياة السياسية والحزبية بكل تلك المناطق، فقد شكلت أدوات رهيبة  للضغط والابتزاز  والانتقام والاستقطاب عملت على تحريف الخرائط السياسية للعديد من الأقاليم دون حاجة لخطف صناديق أو تزوير نتائج ، ثم كان “للنخبة” التي افرزت في هكذا سياق ملغوم  تأثير سلبي على الشأن العام المغربي بصفة عامة …

أتذكر أنه خلال بعض المناقشات مع ساكنة بعض هذه المناطق في الدواوير النائية حيث تنتشر حقول الكيف الخضراء وقنوات الري من الانهار والآبار ، أن العديد منهم كانوا بمنسوب من التوجس  لدرجة طوروا معها  موقفا سلبيا من فائدة  وصول قطار  التنمية إليهم، فالطريق تعني و صول سرية الدرك إليهم واعتقالهم ،واحداث قيادات جديدة لتسهيل امورهم الادارية يعني لهم  أنهم  صاروا  تحت “عين السلطة” وأنهم قاب قوسين أو أدنى من السجن بسبب متابعة أو رسالة مجهولة …بل لاتفارقني مثلا صور ة الأسواق الأسبوعية   ببني زروال  غفساي بإقليم تاونات على سبيل المثال ،وهي خالية خلال بعض السنوات من رجالها ، لا تتسوق فيها الا النساء  ،لأن الرجال  كانوا يعتكفون بالدواوير، بسبب ارتيابهم  في  وضعهم النظامي القانوني  ،فلا يعرفون ان جاءوا السوق هل سيعودون مساء إلى أحضان  أبنائهم أم لا … بعضهم كان حسب ما يحكى لي دون ملف متابعة بأية مسطرة  ،ولكنه مع ذلك، كان يقبع بمدشره ، لايتسوق ،ولايبتعد  كثيرا  بسبب الشك والخوف  لاغير …ناهيك عن أولئك الذين كانوا يظلون بدون بطاقة وطنية ، ولايطلبون جواز سفر ، وقد لايسجلون حتى أبنائهم بالحالة المدنية،ولايسافرون  أبدا مخافة تنقيطهم،مما كان يحبط و  يشعر الكثيرين منهم بنقص في  حقوق المواطنة  .

مما لايعرفه الكثير من الناس ممن ليسوا من أبناء هذه المناطق ،أن القنب الهندي في صيغته الماضية  لم يجلب لها  لا رخاء ولاثراء ، بل   كان نقمة وشرا  ووبالا عليها :  لقد دمر البيئة ، وأضر بالمناخ ، وبدد الغابات ،وأنهك الفرش المائية ، وافسد التربة الخصبة بالبذور الهجينة التي جلبها تجار المخدرات من أقاصي العالم ، فأجدبت التربة ، ونسي  الناس فلاحتهم المعاشية التي كانت تكفيهم الفاقة و عادوا يشترون الخبز والحليب والخضر والدواجن تماما  كأهل المدن …

والأمر من كل هذا أنه بدد للأسف  القيم البدوية الأصيلة، وأولها أخلاق  التراحم والتضامن والتكافل  وبر الصغار بالكبار،وقسم الناس، وكان ذاك هو الأدهى ، إلى فئة عريضة من صغار  الفلاحين التعساء البؤساء  المتابعين ، وقلة من الوسطاء  المستغلين الذين جعلوا من مزارع الكيف قفة مالية لاستثمارات بعيدة لهم  لم تكن تعود بنفع على الساكنة التي ظلت تراوح مكانها من الفقر وضيق الحال... 

اختيار جلالة الملك ذكرى ثورة الملك والشعب محطة لهذا العفو التاريخي هي إشارة منه إلى المنحى والبوصلة الجديدة التي يجب أن تأخذها زراعة القنب الهندي بأن تصبح ذات استعمال مشروع يؤهلها لتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلاحين واسرهم ويجعل منها رافعة قوية  للتنمية بهذه المناطق .  

الآن تمارس  زراعة القنب الهندي  في هاجرة النهار ،وهذه انعطافة كبيرة  مهدت لها الدولة بقوانين ووكالة وتعاونيات تثمن هذا المنتوج…لم تعد هذه الزراعة بهذا المنظور الجديد تصب في عالم المخدرات المرفوض،  بل صارت رافدا للصناعة الصيدلانية ولمواد التجميل وغير ذلك من المنافع المختلفة …

