المحلل المغربي (إبن تاونات)ع.المجيد الحمداوي لــ«القدس العربي»:المغرب في حاجة إلى ميثاق جديد يُحترم فيه مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

عبد العزيز بنعبوالرباط ـ عن«القدس العربي»:”تاونات نت”/- يقطع المغرب حالياً المسافات الأخيرة التي تفصله عن موعد هام جداً، يتمثل في الانتخابات البرلمانية والبلدية والمهنية التي أصبحت موضوع الساعة في المشهد السياسي الحزبي. وقبل الاستحقاقات المقبلة، كان الجميع على موعد مع قوانين تنظيمية جديدة منظمة للعملية الانتخابية في المغرب، وحملت العديد من التغييرات، أبرزها ترسيخ ودعم حضور المرأة في المشهد السياسي من خلال توسيع مجال المناصفة، في المقابل، فقد الشباب “اللائحة الوطنية” التي كانت مثار جدل واسع. إضافة إلى ذلك، عرفت القوانين الجديدة مستجداً هاماً جداً وهو منع الجمع بين المناصب الانتدابية مثل رئاسة مجالس المدن الكبرى وعضوية البرلمان. كل هذه المتغيرات جاءت بهبات خاصة على صعيد النقاش، الذي توزع بين مؤيد للملامح الجديدة التي ستكون عليها الاستحقاقات المقبلة، لا سيما في ما يخص دعمها للتنافس بين الأحزاب، ونشير هنا إلى القاسم الانتخابي الذي نال نصيباً وافراً من النقاش المحتد بين معارض ومؤيد، وخاصة لدى حزب “العدالة والتنمية”. في خضم ذلك، دخلت الأحزاب السياسية في معركة من نوع آخر، تتضح ملامحها كلما اقترب موعد الانتخابات، وتهم مسألة الترحال السياسي والاستقالات، ناهيك عن أن كل حزب يبحث عن عثرات الأحزاب الأخرى ويعمل على كشفها. في الجانب الآخر، نجد أن المواطن على موعد مع محطة يدعوه الجميع إلى المشاركة فيها بكثافة، وخاصة الشباب، لكن يبقى الفيصل في ذلك هو يوم الاقتراع.
“القدس العربي” التقت المحلل السياسي عبد المجيد الحمداوي(إبن إقليم تاونات)، وكان هذا الحوار حول مسارات الانتخابات المقبلة ومستجداتها وكيف ستكون ملامح المستقبل ما بعد الاقتراع والإعلان عن النتائج.
على بعد مسافة زمنية قريبة من الانتخابات في المغرب، كيف يبدو لك المشهد في مجمله؟
فعلاً، المغرب مقبل على إجراء انتخابات استثنائية وغير مسبوقة ليس بمعنى إجراء انتخابات سابقة لأوانها لأسباب أزمة سياسية، بل استثنائية، لكونها من جهة لأول مرة ستجرى انتخابات في ظل تداعيات كوفيد 19 الذي أصيبت به كل الأمم بصفة فجائية، وكان له أثر عميق ليس فقط على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بل أيضاً الجانب السياسي، حيث الجميع يتساءل اليوم كيف ستتم عملية الحملات الانتخابية في الوقت الذي كان الناخب يعتمد على التجمعات الخطابية ولقاءات مصغرة للتواصل مع الناخبين مع إقناعهم بأهمية البرنامج الانتخابي، إذا كان هناك فعلاً برنامج سياسي واضح المعالم. ومن جهة أخرى، تعديل القوانين الانتخابية التي انقسمت حولها الأحزاب السياسية الوطنية بين مؤيد ومعارض، والسبب الثالث، هو لأول مرة ستجرى جل الاستحقاقات الديمقراطية في يوم واحد، وهو الأمر الذي جعل الأحزاب السياسية التي تخوض غمار المنافسة تعيد قراءة حساباتها حول عدد المقاعد المرتقب الحصول عليها. وكل هذه العملية المعقدة للأسباب سالفة الذكر، لا يمكن التناغم والتكيف مع طبيعتها دون ضمان إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية تفتح المنافسة للجميع على قدم المساواة في التمويل والاستفادة من الإعلام العمومي. كان من البديهي إجراء بعض الإصلاحات المؤسساتية الجوهرية التي اعتبرتها جل الأحزاب الوطنية مدخلاً رئيسياً لأي نقاش حول طبيعة الحكامة الوطنية والأدوات السياسية على مستوى النصوص والقوانين والبناء المؤسساتي الدستوري مع العلم أن كل هذه المبادرات الإصلاحية ليست وحدها مصدر نجاح الانتقال الديمقراطي، بل راهنية الوضع الاستثنائي تحتاج إلى استقرار ممارسات سياسية فضلى وإلى إعلان صريح عن الانخراط في القيم الكونية.
يغلب على المسافات الأخيرة من الانتخابات طابع المنافسة المحتدة بين الأحزاب وتبادل الاتهامات واللوم والنقد اللاذع في كثير من الأحيان، في رأيك هل هي ظاهرة صحية أم العكس؟
في اعتقادي الخاص، جرت العادة أنه كلما اقترب موعد الانتخابات تصاعدت الأصوات السياسية والحزبية وزادت نبرتها لإثارة انتباه الرأي العام، لكن ما يتضح بشكل جلي أن الظروف الوبائية التي مر منها المغرب على غرار دول العالم، بينت أن معظم الأحزاب الوطنية ليست لها ما يكفي من الخبرة والكفاءة لتقديم بديل اقتصادي للبلاد، وبالتالي ليس لها ما تقدمه للمواطنين في حملاتها الانتخابية. ولن أخفي سراً أن غالبية ممثلي الأحزاب، سواء في الأغلبية الحكومية أو المعارضة، تعيش اليوم تحت ضغوط صحافة التشهير، التي وصفت قياداتها السياسية الصامتة، وغير آبهة بالنقاش العمومي الجاد وبعيدة في جميع الأحوال عن طرح بدائل لمجتمع عاش مشاكل اجتماعية عميقة، ويكتفي القادة السياسيون في كل مناسبة بتعليق فشلهم على الدولة، ومن هنا ينطلق السجال السياسي الفاقد إلى الجدوى وتبادل الاتهامات. وبدل الوقوف على أسباب الأزمة ومناقشة حلولها من طرف النخب السياسية، تعمل على درء الشمس بالغربال بخلق نقاشات ثنائية تافهة، ويتبادل فيها السياسيون اللوم والسب وعبارات الإهانة وتهم الفساد والاختبارات وغيرها وهذا السلوك اللاسياسي واللاأخلاقي واحد من أهم عوامل عزوف المواطنين عن صناديق الاقتراع.
جرى اعتماد قوانين جديدة تؤطر العملية الانتخابية منها مستجدات تهم لائحة الشباب وعدم الجمع بين المناصب كالعمودية وعضوية البرلمان، إلى أي مدى ستعمل هذه القوانين على إعطاء نفس جديد للاستحقاقات الانتخابية؟
في الحقيقة، ما صادق عليه البرلمان من قوانين انتخابية لا يغير من المشهد السياسي من حيث القيم والمبادئ الانتخابية، كل الإصلاحات مثل اعتماد القاسم المشترك على أساس عدد المسجلين بدل عدد المصوتين تفسح المجال لكل الأحزاب الفوز بمقاعد وتعطي للأحزاب الصغيرة فرصة التمثيلية في المجالس المنتخبة، وهذا من طبيعة الحال سيعقّد عملية التحالفات بين الأحزاب خلال المشاورات الحكومية أيضاً سيصعب الوصول إلى رئاسة المجالس المنتخبة… أما بالنسبة للائحة الشباب الملغاة من السباق الانتخابي وبقاء لائحة النساء، فهذا أمر من إيجابياته وضع حد للبيع السياسي والانتخابي، وتشجيع الشباب على خوض معارك الانتخابات من خلال النزول إلى الدوائر الانتخابية، أما سلبيات الإلغاء فتتجلى في تدمير معنوية الشباب السياسية، حيث اعتبر الشباب اللائحة بوابة الدخول إلى عالم السياسة وتشجيعاً للآخرين بالانخراط في الأحزاب السياسية. وأعتقد أن إلغاء لائحة الشباب وعدم الاهتمام بهذه الشريحة الاجتماعية المهمة في برامج الأحزاب السياسية سيسهم بشكل كبير في عزوف الشباب عن ممارسة السياسية وبالتالي عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع.


بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، كيف تبدو حظوظ تصدره للانتخابات أمام حصيلته التي يؤكد خصومه أنها غير جيدة وسلبية للغاية؟
من الطبيعي جداً أن الحزب الذي يترأس الحكومة تكون له وسائل وإمكانيات مهمة للتقرب إلى المواطن من خلال المشاريع التي تنجز على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. إلا أن واقع المغرب يختلف عن رئاسة الحكومات في الأنظمة السياسية الأوروبية على سبيل المثال. فالحزب المتصدر للانتخابات في المغرب لا يمكن له أن يشكل حكومة وحده، لأن عدد مقاعده البرلمانية لا تتجاوز نصف العدد الإجمالي، لذا فإنه يكون مضطراً للتحالف مع أحزاب أخرى ولو اختلفت معه أيديولوجياً، الشيء الذي يفرض صياغة برنامج حكومي مشترك. هذا ما يجعل المواطن في موقع صعب لتقييم حصيلة حكومية لحزب معين.
وخلاصة القول، المغرب في حاجة إلى ميثاق اجتماعي وسياسي جديد يحترم فيه مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويحد من الريع الاقتصادي والسياسي، ويحمي الانتخابات من ناهبي المال، حتى لا يظل الهدف من المشاركة في الانتخابات هو البحث عن المقاعد على حساب ثقة المواطن وسمعة الوطن وعلى حساب الممارسة الديمقراطية.
في نظرك ما هو الحزب الأكثر حضوراً حالياً الذي بإمكانه أن ينتزع صدارة الانتخابات؟
من الصعب جداً تكهن الحزب الذي سيتصدر الانتخابات المقبلة، الشيء الوحيد الذي له قدرة تغيير السيناريو القائم حالياً على منح حزب المصباح المرتبة الأولى للمرة الثالثة على التوالي هو الرفع من عدد المصوتين في الانتخابات، أما إذا بقيت نسبة المشاركة مثل سابقتها فلا شيء قد يغير من تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات لكن بفارق ضعيف مع الحزب الذي يليه.
ختاماً، هل ستساهم القوانين المنظمة للانتخابات في تشجيع المواطن على المشاركة المكثفة؟
أظن أن القوانين الانتخابية وحدها غير كافية لتشجيع المواطنين، وعلى الخصوص الشباب، على الإقدام على صناديق الاقتراع بشكل مكثف، بل الأمر يتعلق بطبيعة الأحزاب التي تخوض الانتخابات وبرامجها وخطابها السياسي الانتخابي. هناك نوع من التفاؤل في مستقبل الانتخابات المقبلة، حيث اعتبر أن النقاش حول الانتخابات المقبلة سيكون مناسبة لتجديد وإنتاج النخب التي ستقود الإصلاحات المؤسساتية.
وما لا أستسيغه إلى حد الآن هو لماذا ومنذ الاستقلال، كلما اقترب موعد الانتخابات إلا ويعاد النقاش من جديد حول النظام الانتخابي؟ وحتى إذا افترضنا أن هذا النقاش ضروري وطبيعي، لا بد أن نسائل الضمير السياسي حول التناقضات العامة للدولة وتداعياتها على الأحزاب الوطنية. اليوم، على الدولة أن تلعب دورها في الانتقال الديمقراطي انطلاقاً من أن الأحزاب التي هي جزء من الدولة عليها تقديم مرشحين نزهاء وأكفاء من شباب ونساء وليس الاعتماد على من يلج السياسة لكي يخرج منها غنياً، لأن كل إثراء مجهول يعتبر سرقة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى