قبيلة الحياينة بإقليم تاونات:دراسة اثنوغرافية لفلكلورها الشعبي- الهيتي-
ذ.عبد المنعم عفيف°:”تاونات نت”/- كثيرة هي الدراسات الإثنوغرافية والمنوغرافية التي تناولت قضايا تهم الإنسان في علاقته بالإنسان أو بمحيطه، سواء عن طريق دراسة ماضيه أو حاضره.
وقد شكل موضوع دراسة الثقافة الإنسانية مجالا خصبا لأغلب الأبحاث في العلوم الاجتماعية، حيث استهدفت سوسيولوجيا الثقافة الشعبية مسألة المفهوم كأول خطوة لدراسة الثقافة الشعبية، لأنه لا يمكن الحديث دون تحديد المفاهيم.
وهنا نحدد مفهوم الثقافة على أنها كل ما من شأنه اختزال الإنتاجات البشرية سواء تعلق الأمر بالمادية منها أو اللامادية، لكونها إحالة على ” الأثر” المعبر عن الثقافة البشرية وتبين شبكة التفاعلات بين المجموعات البشرية كوحدات منتجة وكذلك علاقتها بمحيطها الطبيعي.
إن للتراث بوصفه مرجعية جذرية – كما يعلم الجميع – قيمة اعتبارية لا ينكرها حتى خصومه، فرغم اهتمامه بالماضي تتدفق فاعليته منفتحة على الحاضر، شرط أن يحسن استعماله والتصرف فيه.
وفي الدائرة الجيدة للتراث، تقف المأثورات الشعبية المتواترة وبعوالمها الرحيبة العميقة الزاخرة بالخبرات الحياتية، وبطبائع العلائق الإنسانية المتقاطعة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وبالجماليات الرائعة التي كانت دوما رافدا ملهما للأدباء والفنانين في الكثير من روائع مبدعاتهم المتوهجة المثيرة.
ولعل الفلكلور الشعبي الغنائي يحوز من ذلك الثراء رصيدا قياسيا يؤهله مع ما يتمتع به من إمكانات لأن يكون مملوءًا بالإفادة والإمتاع، فهو على مستوى الخبرة يمتاز بالكثير والكثير من الحكمة الشعبية تسمى نحو سلامة المجتمع ورخائه، أما على مستوى التخيل فهو واسع الخيال غني بالضوابط المدحية والتشبيهات الأسطوية، وعميق بالمواصفات الرمزية الدالة المضاعفة لدرجات عمقه وروعته.
فالثقافة الشعبية تعد بمثابة معبر هوياتي يمكن رصده انطلاقا من حركات الإنسان وتفاعلاته، بالإضافة إلى أن الثقافة هي جزء مشكل للبنية المجتمعية ومدخل أساسي لفهمها ،وغالبا ما نجد أنفسنا أمام نموذجين من الثقافة الشعبية.
الاول : يدخل فيه كل ما هو مادي،ويسمى الثقافة الشعبية المادية، كالآثار العمرانية والمدن القديمة والحلي…
الثاني : والمتمثل في الثقافة الشعبية اللامادية أو ما يعرف التراث المادي الشفهي،التي تلعب دور المعبر الحقيقي عن تقاليد وعادات وسلوكات وقيم الإنسان داخل محيطه السوسيولوجي.
وكإشارة في نفس السياق أن أغلب الدراسات في هذا المجال اعتمدت على المنهج الاتنوميثودولوجي أو ما يعرف بالمنهجية الشعبية وعلى التجربة المعيشة والمشاركة للظاهرة الملموسة، وقد اعتمد هذا المنهج من طرف مجموعة من السوسيولوجيين والانثروبولوجيين في أبحاثهم ودراستهم المتعلقة بالثقافة الشعبية
من هنا يمكن طرح الإشكال التالي :
ماهي الإمكانات والوسائل الكفيلة للوقوف على وضعية وخصائص ومميزات التراث الثقافي اللامادي؟
المفاهيم الأساسية:
مفهوم الثقافة: هي سلوك اجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية، تعد الثقافة مفهوما في الأنتربولوجيا، يشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي في المجتمعات البشرية.
بعض جوانب السلوك الإنساني، والممارسة الاجتماعية مثل الثقافة والأشكال التعبيرية مثل الفن، الموسيقى، الرقص، الطقوس، والتقنيات وكذلك مثل استخدام الأدوات، الطبخ، المأوى والملابس هي بمثابة كليات ثقافية، توجد في جميع المجتمعات البشرية.
فمفهوم الثقافة المادي يغطي التعبيرات المادية للثقافة، مثل التكنولوجيا، والهندسة المعمارية والفن، في حين أن الجوانب غير المادية للثقافة مثل مبادئ التنظيم الاجتماعي (بما في ذلك ممارسات منظمة سياسية واجتماعية المؤسسات) الأساطير، الفلسفة والآداب (على حد سواء المكتوب والشفوي)، والعلم يتكون من التراث الثقافي غير المادي للمجتمع ( ) وقد عرّفها إدوارد تايلور(1832-1971) على أنها الكل المركب الذي يشمل علم المعرفة والمعتقدات والأخلاق والفنون والقوانين والتقاليد والإمكانيات والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع ( )
تعريف الثقافة الشعبية: هي التي تميز الشعب والمجتمع الشعبي، وتتصف بامتثالها للتراث والأشكال التنظيمية الأساسية، ويذهب الإثنولوجيويون الأوربيون إلى أن الثقافة ذات طابع قديم، والثقافة الشعبية ليست هي الثقافة التي خلقها الشعب وإنما هي تلك التي قبلها وتبناها وحملها ( )
تعريف الفلكلور: يتكون لفظ الفلكلور من لفظتين اثنتين: “فولك” “FOLK” أي عامة الناس أو الشعب، و “لور” “LORE” أي المعرفة أو الحكمة لتصبح الترجمة: حكمة الشعب أو معرفة الشعب.
استعمل هذا المصطلح لأول مرة من قبل الباحث الإنجليزي وليام جون تومز في مقال نشره في جريدة ” ذي أثنيوم ” في شهر غشت سنة 1846. ولم يكشف وقتئذ هذا الباحث عن اسمه، وقع البحث باسم مستعار وهو “امبروزميروتون”، ومصطلح الفلكلور يعبر عن الحقل المعرفي والاجتماعي والثقافي والذي شمل: الأساطير والخرافات والقصص الشعبية والنكات والأمثال والحزازير والألغاز، والترانيم والتعاويد والتبريكات واللعنات، والشتائم والمسبات، والإيمان والإجابات التقليدية المقننة، والمقامرة، والمعايرة، وعبارات التحية، والوداع، والمجاملات، والملابس الشعبية، والرقص الشعبي والمسرح الشعبي، والفن الشعبي… والاحتفالات الشعبية في المواسم والأعياد والمناسبات المختلفة ( ) .
الفلكلور وأهمية توظيفه واستلهامه:
في البدء تستدعي المسألة الإشارة إلى أن الفلكلور أو الثقافة الشعبية بصفة عامة هي مجموع الآثار الفكرية والمادية التي تتضمن كل ما خلفه الآباء والأجداد من موروثات متعلقة بالمنتوج الفكري والثقافي والعلمي والفني.
ويشمل كذلك جميع المعارف والمأثورات، والطقوس، والمعتقدات الشعبية والعادات والفنون ومن ضمنها: الحرف، والفنون الشعبية وأنواع الرقص، واللعب وغيرها.
ووفقا لهذه الرؤية فإن الفلكلور يستوعب كل جوانب الإبداع الشعبي المتمثلة في الأدب، بمختلف فنونه، وفي المعتقدات والممارسات والحرف، ويقول محمد أراكون في هذا السياق “التراث هو انعكاس للعمل البشري، وصورة للنشاط الإنساني، في ميدان الفكر والعلم والآداب والفنون، وللحياة في تعدد مرافقها، وتنوع مجالاتها”( )كما أنه يمكن التمييز بين شكلين للتعبير الفلكلوري وهما:
الشكل المادي: كالآلات الموسيقية، الأزياء الشعبية، ورسوم الأقمشة، والسجاد، والتماثيل…إلخ، والشكل غير المادي: كالحكايات والقصص الخرافية والروايات الخارقة، والأساطير، والفلكلور الشعبي عموما يعد بمثابة كائن حي يدل على مراقبة الشعوب، ويعبر عن حصيلة نتائج مبدعيها، أو جهود أفرادها عبر امتداد التاريخ الإنساني، إنه يمثل وسيلة سفر من الماضي الممتد نحو الحاضر المعاش ويغوص فيه من خلال الموروث النفسي والمادي والثقافي الذي تركه الأسلاف.
وفي نفس السياق يقسم الدكتور “محمد الجوهري” التراث الشعبي (الفلكلور) إلى أربعة أقسام وهي:
الأدب الشعبي.
العادات والتقاليد.
الثقافة المادية.
الفنون الشعبية.( )
الثقافة الشعبية ومستودع الهوية
إن الثقافة الشعبية أو الفلكلور أو الموروث الثقافي… كلها مترادفات لمقصد واحد، وهو ثقافة الشعوب المتداولة بينهم والمنقولة من جيل لآخر لاحق له.
فكل قيم وأخلاق وتقاليد أي شعب أو أمة يتمظهر من خلال ثقافتها الشعبية، لأن أي نشاط يماروه هو معبر عن حركتهم اليومية، في أدبهم الشعبي وعاداتهم وحرفهم التقليدية وفنون أدائهم من الموسيقى والرقص والغناء، فكل عذا يعد بمثابة مستودعات للذاكرة الجمعية إذا استنطقت نطقت بهوية أهلها، والثقافة الشعبية عامل مساعد على فهم جزء من ثقافة وعادات وقيم شعب بأكمله، وهي طقس ضروري لفهم الآخر.
رغم أن الاهتمام بالتراث الشعبي ضعيفاً، لأن أغلب الدراسات في عصر الحداثة والرأسمالية تهتم بما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، رغم ما يعبر عنه هذا المجال من شفرات لفهم تاريخ كل حضارة إنسانية انطلاقا من الماضي وصولا إلى الحاضر، لأن فهم ثقافتنا الشعبية هو بالأساس فهم وتصالح مع أنواتنا في زمن العولمة وسيطرة التكنولوجيا، وكذلك توصيد العلاقة مع ثقافتنا باعتبارها بطاقة الذاكرة لهويتنا الضائعة، وهو ما دفع بي للنبش في تراث شعبي لمنطقة ذات عادات وتقاليد تميزها عن باقي مناطق المغرب وهي قبيلة حياينةوكنبدة عنها: فهي قبيلة مغربية من أصل عربي استقرت في الشمال الشرقي من مدينة فاس، وتسكن بين وادي ورغة ونهر سبو، تمثل واحدة من أكبر القبائل المغربية، وتتألف من ثلاث فخدات كبرى، أولاد عمران، أولاد عليان، أولاد ارياب.( ) .
المصدر : موقع قبائل المغرب،نشر في 15- نونبر- 2008،تاريخ الزيازة 5 يناير 2019
إذن ماهو فلكلور قبيلة الحياينة ؟ وبماذا يتميز؟ وما هي فنون وتقاليد أداء العروض الموسيقية والغنائية لدى قبائل حياينة؟.
الموروث الشفوي لقبيلة حياينة بإقليم تاونات “الهيتي نمودجا”
مما لا شك فيه أن المغرب وكغيره من بلدان العالم العربي بلد يزخر بأشكال تراثية بمختلف أنواعه، وحضي باهتمام العديد من المفكرين العرب من قبيل محمد عابد الجابري باعتباره مرجعا مهما فيما يتعلق بالتراث العربي، حيث يقول: “أن التراث العربي كغيره من التراث أثر وتأثر بحضارات غيره من الشعوب قديما وحديثا، وزاد في اختصابه تطور صلات التأثير والترجمة والتبادل المباشر بين تلك الحضارات وبين الحضارات العربية“.( )
ونظرا لكون المغرب من أعرق الدول العربية والذي يضم قبيلة يحكى أنها من أقدم القبائل المغربية التي استوطنت بالمغرب بكل تقاليدها وثقافتها، المميزة لها عن باقي قبائل المغرب، فمثلا القسم التراثي المتعلق بالغناء والرقص يختلف حسب كل منطقة، فنجد منطقة الجنوب تتميز بالرقص على الكدرة،والركادة بمنطقة الشرق، وكناوة بالصويرة، وأحيدوس بمناطق الأطلس، ثم الطقطوقة الجبلية بمناطق الشمال المغربي … بالإضافة إلى وجود فلكلور شعبي بمنطقة في مقدمة جبال الريف تسمى حياينة بطقسها التراثي الشعبي “الهيتي” وهو فلكلور يمزج بين الغناء والرقص، ويحكى حسب شيوخ المنطقة والممارسين لفن الهيتي أنه ظهر نتيجة توحيد فخدات المنطقة عند نشوء صراع بينهم.
فنون وتقاليد أداء العروض الموسيقية والغنائية بقبيلة حياينة ” فلكلور الهيتي”
تعتبر الرقصات والأغاني الشعبية لونا من الألوان المعبرة، فهي لا تقل أهمية عن الأمثال الشعبية والحكاية، فهي تترجم الإحساس الإنساني لدى قبيلة حياينة بطريقة غنائية عذبة، تصدر عن جماعة من الأشخاص، وما يزيدها جمالا هو طابعها الشفوي الريفي، فهذه الطقوس الريفية حاضرة في كل الحفلات والمناسبات والمواسم الاجتماعية لدى الإنسان الحياني المعروف بالكرم والنشاط والقوة، لدرجة أنه يقال عنهم في مثل شعبي ” يلاش شبعوحياينة قولوا للناس يحيدوا من قدامنا “.
إن الفلكلور الهيتي الحياني يتغنى وفق ظروف وسياقات مختلفة مثلا قصائد عن حرب العراق وقصائد مدحية وقصائد الغزل،والرثاء…
نماذج من قصائد فلكلور “الهيتي” (بلهجة الدارجة الحيانية)
قصيدة نثرية عن حرب العراق للشيخ احمد بن علال:
حبك بلاني حبك بلاني ازين ومعندو الدواء
حبك بلاني أزين وربي ينصر صدام حسين
وباسم الله نرفد الزاد والغوان له عداد
مكتوب بالقلم ومداد وصدام صحيح فالجهاد
وداية يحفظك الله حاجة الولاد ويخليك نورة انتنا في البلاد
وينصرك على الحساد وباش ميشفا كش المحساد
وأنا في عارسيد بغداد رجل عظيم بحال الجواد
ومولانا العلي يحفظ وليك النصر يا بغداد
ومريكان تيم وزاد وقالهم في 24 ساعة نبرد البلاد
وقالوا صدام قتلوه وزاد وخطب على العباد
وقالهم هذا ما يقتلوا حد إلا لقتلوا الله الجواد وندخلو لقصر لبغداد
واليهودي بلا دخل ردوه رماد والصحافة كلها بالإشهاد.
ومن هذه القصيدة نرى عمق الكلمات، واقتحام فلكلور الحياينة لحقل السياسة، عن طريق عصبية قبلية عربية اتجاه حرب أمريكا على العراق، وموقف شيوخ الفلكلور الرافض للحرب على العراق،بالإضافة إلى قصائد تنتصر للقضية الفلسطينية،وأخرى تدافع عن الصورة النمطية المحملة بالإرهاب للمجتمعات الإسلامية التي تروجها الولايات المتحدة الامريكية والغرب.
قصيدة غزلية تذكر محاسن المرأة ومفاتنها للشيخ احمد بن علال:
مولات السرتلة والمكانة امي لالة وها حنا في عماك اولنا امي لالة
هزي عينك وهضري معانا امي لالة وسيدي اش حازك انت لهاد العقبة
وهداك غير الخير والمحبة وغاشوفو فهاد العزب
واحنا كنمدحو فهاد الشابة وداك الطفل درتو غي سبة
ورضع الحليب بعين راه مقنبة وشد توغير من المحبة
وراه درتو على قلبة لوليد عجبها ودارتو على قلبة.
وراه قاتلك أجلولتازية طلبت واحد الطلبة.
غير غنو عندنا مرحبا وظل عند الفقهاء بالكتبة
وتمشي عند جميع الأطباء (الطبة) ودمعة من العين كتسربة
وتقيل غي كالسة في العتبة وتقول اختها ارليشي شربة
والمرض ممرضاش ولحمة طايبة.
ثم نجد قصيدة تسمى “الهجاء” وهي ذكر الصفاة السيئة لشخص ما، أو ما يسمى “المعر”،تقابلها قصيدة “الرثاء” وهي ذكر الخصال الحسنة لشخص مات،حيث يتم مدحه بكل الصفات الجيدة من كرم وحسب ونسب ودين…
وكما يعرف أن الثقافة الشعبية أو الفلكلور يتم عن طريق طقوس سلمية على مستوى العزف أو الكلام وكذلك على مستوى اللباس الذي يكون باللون الأبيض كدلالة على بياض النفوس، وكلون معبر على السلام والحب، وبالتالي فالثقافة الشعبية ثقافة سلام لا نقاش فيها ولا شك.
الفلكلور الشعبي تتمازج فيه لغة الكلام مع لغة الجسد
الفن الشعبي “كالهيتي” يحتاج إلى أشياء في طباعه وأشياء في خلقته، وأشياء في عمله، فأما ما يحتاج إليه في طباعه فخفة الروح، وحسن الطبع على الإيقاع أي حسن التوقيع، أن يكون طالبه مرحا محسنا للتدبير والتصرف في رقصه، وأما ما يحتاج إليه في حلقته فطول القامة واتساع الأكتاف، واتقان التمايل، وتناسق الثياب ومعرفة الحركة بها، ونكتشف في كل هذا أننا نرى في نقطة البدء لتاريخنا وتراثنا البشري، فهي تنقل لنا صورة حية نابضة لواقع ثقافة قبيلة حياينة.
يتمازج النص الشفوي اللامادي ضمن شكل اتصالي يختلط فيه الكلام بوسائل اتصال مصاحبة كالحركة، فيجمع الفن بين طرق اتصال لغوية تهم اللغو والأصوات والنحو على شكل غناء، كما أن هناك طرق اتصال غير لغوية.
كما تجدر الإشارة أن فلكلور “الهيتي” هو عبارة عن لوحة فنية يتمازج القول مع التعبيرات الجسدية ومنظومة اللباس، مما يعطيه قيمة دلالة واجتماعية وفنية وجمالية وأخلاقية، ويقفون أفراد الفرقة على خطين متوازيين، يقف فيه طرق مقابل طرف آخر، وأعضاء الفرقة يشملهم نظام التراتبية، فيقف شيخ الفرقة في الوسط، ويكون هو المسؤول عن جميع الكرماية (الغرامة)، ثم وجود هامش يمثل باقي أعضاء المجموعة.
فعند البداية، تبدأ الحفلات الحيانية بوجود فرقة الهياتة، إذ يتقابل أعضاء المجموعة المتموضعين على شكل مستقيمين متوازيين، إذ تتقابل في إطار مبارزة كلامية شاعرية بين أعضاء الفرقة، ويدور موضوع المبارزة إما على عائلة كبيرة أو فتاة جميلة من الحضور.
وعندما تتقدم الحفلة في نشاطها وتكثر المناوشة الشعرية بين أعضاء الفرقة الفلكلورية يتدخل شيخ الفرقة لإعادة الدفء وروح البسمة للحضور بواسطة “سرابية” _ وهي قصيدة شعرية شفوية_ يمدح فيها الحضور. وعند الإنتهاء من “المعر” وهو المناوشة الشعرية، تبدأ الفرقة بتسخين الدفوف المصنوعة من جلد الماعز وكذلك الطبول، لتبدأ مراسم اختتام الحفل، من أجل افتتاح شوط جديد لعبة الهيتي ويسمى “بالحَرَكَ” في أدبيات التراث الحياني، ومنه فإن الفلكلور لوحة يتمازج فيها القول مع التعبيرات الجسدية ومنظومات اللباس( ).
خاتمة:
تعد هذه الرحلة التي خضناها في رحاب التراث الشعبي بمثابة قنطرة مرورا لفهم ثقافة أجدادنا بقبائل حياينة، واستيعاب الرسائل التي يرمز لها الفلكلور الحياني المتمثل في “الهيتي”، ومن هنا يجب إعادة الإهتمام بالتراث الشعبي وقراءته من أجل إنصافه وتطويره والعمل على فهمه وفق منهجية تعيد له الحياة من جديد، فإحياء التراث وإعادة قراءته قراءة حداثية، ضرورة ملحة لتجاوز الركود الثقافي في الوطن العربي عامة والمغرب خاصة.
ومنه فإن التراث هو خزان ثقافي لكل مجتمع، وصورة عن شعب له عادات وتقاليد وتجارب إنسانية، وكأنه هو مبعث لهويته واعتزازه لأنه لا تستطيع أي أمة أن تنهض خاصة في هذا التاريخ المعولم التكنوقراطي الهائل بدون التشبث بتراثها من أجل جعله كلبنة أساسية لبناء الحاضر والمستقبل.
وإلى هنا نكون قد كونا صورة أولية متواضعة عن فلكلور الهيتي بقبيلة الحياينة،بإقليم تاونات ولو سطحية عن تراث ثقافي عميق.
كما أرجو أن تتاح فرص أخرى لنا أو لغيرنا مستقبلا من أجل المزيد من تعميق النظر في هذا اللون الغنائي الثراثي الجميل.
°طالب باحث في سلك الدكتوراه-علم الإجتماع/ جماعة راس الواد- تيسة بإقليم تاونات