صارت موجهة نحو الخير ونحو المصلحة وتعزيز الصحة و تنشيط الاقتصاد بالطرق القانونية  الحلال ..صارت زراعة معترفا بها  تتم تحت أنظار وسمع الدولة ،واستثمارا اقتصاديا مفيدا للكثير من الصناعات،بل ستصبح رافدا من روافد التجارة الخارجية المغربية وصادراتها وبالتالي موردا للعملة الصعبة…بهذا المعنى ، يكون هذا العفو الملكي، في مثل هذا السياق قرارا تاريخيا يروم دمج هؤلاء الفلاحين في هذا الورش  و خلق مناخ جيد  للتنمية المستدامة في هذه المناطق…

إنه إذن لإشارة من جلالة الملك يتعين التقاطها من طرف الحكومة والمسؤولين للانطلاق على أسس صحيحة ورؤية ثاقبة ، كي لاتتكرر أخطاء الماضي غير البعيد…   

    الآن تكتمل الصورة بهذا العفو النبيل،و ينبلج فجر جديد بهذه المناطق ، وتتبلور لبنات مقاربة تبدو  ناجعة و متكاملة الأركان و الزوايا …فالملك  لا يريد تنمية من ملح تذوب بمجرد ما تتوالى عليها السنون …وانما تنمية  من فولاذ تكون مستدامة و قادرة على أن تطور مناطق الشمال كلها،وقمينة بأن تفتح لها افاقا واعدة من ذهب و غير مسبوقة .

 صار القنب الهندي يزرع في واضحة النهار،وصار بإمكان الفلاح أن يرفع رأسه عاليا دون شعور بالخزي أو بالدونية ، ودون أن ينتابه خوف على مستقبله ،لأنه أخيرا توصل الى أن يمارس مهنة تضمن له كرامته ومواطنته ، و تعطيه فوق ذلك فرصة المشاركة في المجهود الوطني للتنمية ...

ينبغي لهذه الزراعة أن تكون مهيكلة ومندمجة مع مايجري من تقدم  في القطاعات الأخرى…يجب   أن لا تكون مثلا  على حساب المستقبل المائي لتلك المناطق  ،إذ يتعين مع تقنينها تقنين استعمال الماء اللازم لها، حتى لانفيق على كارثة مائية لانودها .. .

جلالة الملك بذل مجهودا خارقا للتحسيس بمخاطر الإجهاد المائي ،ولذلك يتطلب التوطين القانوني للقنب الهندي، أن يراعي أيضا هذه المسألة ضمانا للاستدامة وحفاظا على قدراتنا المائية و على حق الاجيال المقبلة فيها …

  يتعين أيضا أن تتم هذه الزراعة بحكامة ناجعة يعرف فيها كل ميلغرام قنب هندي أين زرع ومن حصده واين وجه صناعيا حتى يبدأ تاريخ جديد لهذه الزراعة وطنيا ودوليا

كما ينبغي كذلك أن يخص ابناء هذه المناطق  بمناصب الشغل المرافقة لهذه الصناعات المنبثقة عن زراعة القنب الهندي وان يتم إقامتها بترابهم،وكذا توحيد وتجميع  المساحات الزراعية من خلال تعاونيات يشرف عليها المزارعون أنفسهم…ثم علينا  أن نحاول تركيز السكن في مراكز قروية، ونقلل من السكن المشتت...

كل هذا الإجراءات تتكامل بينها وتؤدي لتوزيع ثمار  التنمية بالقسطاس على الجميع وبأقل تكلفة على الدولة كما أنها ستشجع على تفضيل  الاستقرار بهاته المراكز الصغيرة والبوادي…

 لقد فتح جلالة الملك  بعفوه الكريم صفحة جديدة بهذه المناطق …قراره هذا قرار استراتيجي لضمان  لنجاح كل الاوراش المفتوحة بهذه المناطق من شمال المغرب؛بل هو شرط ضروري وحاسم في تسريع هذا النجاح .

لقد  أعاد  جلالته الاعتبار في هذه المناطق الجبلية لقيمة عليا  يوليها سكانها الأولوية  القصوى، ألا  وهي قيمة  الحرية التي  قال عنها  مونتيسكيو في كتابه روح القوانين إنها أول خصلة لصيقة  بقاطني الجبال …

ولذلك علينا كمجتمع مدني، وكمنتخبين، وكساكنة، وفلاحين، أن نستوعب جيدا  إمكانيات وفرص هذه  اللحظة التاريخية التي هيأ لها جلالته ،ونستثمر بجد وحذق وذكاء وبصيرة في هذا الجو الإيجابي الذي خلقه العفو الملكي الجميل ، لكي نسير قدما وجميعا بخطى واسعة وواثقة نحو غد مشرق أفضل  .

*د.خالد فتحي:

-بروفيسور مختص في التوليد بالرباط

-أستاذ جامعي بكلية الطب بالرباط

-عضو المجلس الإداري لمنتدى كفاءات إقليم تاونات

-باحث في الشأن الصحي والسياسي.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7555

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى