الانتخابات البرلمانية بالمغرب:خيارات الدولة ورهانات الفاعلين السياسيين…بقلم د.امحمد مالكي*

انتخابات 2015

انتخابات 2015

تبدو خيارات الدولة المغربية إزاء انتخابات مجلس النواب، في أكتوبر/تشرين الأول القادم، أمام امتحان إثبات انسجامها مع الدستور وأحكامه، ومسار الإصلاح في ظل الاستقرار. وفي حين سينحصر التنافس بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فإن ما عداهما، سيبقى له دور مؤثِّر في بناء التحالفات المقبِلة.

يستعد المغرب لتنظيم انتخابات مجلس النواب في السابع من أكتوبر 2016، وهي الثانية في ظل الدستور الجديد لعام 2011 (العاشرة منذ استقلال البلاد عام 1956). ولأنها استحقاق بالغ الأهمية، من حيث السعي إلى تعميق الإصلاحات، وضمان الاستقرار، وتوطيد الديمقراطية، فإنها حبلى بالرهانات والتطلعات، سواء من قبل الدولة بوصفها محور السياسة، أو من لدن مختلف الفاعلين السياسيين.

وتنطلق الورقة من فرضية أن المعالم الكبرى للانتخاب المقبل تحددت في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015 الخاص بالبلديات والجهات، وأن المشهد السياسي والحزبي المغربي لا يشير إلى إمكانية حصول تغيرات جوهرية في الزمن القريب؛ حيث إن السباق نحو الفوز في الانتخابات المقبلة سينحصر بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وإن ما عداهما من الأحزاب، سواء من داخل الأغلبية الحالية، أو من المعارضة، سيكون لبعضها، وهو عدد محدود، دور في بناء التحالفات المقبلة، وما عداها، وهي كثيرة، لن تتجاوز مساهمتها مستوى تأثيث فضاء التعددية الحزبية ليس إلَّا.

أصبح معروفًا قانونًا وبشكل رسمي(1) أن تاريخ انتخاب أعضاء مجلس النواب المغربي(2) سيكون يوم الجمعة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وهذا يعني أن المدة التي تفصلنا عن تنظيم الانتخابات لا تصل أربعة أشهر؛ حيث تُشكِّل الانتخابات القادمة ثاني استحقاق في ظل دستور عام 2011 بعد انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، التي فاز بها حزب العدالة والتنمية وتولَّى رئاسة الحكومة(3). كما ستُمثِّل عاشرَ تجربة نيابية منذ أول انتخابات برلمانية جرى تنظيمُها في مايو/أيار عام 1963.

الانتخابات القادمة لها طبيعة خاصة يمكن إجمالها في عنصرين اثنين: يتعلق أولهما بكونها لاحِقة لانتخابات بلدية وجهوية تمَّ تنظيمُها في 4 سبتمبر/أيلول 2015، فحدَّدت عمليًّا قَسَمات ومعالم انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول القادم، إن لم نجزم بأنها رسَمت خطوط التنافس، ونوعية القوى المتنافِسة. في حين يخُصُّ العنصر الثاني الحزبين السياسيين المُتوقَّع تصدُّرهما المشهد السياسي والتصارع من أجل قيادته، ويتعلق الأمر بحزب العدالة والتنمية، زعيم الأغلبية الحكومية والمسؤول عن صياغة سياساتها، والذي يحرص على الظفر بفوز جديد، يؤهِّله لقيادة العمل الحكومي واستكمال الإصلاحات التي أطلقها منذ تنصيبه دستوريًّا على رأس الحكومة في يناير/كانون الثاني 2012. ويُناظِرُه في هذا المسعى حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أُسِّس سنة 2008، والذي عرفَ صعودًا لافتًا في انتخابات عام 2009، قبل أن يَضطَرَّه حراكُ عام 2011 إلى الانكماش، ليعود ثانيةً إلى الواجهة في الانتخابات البلدية والجهوية في سبتمبر/أيلول الماضي؛ حيث فاز بالمرتبة الأولى من حيث المقاعد، متبوعًا بحزب الاستقلال، يليه في المرتبة الثالثة حزب العدالة والتنمية(4). وهو رغم حداثة تأسيسه، والطابع الهجين لتركيبته التنظيمية، وتوزُّع هُويته الأيديولوجية والفكرية على أكثر من رافد ومرجع، يُقدِّم نفسَه بديلًا عن حزب العدالة والتنمية.

يُعزِّز هذه الصورة حالُ الأحزاب الأخرى وهي كثيرة ومساهِمة في المشهد السياسي المغربي، بل كان عدد منها إلى وقت قريب فاعلًا أساسيًّا، كما هي حال أحزاب: “الاتحاد الاشتراكي”، و”الاستقلال”، وإلى حدٍّ ما “التجمع الوطني للأحرار”، و”الحركة الشعبية”. فإذا اعتبرنا نتائج اقتراع 4 سبتمبر/أيلول 2015 مُحدِّدًا قويًّا لما ستشهده انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، فإن التنافس سيتمحور حول حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وستنحصر بالمقابل أدوار التنظيمات السياسية الأخرى في التحالفات التي سيحتاج إليها الحزب المتصدِّر لنتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب المقبل.

ويبدو راجحًا جدًّا أن يشتدَّ التنافس حول الأشخاص ومواقعهم وخلفياتهم، أكثر من البرامج والأفكار والاستراتيجيات، كما ستعرف الساحة السياسية تجاذبًا حزبيًّا لحظة البحث عن بناء التحالفات لقيادة العمل الحكومي. ونُقدِّر في هذا الصدد أن يعرف المشهد السياسي” تحالفات الضرورة” غير المبنية إلزامًا على تقارب الميول الأيديولوجية والفكرية.

أولًا: خيارات الدولة:

يُفترض أن يكون خيارُ الدولة منسجمًا مع الدستور وأحكامه، وحماية الاختيار الديمقراطي وضمان احترامه من قِبل كل الفاعلين السياسيين. ولأول مرة يقع الإقرار بشكل واضح في الفصل الأول من الدستور الجديد لعام 2011 بأن الاختيار الديمقراطي ثابت من ثوابت الأمة(5)؛ وبذلك تكون الدولة ضامِنة هذا الاختيار، الذي ليست الانتخابات التشريعية النزيهة سوى إحدى تجلياته. وأناط الدستور بالملك بوصفه رئيسًا للبلاد مسؤولية احترام هذا الاختيار وسلامة ممارسته من قِبل المواطنين، سواء كأفراد، أو كجماعات في شكل أحزاب وهيئات وتنظيمات سياسية، وهو ما تمَّ التأكيد عليه في صدر الفقرة الأولى من الفصل الثاني والأربعين من الدستور الجديد 2011(6).

للدولة، علاوة على الواجبات المنوطة بها بمقتضى الدستور، أدوار ورهانات تروم تحقيقها من الانتخابات المقبلة، أبرزها المحافظة على مسار ديمقراطي وإصلاحات منتظِمة بدأت منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي. لذلك، فإن “الإصلاح ضمن الاستمرارية” بُعد أساسي في استراتيجية الدولة في علاقتها بالفاعلين السياسيين. إن الدولة بوصفها شبكة معقدة من الأجهزة والمؤسسات، ومنظومة من السلطات والمسؤوليات، لابد أن تمارس هذا الدور ضمن سياق المعطيات الناظِمة له والمتحكمة في اتجاهاته العامة، فهي ليست مؤسسة محايدة بلا روح، إنها جهاز قادر على التفاعل والتأثير والتأثر، بما يعتمل داخله، وما يحيط به من معطيات ومتغيرات. وتمتلك المؤسسة الملَكية بوصفها عصب الدولة مداخل وإمكانيات بمقتضى الدستور لممارسة السلطة وتدبير علاقاتها بالفاعلين السياسيين.

ثانيًا: خيارات الفاعلين السياسيين:

يُدرك الفاعلون السياسيون أهميةَ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول القادم في رسم صورة المشهد السياسي المغربي للسنوات المقبلة. لذلك تدل المؤشرات العديدة على ارتباك داخل النخبة السياسية، وفي العلاقة في ما بينها. فمن جهة، تغلب على خطاباتها لغة التجاذب غير المبني على الإقناع البرامجي والحوار المؤسَّس على الاعتراف المتبادل، وكثيرًا ما تهيمن نزعة الخطاب الشعبوي والتجريح، وهو ما لا يمكِّن الأحزاب من القيام بأدوارها الدستورية في تأطير المجتمع.

واستنادًا إلى فرضية ارتباط انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بنتائج الانتخابات البلدية والجهوية في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن صورة الخيارات كما تظهر الآن لدى الفاعلين السياسيين، تبدو كالآتي:

1. عَين “العدالة والتنمية” على ولاية ثانية:

يُدافع قادةُ حزب العدالة والتنمية عن أن ظفرهم بولاية ثانية في الانتخابات القادمة، سيُمكِّنهم من استكمال الإصلاحات التي شرعوا فيها منذ فوزهم في انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كما سيمنَح شعارهم المركزي “الإصلاح ضمن الاستقرار” القوةَ والحظوظ لجني الثمار المنتظَرة منه. أمَّا مصدر قوتهم في الدفاع عن هذا الأفق، فيكمن أولًا في تقييمهم الإيجابي لحصيلة أدائهم على رأس الحكومة منذ عام 2012، ودورهم المركزي في تجنيب المغرب موجةَ الاضطراب وعدم الاستقرار، التي أضعفت عددًا من البلاد العربية. ويؤكدون ثانيًا على أن نتائج انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015 أثبتت بوضوح استمرارَ شرعيتهم كحزب يحظى بقبول شرائح واسعة من المجتمع المغربي، بما فيها الطبقة الوسطى وشرائح نشيطة في المجال الاقتصادي.

التصويت خلال الإنتخابات- أرشيف

التصويت خلال الإنتخابات- أرشيف

إن استحضار تصاعد نتائج الحزب في سُلَّم الانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية منذ أول مشاركة للعدالة والتنمية عام 1997، يشير إلى محافظة الإسلاميين على قاعدتهم الانتخابية، وتنميتهم وتطويرهم لها بانتظام؛ فقد أسفرت نتائج انتخابات سبتمبر/أيلول 2015 عن فوز “الحزب بموقع متميز في مراتب تشكيل مجالس الجماعات البلدية والجهات؛ حيث كان نصيبُه من أصوات المقترعين حوالي مليون ونصف المليون، بنسبة 15.94% من مجموع المقترعين، متصدِّرًا من حيث عدد الأصوات، والثالث على مستوى المقاعد، التي وصلت 5021 مقعدًا. وقد شكَّل حظُّه من الجهات المفاجأةَ البارزة، حيث فازَ بأهم المدن الكبرى في المغرب، منتزعًا رئاسةَ خمس جهات من أصل اثنتي عشرة جهة، هي مجموع الجهات الحالية في المغرب(7). إن مقارنة نتائج هذه الانتخابات مع سابقاتها يشير إلى تصاعد في أرصدة قوة هذا الحزب؛ ذلك أن الحزب الذي حصل في أول مشاركة له في الانتخابات التشريعية عام 1997 على تسعة مقاعد، حصل في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب عام 2011 على المرتبة الأولى بـ107 مقاعد، ليترأَّس الحكومة الحالية إلى حين انتهاء الولاية التشريعية التاسعة. والأمر نفسه ينطبق على الانتخابات البلدية، حيث انتقل مقارنة مع انتخابات 12 يونيو/حزيران 2009 من المرتبة السادسة إلى الثالثة في انتخابات 4 سبتمبر 2015.

نُقدِّر أن يُشكِّل هذا الرصيد المتنامي في حصد النتائج والمحافظة عليها وتنميتها، قوةَ دفع حقيقية لرهان حزب العدالة والتنمية من أجل انتزاع ولاية حكومية ثانية في اقتراع 7 أكتوبر 2016؛ حيث إن الإسلاميين واعون لدقة المرحلة الراهنة، وطبيعة التحدي الذي يواجههم لربح الانتخابات المقبلة، وقد تم تأجيل أشغال مؤتمرهم الوطني الثامن إلى ما بعد الانتخابات، علمًا بأنه كان مطلوبًا منهم الفصل في الكثير من القضايا التنظيمية والسياسية، وعلى رأسها إعادة تجديد هياكل الحزب، بما فيها انتخاب أمين عام جديد خلفًا للأمين العام الحالي، عبد الإله بنكيران، الذي لم يعد في إمكانه حسب قوانين الحزب التقدم لولاية ثالثة(8). لذلك، سوف يستثمر حزب العدالة والتنمية خبراته الانتخابية المتراكمة، وتعميقها لرفع كفاءة أدائه في الاقتراع المقبل.

ويمتلك الحزب قياسًا على غيره من الأحزاب، إمكانيات تنظيمية وتواصلية واضحة، وقدرة على التحكم في قواعده ومناصريه، وجعلهم مؤازرين له ومدافعين عن برنامجه وتطلعاته.

 وقد كشفت انتخابات 4 سبتمبر 2015 عن مجمل هذه القُدرات، سواء في حجم انتشاره وتواصله مع جهات المغرب وحواضره ومدنه وقراه، أو من زاوية امتلاكه قدرة إقناع الناخبين بوعوده الانتخابية بلغة بسيطة. وتكمُنُ قوة الحزب أيضًا في أن صورتَه في مرآة إدراك الناس وتصوراتهم ما زالت مقبولةً وغير مشكوك في نزاهتها، مقارنةً مع مجمل الأحزاب المنافسة له. فتجربة قُرابة خمس سنوات على قيادتِه العمل الحكومي لم تنل كثيرًا من سُمعته، بل يمكن الجزم بأنه حافظ على مكانتِه، رغم الهزَّات التي تعرَّض لها أكثر من مرة(9)، والتي راهنت المعارضة السياسية على تأثيرها السلبي على أدائه، وفشله في استمرار قيادة العمل الحكومي. إن خبرة أدائه في الانتخابات البلدية والجهوية الأخيرة أظهرت قدراته وإمكانياته التي أهَّلته لاستثمار وسائل ناجحة في تسويق خطابه، من قبيل اعتماده آليات غير مألوفة في الدعاية الانتخابية، كالواجهات المدنية والخيرية، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي، وخلق حوارات ونقاشات عمومية مفتوحة، وإلزام قيادته وأطره الحزبية بالتواصل مع المواطنين. علاوة على إشراكه بشكل واسع فئات الشباب والمرأة والشخصيات العامة المؤازرة له. ومشاركة أمينه العام الوازنة في دعم قوائم مرشحيه بكل ما يمتلك من جاذبية شعبية والأمر نفسه ينطبق على وزرائه الذين ترشحوا في مجمل مدنهم.

2. رهان” الأصالة والمعاصرة” للتحول إلى بديل:

يُجمع المحللون السياسيون والمتابعون للشأن المغربي على السياق الذي تأسَّس في شروطه وظروفه حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008(10)، وأبرزها قُرب أحد أهم مؤسِّسيه، فؤاد عالي الهمة، من المؤسسة الملَكية؛ حيث يضم الحزب في عضويته خليطًا غير متجانس، يبدأ من بعض بقايا اليسار واليسار غير الشرعي سابقًا، ويمتد إلى رجال الأعمال.

ومما أثبت صحة معطيات هذا السياق النتيجة اللافِتة التي حصدها الحزب في الانتخابات البلدية عام 2009، شهورًا معدودة بعد ولادته؛ حيث تصدر قوائمها مخلِّفًا وراءه أقدم الأحزاب وأكثرها شعبيةً. ومثَّل فوزه وقتئذ المفاجأة، وأثار ردود فعل مُشكِّكة في قدرته على تصدر قائمة النتائج، بل ذهب بعض المتابعين للشأن الانتخابي إلى اعتباره نسخة جديدة من “الأحزاب الإدارية”، التي دأبت السلطة على إنشائها. إن منحنى تصاعده لم يتوقف رغم تعرض كثير من رموزه وقادته إلى موجات من النقد إبَّان انطلاق الحراك المغربي عام 2011. وتمكَّن الحزب من إعادة بناء ذاته وتعزيز وجوده، فدخل غمار الانتخابات المهنية في 7  غشت  2015، ليجد نفسه متصدرًا قائمة الفائزين بـ 18.72%، متبوعًا بحزب الاستقلال 16.11%، وفي مرتبة ثالثة حزب التجمع الوطني للأحرار 14.96%. وهو ما جعل الكثير من المحللين يتوقعون حصوله على مرتبة متقدمة في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015، وقد تحقَّق هذا التوقع فعلًا، حين ظفر بالرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد، متبوعًا بحزب الاستقلال، وفي مرتبة ثالثة حزب العدالة والتنمية، وإن كان نصيبُه من المصوِّتين في البوادي والأرياف أكثر من الحواضر والمدن.

يذهب بعض التحليلات إلى أن مصدر تركُّز أصوات الحزب في البوادي والأرياف، وتراجعه النسبي في الحواضر والمدن، مقارنة مع حزب العدالة والتنمية، يعود إلى التحاق الكثير من الأعيان “رجال الأعمال”، والمتنفِّذين في العالم القروي بصفوفه، إمَّا لتحصين مواقعهم ومكتسباتهم السابقة، أو طمعًا في مكاسب وفرص جديدة.

ولهذا الرأي قدر من الرجاحة إذا قورنت درجة الوعي السائد في المدن بالبوادي والأرياف، ومستوى تواضع الثقافة السياسية السائدة في القرى. وبينما حصل حزب الأصالة والمعاصرة على 6655 مقعدًا في البوادي والمدن الصغيرة، أي ما يعادل 27.12% من إجمالي المقاعد على المستوى الوطني، كان نصيبه من المقاعد في المجالس الجهوية 132 مقعدًا، بنسبة عادلت 19.47% من إجمالي المقاعد المخصصة للجهات، وهي في واقع الأمر أرقام مختلفة عن حزب العدالة والتنمية، وتحديدًا بالنسبة لنتائج الجهات؛ حيث فاز بـ174 مقعدًا، أي ما يساوي 24.66% من إجمالي المقاعد في عموم البلاد.

يُرجِّح المنحنى التصاعدي لحزب الأصالة والمعاصرة إمكانية سيره على نفس الخط في الانتخابات المقبلة، وقد يُشكِّل مفاجأة يوم 7 أكتوبر 2016، كما يطمح إلى ذلك، ويجتهد من أجل التحول إلى بديل عن الإسلاميين.

3. معارضة مُرتبِكة وغير منظمة:

يُقصد بالمعارضة هنا الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تشتغل خارج الأغلبية وتتوق إلى الانتقال إلى السلطة، سواء تعلَّق الأمر بالأحزاب التي كانت جزءًا من الأغلبية الحاكمة سابقًا، كما هي حال حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أو تلك التي ظلت متأرجحة لأسباب مختلفة، بين الانضمام إلى الأغلبية أحيانًا ومغادرتها طورًا آخر، كما حصل للتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. كما تشمل المعارضة بهذا المعنى التنظيمات السياسية التي لم تشارك قط في العمل الحكومي، إمَّا بسبب ضعف نصيبها من المقاعد في البرلمان، أو لترددها وامتناعها عن المشاركة في العملية الانتخابية، كما حصل سابقًا للحزب الاشتراكي الموحَّد قبل أن يشكِّل تحالفًا لأحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي عشية الدخول في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015.

أ. لو مَيَّزنا بين المعارضة التي يجمعها تاريخ مشترك، وتقارب كبير في ما يمكن تسميته “المشروع المجتمعي” ونظرنا إلى موقعها في خارطة توزيع المقاعد في الانتخابات الأخيرة للبلديات والجهات لوجدنا أنها مجتمعة أحزاب: الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، وتحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، وجبهة القوى الديمقراطية (لا تتجاوز 41.32% من إجمالي المقاعد المحصَّلة)، أي ما يقترب من ثلث مجموع المقاعد. وإذا سلمنا بفرضية أن انتخاب مجلس النواب المقبل مرتهن بشكل كبير بنتائج الانتخابات الأخيرة، فقد بات ممكنًا تصور حصول تحالف بين العدالة والتنمية وهذه الكتلة من الأحزاب والتنظيمات، لاسيما إذا تمكنت من تحسين موقعها كميًّا في الانتخابات القادمة، كي تضمن الأغلبية المطلقة في مجلس النواب، بُغية توفير غطاء برلماني لحكومتها. وهو أفق صعب لكنه ممكن، ويحتاج إلى استغلال الوقت المتبقي لإنضاجه.

ب. تُقابِل المعارضة المشار إليها سابقًا أحزابًا متأرجِحة بين الانتساب إلى الأغلبية أحيانًا والبقاء في المعارضة طورًا آخر، ويجمعها خيط استعدادها الطوعي وغير المشروط للقيام بدور ترميم التوازنات وسَدِّ الفجوات أو الثغرات، كما هي حال التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، والأحزاب الصغيرة المنشقة عنها أو القريبة منها، أو حتى التي وُلدت في فورة تناسل الأحزاب وتكاثرها. لذلك لن تشهد التحالفات الحزبية في أعقاب انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول القادم صعوبات تُذكَر في اللجوء إلى هذه المصفوفة من الأحزاب، كما أنها هي نفسها ليس لها تحفظات أو اشتراطات في الالتحاق بصف الأغلبية إذا طُلب منها ذلك، طالما دأبت على هذه الممارسة سابقًا.

ثالثًا: السيناريوهات المحتملة:

تأسيسًا على ما سبق وأخذًا بفرضية أن نتائج انتخابات 4 سبتمبر  2015 ستؤثِّر جوهريًّا في انتخابات 7 أكتوبر  2016، وأن المشهد السياسي والحزبي المغربي قد لا يعرف تغييرات ومفاجآت عميقة، فمن المتوقع أن تسير التوازنات السياسية التي أسفرت عنها انتخابات البلديات والجهات الأخيرة على خط المماثلة، فتتحكم بقدر كبير في جوهر نتائج انتخاب مجلس النواب المقبل، أي استمرار تصدُّر أربعة أو خمسة أحزاب المشهد الانتخابي والسياسي، وهي تحديدًا أحزاب: الأصالة والمعاصرة، والعدالة والتنمية، والاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، وإلى حدٍّ ما الحركة الشعبية. كما يُتوقع صعوبة حصول تغير جوهري في موقع المعارضة بيسارها ويمينها؛ والدليل على ذلك قِصر المدة المتبقية لانتخاب مجلس النواب المقبل. يُضاف إلى ذلك صعوبة ترتيب المعارضة لبيتها الداخلي، بالنظر لطبيعة الاختلالات التي طالت البنية الداخلية لهذه الأحزاب.

وسوف يسعى كل حزب من الأحزاب الأربعة أو الخمسة المشار إليها في السابق إلى تقوية موقعه خلال الشهور المتبقية للانتخابات، أو في حدٍّ أدنى المحافظة على كتلته الناخبة. ومن المتوقع أن يكون التنافس حادًّا وعاليًا بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بوصفهما حزبين متصدريْن لنتائج الانتخابات الأخيرة، ويرجَّح إمكانية حصول تغييرات إيجابية مفاجئة، لاسيما من جانب العدالة والتنمية في تنافسه مع الأصالة والمعاصرة. والدليل على ذلك أن بنية الكتلة الناخِبة للعدالة والتنمية موسومة بالثبات، كما أنها متراصَّة ومنضبطة، في حين لا تحظى نظيرتها لدى الأصالة والمعاصرة بذات المواصفات. غير أن التغيرات المتوقعة تبقى رهينة مجموعة من الشروط، أهمها: نزاهة العملية الانتخابية، وقيام القضاء بوظائفه كاملة في صيانة الشرعية الانتخابية، واستمرار دور المجتمع المدني في متابعة الشأن الانتخابي.

إذا تحققت فرضية تصدُّر حزب العدالة والتنمية نتائج انتخاب مجلس النواب المقبل، سيكون أمام خيارين: إما الاستمرار في تحالفه الحكومي الحالي، وربما قد يحصل بصعوبة على الأغلبية الدستورية المطلوبة للتنصيب، أو قد يدخل في تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، وإن كان هذا الأخير قد تأسَّس أصلًا لمنافسة “الإسلاميين”. كل شيء ممكن في السياسة. ذلك أن الحزبين تحالفا في تكوين المجالس البلدية والجهوية الأخيرة، ولم يتردد كل منهما، في الجهر بنبذ الآخر، والسعي إلى إضعافه.

__________________________________________

امحمد مالكي – أستاذ مغربي للقانون العام وعميد كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7670

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى