كتاب النسمات في تراجم علماء وصلحاء إقليم تاونات لمؤلفه إبن إقليم تاونات ذ. عبد الكريم احميدوش
عبد الكريم احميدوش°:”تاونات نت”/
نسبه وولادته :
هو ابو عبد الله محمد بن محمد بن العربي التاودي ، الورياكلي، الدرداري ، اصلا ، الفاسي منشأ ودارا، وهذا ما يوحي ان اباه هو الذي دخل مدينة فاس.
اما ولادته ، فلم يذكرها احد ممن ترجم له، ولا مكان ولادته، لان النشأة لا تدل على الولادة ،حيث يمكن ان يكون ولد في بني ورياكل ، ودخل به ابوه صبيا صغيرا ثم نشا وتربى في فاس.
نشأته وتعليمه :
نشا الشيخ ابو عبد الله محمد بن محمد بن العربي التاودي في مدينة فاس، التي كانت تزخر احياؤها بالكتاتيب القرآنية ، كمدارس اولية للأطفال الذين بلغوا سن التمدرس لتعليمهم الكتابة والقراءة وحفظ القران الكريم ، يقول المؤرخ الحسن بن محمد الوزان الفاسي، الشهير بليون الافريقي : ( توجد قرابة مائتي مدرسة- كتاب- للأطفال الراغبين في تعلم القراءة..) هذا في عهده في القرن العاشر وكانت بهذا العهد ممتلئة بالمحاضرة والتلاميذ ، فما بالك في عصر المترجم له وزمانه فيكون العدد قد زاد على هذا بكثير ، وخصوصا ان مدينة فاس يتزايد سكانها بشكل ولا ينقطع.
في بعض هذه الكتاتيب الموجودة في حي سكناه ، نشأ يتعلم ويتربي على يد مدرري هذه الكتاتيب القرآنية حتى حذق القران، وقواعد رسمه، وشكله، وضبطه، وقراءته.
يقول ليون الفاسي في طريقة التعليم والكتاتيب القرآنية :(في كل مدرسة قاعة كبيرة بمدرجات، تستعمل كمقاعد للأطفال ، ولا يعلمهم المعلم الفراءة والكتابة في الكتاب ، بل في الواح كبيرة، يكتب عليها التلاميذ ودرس كل يوم عبارة عن اية من الفران فيختمون عن ظهر قلب ، يحصل على ذلك بعد سبع سنوات على ابعد تقدير، وبعد ذلك يقوم المعلم بتعليم الاطفال شيئا من القواعد الكتابية ، ولو ان هذه المادة مثل النحو وسائر العلوم تدرس مدارس كبرى)ثم انتقل الى مجالس العلم التي كان العلماء والفقهاء يعقدونها في مساجد هذه الاحياء، ينهل الطالب العلم بجد واجتهاد في تحصيل فنونه من غير كلل او ملل قال العلامة حماد شيخ ابي حنيفة.
اخدم العلم خدمة المستفيـــد وادم درسه بفعل حميـــــــــــــد
فاذا ما حفظت شيئا اعــــده ثم اكده غاية التاكيـــــــــــــــد
وقال غيره :
بقدر الكد تكتسب المعالــي ومن طلب العلا سهر الليالـــي
تروم العز ثم تنام ليـــــــلا يغوص البحر من طلب اللالـي
علو القدر بالهمم العوالـــي وعز المرء في سهر الليالـــــي
تركت النوم رب في الليالي لأجل رضاك يا مولى الموالـي
ومن رام العلا من غير كد اضاع يا مولى الموالـــــــي
فوفقني الى تحصيل علـــم وياغي الى اقصى المعالــي
فوفقه الله في تحصيله النافع، حتى اصبح عالما يضاهي اقرانه وشيوخه الذين درس عليهم واخذ عنهم.
شيوخه :
لم يتطرق احد ممن ارخوا لابي عبد الله محمد بن محمد بن العربي التاودي، وكتبوا عن حياته الى ذكر شيوخه ممن اخذ عنهم ، الا ما عرف بالإشارة من التعريف بنسبه في كلام صاحب سلوة الانفاس، جاء فيه : ( ابو عبد الله سيدي محمد التاودي ابن الفقيه سيدي محمد بن العربي الورياكلي).
فالشيخ الاول – بالإضافة الى الفقهاء المدررين الذين اخذ عنهم تعليمه الاول في الكتاتيب القرآنية– ابوه الفقيه سيدي محمد بن العربي الورياكلي، الملازم له في البيت وخارجه.
ولا يمكن ان يكون للعالم الذي وصل الى ما وصل اليه الشيخ ابو عبد الله محمد بن محمد بن العربي الورياكلي من كونه مدرسا مشاركا يمارس خطة العدالة، وينوب عنه القاضي في الاحكام ان يكون قد اخذ عن واحد او اثنين او ثلاثة ، بل لا بد من ان يكون الشيوخ كثيرين، لان العلماء اعلم الناس بمصالح الامة ، واحرصهم على سيادة العلم واصلاح المجتمع فكان دورهم مهما جدا وعظيما في اخراج العلماء في تربية الطلبة على اخراج وتنشئة هؤلاء العلماء.
ولا ادري كيف نسي الدكتور عبد الهادي التازي ذكر هذا العالم ابي عبد الله محمد التاودي الورياكلي الذي كان له كرسي في جامع القرويين في كتابه القيم : جامع القرويين .
اقوال العلماء فيه :
ومن بين هذه الاقوال :
قول شيخ الاسلام الشريف ابي عبد الله محمد بن جعفر بن ادريس الكتاني في سلوة الانفاس : ( الفقيه العالم الامثل ، المدرس الاحفل، النوازلي ، ابو عبد الله سيدي محمد التاودي ابن الفقيه سيدي محمد بن العربي الورياكلي).
وقول العالم المؤرخ عبد السلام بن عبد القادر بن سودة في اتحاف المطالع (كان مدرسا مشاركا فقيها ينوب القاضي بمقصورة السماط مدة).
المهام التي زاولها :
ان الشيخ الذي تضلع فيه الفقه والنوازل، غالبا ما يشغل مهاما تتعلق بهذا التخصص ومن هذه المهام :
-
التدريس ، (فكان رحمه الله يدرس في جامع القرويين مختصر الشيخ خليل ، وتحفة ابن عاصم وغيرها).
-
خطة العدالة – قال صاحب السلوة- رحمه الله : ( كان رحمه الله احد عدول هذه الحضرة ومدرسيها).
-
القضاء : قال الشريف ابو عبد الله محمد جعفر الكتاني : ( وانابه القاضي مولاي محمد العلوي المدغري في الاحكام عنه مدة) وقال صاحب اتحاف المطالع (ينوب عن القاضي بمقصورة السماط مدة).
وفاته :
لقد توفي الشيخ ابو عبد الله محمد بن محمد بن العربي التاودي الورياكلي، زوال يوم الجمعة 17 ذي الحجة ، متم عام 1307هـ/1889م، ودفن خارج باب الفتوح بالقباب ، قرب قبة سيدي دراس بن اسماعيل ، قبلة منها ، بينه وبينها نحو من 18 خطوة ـ والموت قضاء الله نافذ في مخلوقاته ، قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ).وقال الامام علي بن ابي طالب ، كرم الله وجهه ورضي الله عنه :
الموت ى والدا يبقى ولا ولد هذا السبيل الى ان لا ترى احدا
كان النبي ولم يخلد لامتــــــــــــه لو خلد الله خلقا قبله خلـــــــدا
للموت فينا سهام غير خاطئـــــــةمن فاته اليوم سهم لم يفته غـذا
وقال رضي الله عنه ايضا :
لا تأمن الموت في طرق ولا نفس ولو تمنعت بالحجاب والحرس
واعلم بان سهام الموت نــــــــافذة في كل مدرع منا ومتـــــرس
ان العلماء دائما يتذكرون الموت ، وما الخشية من الله الا لاستحضارهم الموت يقول تعالى : (انما يخشى الله من عباده العلمآؤا) فعلموا بما علموه من العلم والمعرفة يقول النبي (ص) ( العالم والعلم والعمل في الجنة فاذا لم يعمل العالم بما يعمل كان العلم والعمل في الجنة وكان العالم في النار).
وعن عيسى عليه السلام : ( من علم عمل ذكر في الملكوت الاعظم عظيما) ، والشيخ ابو عبد الله محمد التاودي الورياكلي درس العلم النافع ، والعلم النافع كما يقول بعض العارفين : ( ما زهدك في دنياك ورغبك في اخرتك ، وزاداك في خوفك ، وهداك وبعثك على طاعة مولاك ، وصفك من كدر هواك).
قال بعض الشعراء :
ان لله عبادا فطنــــــــا طلقوا الدنيـــــــا وخافوا الفتنـا
نظروا فيها فلما عملوا انهـــــــــا ليس لحــي وطنــــــا
جعلوها لجة واتخــذواصالــح الاعمال فيها سفنـــــــا
وقال غيره :
تفقه فان الفقه زين لأهله وفخر وعنوان لكل المحامـــــد
وان فقيها واحدا متورعا اشد على الشيطان من الف عابد
ولتفقهه ونفع الناس به كان موته مصيبة، اصابت الامة وثلمة من الاسلام ، قال بعض الحكماء : ( العجائب عامة، واخر الزمان اعم ، وان النوائب طامة، وفي امر الدين الذين اطم ، والمصائب عظيمة، وموت العلماء اعظم). وقال بعض الشعراء :
اذا ما مات ذو علم حكيــــــــم لقد ثلمت مــــــن الاسلام ثلمة
وموت العابد المرضي نقـــص تفوت به من الاسرار حكمـــة
وموت الحاكم العدل المولـــــى بحكم الحق ناقصة ووصمـــة
وموت فتى كثير الجود محـــقلان بقاءه خصب ونعمـــــــة
وموت الفارس الضرغام هزم لقد شهدت له في الحرب امـة
فدونـــــــك خمـــس يبكــــــى ومـوت الغير تخفيف ورحمـة
فرحم الله الشيخ ابا عبد الله محمد التاودي الورياكلي ، رحمة واسعة ، واسكنه فسيح جناته امين، والحمد لله رب العالمين.
°من كتاب “النسمات في تراجم علماء وصلحاء إقليم تاونات“
لمؤلفه ذ. عبد الكريم احميدوش عضو المجلس العلمي لتاونات