الأمن الغذائي العالمي والسيادة الغذائية للأمم- حالة المغرب
بقلم الأستاذ عزوزي بوزيد*-فاس:”تاونات نت”/- منذ سنة 1974 والعالم يتحدث عن الأمن الغذائي عبر ندوات عديدة ومؤتمرات متعددة ، ولكن سنة 2022 أجبرت البشرية جمعاء على امتطاء صهوة منعطف سياسي اقتصادي ، اجتماعي وعسكري مصيري ، بينما تبرز السيادة الغذائية للأمم بقوة شديدة مفرزة معطيات اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة لم تكن متوقعة على الإطلاق .
ندخل خلال هاته السنة مرحلة مغايرة جذريا لسابقاتها بعد ما جابت ربوع الأرض جائحة كورونا على مدى سنتين وعرفت مناطق عديدة من كوكبنا جفافا حادا وناح المناخ باختناقه بالتلوث ثم انفجرت حرب لم تكن في جدول أعمال عدد من الدول خصوصا المسماة العظمى ذات القوات العسكرية النووية ، أي : الحرب الروسية-الأكرانية .
لقد دخلت هاته الحرب مرحلة مصيرية خصوصا بعد اجتماع الحلف الأطلسي-ناطو بعاصمة إسبانيا مدريد خلال الأسبوع الأخير من شهر يونيو المنصرم والذي قرر خلاله السير نحو توسيع أرضيته بإدماج دولتي فنلاندا والسويد ، وتخصيص دول الغرب ملايير الدولارات لأكرانيا من أجل شراء مزيد من الأسلحة وكأن حربا باردة-ساخنة على الأبواب.
بالمقابل تتكاثف الجهود المسترسلة والمتسارعة شرقا بين روسيا والصين ودول وسط آسيا ومجموعة بريكس وشنغاي.
هذه صورة جد مقتضبة عن الفضاء السياسي-العسكري الدولي العالي التشنج الذي تسبح فيه البشرية مؤطرا بتهديد نقص الغذاء ل7,8 مليار نسمة خصوصا في أفريقيا التي تختزن على أديمها وفي باطنها ثراء لا مثيل له على وجه البسيطة .
بالموازاة وعلى ضوء ما نعيشه من تقلبات عالمية ، أشدد على أن الأمن الغذائي مرتبط ارتباطا وثيقا وعضويا بتدبير الشأن العام ؛ فكلما توفرت شروط التغذية عند المواطن وعند أهله بالموازاة مع توفر عدد من الضروريات كالشغل والمسكن والملبس والتطبيب وتمدرس الأبناء ، اطمأنت نفسه وسعدت أسرته وتوسعت دائرة الاطمئنان إلى كافة المجتمع واستتبت أسس الأمن المجتمعي .
تدبير الشأن العام الموفر لطمأنينة المواطن ، يقتضي من المسؤول الإداري المشرف على هذا التدبير ، توفره على أبعاد تربوية مرتبطة بحب الوطن وبقيمه الأصيلة وما يقتضيه ضمنا من أخلاقيات مجتمعية كترشيد النفقات والتخطيط الإستراتيجي المعقلن المتجاوب مع إشباع طموحات المواطن المستخرجة من تشخيص ميداني واقعي .
مهما كانت أبعاد خطورة تدبير الشأن العام ، في أي بلد كان ، على أساس تفاعلاته مع المحيط الدولي وتأثيراته السلبية عليه ، فإن النهج الأمثل لحماية الأمن العام والمحافظة عليه بصفة عامة ، يستقي أسسه من قيم إنسانية أساسية مبنية على الحق والعدل وكرامة المواطن وتأمين حقه في العيش الكريم .
إن تشييد أسس الديمقراطية الحقة والحقيقية في أفق تنمية مندمجة على طول ما تبقى من القرن الحالي ، هي خير ضمان للأمن الأهلي وذلك على ضوء ارتفاع مستوى الوعي الحسي والعملي لدى سائر جميع شرائح ساكنة كوكبنا الأرضي ؛ هذا الوعي ذو المنسوب العالي جدا آنيا ، المرتبط عمليا بنتائج التفاعلات القوية الناتجة عن طريق الشبكة العنكبوتية المكثفة والمؤثرة والمؤطرة للمجتمعات وكل منصات التواصل الإجتماعي العديدة المتعددة وذلك على مستوى القارات الخمس .
إن مستوى وعي مواطن قاطن بأبعد قرية في إفريقيا أو أميركا اللآتينية أو أقصى آسيا الجنوبية وفي أي بقعة من بقع العالم خلال سنة 2022 ، لا مقارنة له مع مثيله عام 1999 .
لقد تغير جذريا مستوى الوعي عند “المواطن الأرضي” وبالتالي أرى أن المسؤولين الإداريين والمؤطرين للمجتمعات ، في كل بقع كوكبنا ، مدعوون للتكيف بجدية ولمسايرة التطور العالي السرعة الذي طرأ على نوعية مستوى الوعي عنده .
أؤكد على هذا التوجه خصوصا على ضوء المتغيرات ، الطارئة حاليا على المستوى الدولي ، التي فرضتها التهديدات المتنوعة من جائحات وحروب وجفاف ومجاعات وتزايد سكاني مهول موازاة مع زعزعات وتشتت لثقافات المجتمعات التي كانت تكون درعا واقيا لها من خلال ارتباطاتها القيمية التضامنية منها والتكافلية .
لقد أصبح الأمن الغذائي قطب هام في تدبير هذا الشأن ، والنجاح في هذا التدبير والتأطير شرط لضمان الإستقرار الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، وذلك على ضوء ما نعايشه في عدد من الدول الإفريقية والعربية وأميركا اللاتينية.
في هذا المسلسل ارتأيت ، خلال وضع الإطار العام لهذا النص ، أن أقدم للقارئ والمتتبع لإشكالية الأمن الغذائي دوليا ووطنيا بالموازاة مع تداعيات الضروف العالمية الضاغطة عليه ، أن أقدم له في الصفحة الأولى هاته ، تصميم المحاور التي اشتغلت عليها :
ا – المنهجية
ب – الإشكالية
ج – ماهية الأمن الغذائي
* التعريف
* تواريخ المؤتمرات
د – تقديم
ه – توطئة
القسم الأول
التوجيهات الملكية السامية : عمق التخطيط الإستراتيجي
1 . التنمية الفلاحية والقيم الحضارية
2 . الفلاحة محور التعاون الدولي
القسم الثاني
الوضع الداخلي في المغرب
1. نموذج الإستهلاك
2. الحاجيات الإستهلاكية
3. الطاقات الخامة الوطنية
4. الواقع الحالي
5. مصادر تموين السوق الداخلية
القسم الثالث
الظروف الدولية الوضعية
1. الظروف الدولية العامة
2. إنتاج الحبوب عالميا
3.أهم الدول المنتجة للقمح عالميا
4.تصدير القمح عالميا
ا. الدول المصدرة للقمح عالميا
ب. أكبر الدول المشترية للقمح عالميا
– الخاتمة
………………..
ا – المنهجية
إن التطرق إلى موضوع الأمن الغذائي من الناحية المنهجية تشوبه صعوبات متعددة تتمحور حوله إشكالية تستدعي التريث والتدقيق قبل التأسيس لوضع أبعادها التي تتمحور حول الأمن الغذائي من الإنتاج إلى الإستهلاك مرورا بكل مراحله العالية التعقيد في الظروف الوضعية .
إن محاولة الحصول على المعطيات ذات الإرتباط بهذا الموضوع الحساس في حد ذاتها تخفي مجموعة من الصعوبات نظرا للإختلافات الكبيرة التي تعتريها ، وتعدد مصادر المعلومات الغير المتطابقة في عدد من الحالات والتي تقدمها باختلافات وتنوعات كبيرة .
كل معطى غير موثق المصدر قد يؤدي حتما إلى استنتاجات بعيدة عن الحقيقة المعاشة من طرف المجتمعات الإنسانية وبالتالي تفقد جدواها . هاته الخلاصات المنهجية جعلتني أتريث كثيرا قبل اختيار معطيات بعينها للاشتغال عليها واستخراج نتائج تمكن المسؤول الإداري من اتخاذ القرار بطمأنينة وتجعل المستهلك يعي بفضائه ومحيطه الإجتماعي والإقتصادي والسياسي حتى لا يتهور في الإندماج في حركيات غير موضوعية أو ربما عبثية غير محسوبة العواقب والنتائج الوخيمة .
ب -الإشكالية
تتمحور إشكالية الأمن الغذائي العالمي على مجموعة من المعطيات المتشابكة والمرتبطة بعضها ببعض في مسلسل عالي التعقيد .
فيما يكون صاحب القرار منهمك في الإشتغال على المعطيات الواردة عليه ، يكون المستهلك في خوف من أمره وارتباك مما قد يؤول إليه وأسرته ، من نقصان في وفرة المواد الغذائية والإستهلاكية بصفة عامة وارتفاع في الأثمان .
إن إشكالية الأمن الغذائي العالمي تبدأ من مرحلة إنتاج مادة معينة من حبوب وخضر وفواكه ولحوم إلى النقل والتوزيع وتحديد الأثمان .
وقد ازدادت هاته التعقيدات تعقيدا مع التزايد المهول لعدد ساكنة كوكبنا التي أصبحت تقترب بسرعة من 8 مليار نسمة ، بالموازاة مع ارتفاع مستوى وعيها المؤثث بكل عناوين الإرتدادات والإهتزازات السياسية والإقتصادية التي أصبحت تهدد الإستقرار الإجتماعي والسياسي على المستوى الكوني .
لقد أصبح موضوع الأمن الغذائي الدولي والسيادة الغذائية للأمم والشعوب إشكالية عميقة وخطيرة جدا تقيض مضاجع عدد كبير من المسؤولين السياسيين والإقتصاديين والإجتماعيين على مستوى عدد من الدول ذات الإنتاج الفلاحي الضعيف او التي اندمجت ، خلال سنين وعقود ، في مسلسل تنمية فلاحية ذات بعد تجاري-تصديري أكثر منه اقتصادي-اجتماعي ، مع ما للإختيار الأول من أبعاد إيجابية في ظروف عالمية توحي بالسلم والأمن والإستقرار وما للإختيار الثاني من أبعاد الإستقرار الإجتماعي زمن الصعوبات الطبيعية والبيئية .
لقد كان الإختيار ذو البعد الإستراتيجي ، بتوجه تصديري ، يرى في القطاع الفلاحي آلية لتوفير العملة الصعبة الكافية لمواجهة حاجيات توريدية مع إهمال نسبي للحاجيات الإستهلاكية الداخلية.
أرى أن كل الإختيارات الإستراتيجية مهما كانت أبعادها وتنوعت آفاقها تبقى ضحلة المنظور بأفق محبط إذا هي فضلت الطرح المالي-الإقتصادي وأهملت ولو نسبيا المنظور السياسي-الإجتماعي أوقلصت من نسبة إعطاء الأسبقية والأولوية لها .
وأخيرا منهجيا ، أشير إلى أنه من شروط التحليل الموضوعي ، التحلي بالنزاهة الفكرية بعيدا عن كل تفاؤل مبالغ فيه أوكل تشاؤم متجاوز لحدود المنطق .
كل تحليل موضوعي ينطلق من تشخيص الواقع المعاش الملموسة والمحسوس .
ج -ماهية الأمن الغذائي :
* التعريف :
ظهر مُصطلح الأمن الغذائي خلال تعريف صدر عن المؤتمر العالمي الأول للغذاء سنة 1974 الذي وضع تعريفا ، بحضور ممثلي حوالي 100 دولة ، ضمن التصريح العالمي للقضاء النهائي على المجاعة وسوء التغذية . وقد دعت إلى هذا المؤتمر هيئة الأمم المتحدة بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة .
أكد هذا التعريف مؤتمر روما سنة 1996 ثم مؤتمر 2009 وآخرهم مؤتمر 2020 .
يفيد هذا التعريف أن الأمن الغذائي هو مدى توفر الغذاء الكافي لكل الناس في كل وقت ، وأن يكون ذو قيمة غذائية كافية متنوعة متوازنة ومتوافقة مع شروطهم الصحية ويوفر لهم حياة صحية كاملة.
كان لكل هاته المؤتمرات تقريبا نفس الأهداف المتمحورة حول القضاء على المجاعة والفقر وسوء التغذية .
وقد توسعت أشغال المؤتمر الرابع إلى فضاء أكثر اندماجا وذلك بمناقشته مجموعة من المواد ذات التداخلات المجالية والنظومية systémiques لمختلف أنظمة التغذية . كان هدف هاته النقاشات استكشاف وفهم العوامل المجالية والفلاحية والغذائية والسكانية والإجتماعية-الإقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمؤسساتية .
يقول الباحثون والمهتمون بأن الأمن الغذائي مكون من أربعة أبعاد أو أسس : الحصول على التغذية ، توفر الأكل الكافي ، نوعية الغذاء واستقرار القدرة على الحصول على التغذية وبالتالي توفيرها كميا وكيفيا والقدرة على اقتنائها .
* تواريخ المؤتمرات :
عرف العالم أربع مؤتمرات عالمية حول الأمن الغذائي :
– الأول من 5 إلى 16 نونبر 1974
– الثاني من 13 إلى 17 نونبر 1996 بروما
– الثالث من 25 إلى 27 يناير 2009
– الرابع من 04 إلى 09 دجنبر 2020 عبر الأنترنت .
للإفادة ، ظهرت تاريخيا أدلة حول استخدام صوامع الحبوب من طرف السلطات المركزية قبل أكثر من 10.000 عام في عدة حضارات مثل التي عاشتها الصين ومصر القديمتين وذلك لصرف الغذاء المُخزن في أوقات المجاعات .
مع الأسف الشديد ، شهد العالم في الآونة الأخيرة تدهوراً في الأمن الغذائي ؛ إذ يعاني ما يفوق 950 مليون فرد من الجوع حول العالم ، وما زاد الأمر صعوبة هو عدم القدرة على رفع مستوى الاستغلال للأراضي والتغير المناخي بالإضافة إلى ندرة المياه .
هاته الأزمة التي تلاطمنا أمواجها موحدة الأهداف في الكفتين الشرقية والغربية ، فالغرب الذي يطوف في فلك الحلف الأطلسي-ناطو NATO-OTAN يسعى لإضعاف المعسكر الشرقي المتمحور حول روسيا والصين والذي يرتب أوراقه لجعل غريمه يتآكل كي يأخذ منه نصيبه ويتقاسم معه مناطق النفوذ وسلطة تدبير شأن القارات الخمس .
وكأني أرى قطع الغاز الروسي على القارة الأوربية ، خلال فصل الشتاء القادم ، حتمية واردة في حالة ما احتدم الصراع الروسي/الأوكراني-الاطلسي مع ما قد يدفع من انفجارات اجتماعية في هاته القارة ، خصوصا في الدول المعرضة أكثر للبرد القارس ؛ آنئذ ستغزو أزمة الغذاء العالمي ساكنة الإتحاد الأوربي نظرا لارتدادات مدهم بالغاز وتردي نمط نوع الحياة عندهم خلال هذا الفصل البارد بصقيعه القاسي .
د- تقديم
إن التخطيط الإستراتيجي يستدعي نباهة عالية وقدرة استشراف وازنة ودقيقة منبثقة من وعي سياسي واجتماعي عالي لدى كل مسؤول سياسي واقتصادي مكلف بتدبير الشأن العام الذي لا يكفي فيه التكوين الأكاديمي والتقني مهما كان مستوى تكوينه ولمعان كفائته لأن البعد التقنوقراطي يبقى مجوفا في غياب البعد الإجتماعي .
أود هنا الإشارة إلى أن عدد سكان كوكبنا سيصبح حوالي 10 مليار نسمة بحلول سنة 2050 أي في غضون 28 سنة ، وإن غدا لناظره قريب ؛ هذا هو المعطى الأساسي والخطير الذي يستدعي التفكير فيه بجدية عالية جدا .
في إطار التحولات العميقة التي نعيشها على المستوى العالمي ، ظهرت مؤخرا مجموعة من المعطيات الوضعية على المستوى الوطني والدولي جعلتني أتطرق لهذا الموضوع الحيوي قصد تسجيل منظوري ورأيتي لما هو حاصل اليوم على المستوى العالمي وانعكاساته على كل دول كوكبنا .
وددت كذلك تزكية أو مناقشة مجموعة من الآراء منها المتواضعة وكثير منها السديدة والأفكار النيرة والملاحظات الموضوعية القوية التي سجلت هنا وهناك والتي تستدعي الإثراء من أجل المساهمة في بلورة خطة عمل قد تكون أرضية لوضع محاور تساعد على استشراف آفاق ما نحن مقدمون عليه كأمة ودولة وشعب في السنوات القليلة القادمة التي تبني للقرن الواحد والعشرين وما يليه .
مما هو مثير للجدل ، حول هذه الإشكالية العالمية المتبلورة حول الأمن الغذائي الدولي والسيادة الغذائية للأمم ، هو البعد السياسي الذي يصبغ به عدد من المتتبعين مداخلاتهم قصد التقريع للآخر مع تفريغ الإنتقادات الحادة على الخصوم السياسيين حول اختياراتهم الوطنية ، عوض مناقشة الأفكار والآراء يمررون منظورهم بتبخيس اقتراحات الآخر والتنقيص من وزنه الوطني كقيمة مضافة .
لاحظت على هذا المستوى التناقض الكبير بين دور المتحدثين السياسيين ببعد مرحلي غابت عنه الروح الوطنية من جهة ودور المثقف النزيه في عمقه الفكري الوطني ، وذلك على الهواء في مناقشات مثرية في عدد من القنوات التلفزية الدولية ومنصات التواصل الإجتماعي المتنوعة .
خلال اجتياز أو دخول البشرية مراحل صعبة كالتي نحن على أبوابها حاضرا ، كان من الأجدر ان تبرز قيم المحبة والتضامن والتعاون والتسامح ؛ لكن يظهر بجلاء ووضوح كبيرين أن روح العداء والإستقواء بالأحلاف والضغينة بين الدول تنمو وتزداد متأثرة بروح الهيمنة التي سادت خلال القرن الماضي خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ، ولا زالت مع الجنوح إلى تعزيزها مع الأسف الشديد وذلك في غياب قيم النزاهة الفكرية والأخلاقية.
إلى أين نسير ؟
التحولات الإجتماعية الجارية خصوصا ذات البعد الثقافي بمفهومه المجتمعي ، ليست حصرا على بلد دون آخر ، بل هي تغيرات هيكلية عميقة ناتجة عن تأطير محكم مخطط له .
يجري هذا التخطيط في إطار عولمة فوضوية لم تكتف بالبعد الإقتصادي ، بل تجاوزته إلى الأبعاد الإجتماعية المبنية على قرارات سياسية محبوكة مرتقة من لدن مراكز قرار .
تتواجد هاته المراكز في عواصم كبرى نافذة في دوائر عديدة متعددة خصوصا المالية منها والإقتصادية ، مع تواجد هوائيات استشعار تعمل كوسائط تبليغ إلى المستهلكين في كل بقع العالم من أجل إفشاء بذور إفساد المجتمعات قصد التحكم فيها .
لقد فهم هؤلاء أن أسهل مطية ابتكروها هو التحكم في “أخلاق المجتمع” من أجل إفساده قصد التحكم في أرزاقه وهو نوع من الإستعباد الذكي .
المسيرة ، المجهولة العواقب ، التي تسير عليها المجتمعات كافة ، ستؤدي حتما إلى كارثة إنسانية قد تؤدي إلى اندثار البشرية …
ه – توطئة
إن التخرصات والتخمينات والتوجهات التي يتقدم بها عدد من المؤثرين في السياسة الدولية عن طريق الكلمة او الفعل أو كلاهما تساهم في مواكبة وتأطير إشكالية خصاص الحبوب على المستوى الدولي وهي تدق طبول الحروب الصامتة التي تشنها المجاعة على عدد هائل من بيوت ساكنة كوكبنا . ومما نلاحظه هو بروز عدد كبير من المعطيات منها المتجانسة ومنها المتناقضة .
هاته المعطيات تحاول أن تشرح إشكالية التغذية على المستوى العالمي وارتداداتها المحتملة على السلم الأهلي والإضطرابات الممكنة والواردة في عدد كبير من الدول المتقدمة منها والنامية على حد سواء ، خصوصا في أوربا الشرقية والجنوبية وأميركا اللآتنية وأفريقيا وآسيا الشرقية-الجنوبية ومن ضمن هاته الكوكبة دول العالم العربي .
إن العمق الإشكالي يتمحور حول مجموعة من المحاور من بينها :
– انخفاض الإنتاج العالمي للحبوب ،
– تزايد سكان العالم بوثيرة عالية الإرتفاع ،
– ارتفاع أثمان الحبوب بكل أنواعها ،
– ارتفاع أثمان المواد الأساسية للزراعة ،
– ارتفاع أثمان آليات الزراعة للحرث والتسميد والحصاد ،
– اكتساح الجفاف لمساحات كبيرة جدا لكوكبنا ،
– الإرتفاع العالي جدا لنسب التضخم المالي ،
– انخفاض مهول في القدرة الشرائية للمواطنين في دول الشرق كما هو الحال في دول الغرب ،
– ارتفاع كبير لمستوى الوعي الحسي والموضوعي عند كافة المستهلكين على المستوى الدولي وما قد ينتج عنه او سينتج عنه حتما من اضطرابات في عدد من القارات ،
– الخ .
هاته المعطيات برزت وفرضت نفسها بشكل لم يسبق له مثيل ، الشيء الذي يجعل المجاعة تهدد عددا من الدول في عدد من القارات خصوصا في إفريقيا .
من أجل استيعاب ما هو جار حاولت أن أقدم معطيات رقمية وذلك بالقيام بحسابات دقيقة حول :
– ا. استهلاك الحبوب ببلادنا والميزانية المدفوعة من طرف المستهلك من جهة ومن طرف الخزينة العامة للدولة من جهة أخرى
– ب. تقديم أرقام ناطقة بأثمانها وأوزانها ومقاييسها على المستوى الدولي من إنتاج وتوريد وتصدير وعلاقاتها بإنتاجنا في بلادنا للحبوب وحاجياتنا الإستهلاكية على المستوى الوطني .
في هذا الإطار ، سأحاول إغناء النقاش الجاري حاليا على الساحة الدولية الذي له أهمية كبيرة جدا والعالية الإفادة وذلك على مستويين الوطني والعالمي بتأطير من التوجيهات الملكية السامية.
القسم الأول
التوجيهات الملكية السامية : عمق التخطيط الإستراتيجي
1.التنمية الفلاحية والقيم الحضارية :
جاء خطاب جلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله يوم 12 أكتوبر 2018 خلال افتتاح الدورة الأولى من العام التشريعي الثالث من الولاية التشريعية العاشرة بمجموعة من الحلول عالية التوجه الإستراتيجي إن على المستوى الوطني أو العالمي .
تتقدم هاته الحلول عمليات تطبيقية ملموسة محسوسة من شأنها النهوض بالقطاع الفلاحي وتعزيز أسسه وأهدافه في إطار قيم التضامن والتعاون ، مشيدة على أرضية متينة مؤثثة بمحاور استراتيجية فلاحية تنموية مندمجة .
وقد قدم الخطاب الملكي السامي عددا من الإجابات ، التي أسوقها فيما يلي ، للتساؤلات المطروحة من طرف الفاعلين في هذا القطاع الإقتصادي الحيوي .
وقد جاءت كل الإجابات الملكية في نسق حلول لجملة من القضايا المرتبطة ارتباطا وثيقا بعدد من عناصر التنمية الإجتماعية والإقتصادية .
لقد أكد جلالة الملك حفظه الله على ضرورة التنمية الفلاحية وتشغيل الشباب خصوصا في العالم القروي ، مع إرساء أسس نموذج تنموي يكمل ويتمم ما سبق العمل به آنفا وذلك تجاوبا مع تطلعات وطموحات كافة المواطنين ، وجعل القطاع الفلاحي مركزا حيويا وخزانا لمحاربة البطالة وإنعاش قطاع التشغل وذلك عبر خلق مناصب الشغل ، إذ أن هذا التوجه يساهم في التقليل من حدة الفوارق الاجتماعية وتحسين شروط وظروف العيش الكريم في عالمنا القروي والإستقرار به .
وركز الخطاب الملكي السامي على العمل على انبثاق وتعزيز وتقوية الطبقة الوسطى الفلاحية وتقوية روح التكافل والتضامن والتعاون وتأطير الأراضي السلالية كرافعة لتحسين المستوى الإقتصادي والإجتماعي عن طريق إقامة مشاريع فلاحية للإسهام في تعزيز الاستثمار الزراعي .
وحث جلالته على التفكير في أفضل السبل لإنصاف الفلاحين الصغار ، خاصة في ما يتعلق بتسويق منتوجاتهم والتصدي الصارم للمضاربات وتعدد الوسطاء . كما حث جلالته حفظه الله الحكومة على العمل من أجل بلورة آليات مبتكرة لمواصلة تحفيز الفلاحين على المزيد من الانخراط في التجمعات والتعاونيات الفلاحية المنتجة ومتابعة التكوين في المجال الفلاحي .
إن التوجيهات الملكية الواردة في هذا الخطاب السامي نبراس للتخطيط الإستراتيجي في القطاع الفلاحي الحيوي الذي يضع الأسس القوية للنهوض به ويحدد الإجراءات التي يتعين اتخاذها للنهوض بمختلف المشاريع الفلاحية في عالم يتسم بالإبتكار والتنافسية الكبيرة .
وكما هو معلوم فإن الفلاحة بالمغرب تشكل ، رغم قساوة الظروف المناخية التي يعرفها ، الدعامة المحورية للتنمية في الوسط القروي . هنا تجدر الإشارة إلى أن ساكنة المغرب مكونة من 45 % من القرويين ويحتل القطاع الفلاحي الصدارة من حيث اليد العاملة إذ يشغل نسبة 44% من مجموع السكان الناشطين . ويتم حاليا سقي ما يزيد عن 1.200.000 هكتار من الأراضي الفلاحية ، متجاوزا بما كان قد نادى به جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه خلال سنة 1967 ب200.000 هكتار ، وهذا بفضل السياسة المتبعة في التخطيط المندمج والشامل بشأن الأحواض المائية الكبرى للبلاد وتشييد ما يزيد على مائة سد ومنشأة مائية ، مما يكفل إضفاء قيمة مضافة بنسبة 45% على النشاط الزراعي ، ويساهم بما يعادل ثلاثة أرباع صادراتنا الفلاحية.
2 .الفلاحة محور التعاون الدولي :
خلال المنتدى الدولي حول الفلاحة الذي انعقد بدكار عاصمة السينيغال يوم 04 فبراير سنة 2005 حول الفجوة الزراعية العالمية ومستقبل الفضاءات الزراعية النامية ، طرح خطاب جلالة الملك سيدي محمد السادس رعاه الله مجموعة من المحاور قصد النهوض بتعزيز التعاون الدولي في القطاع الفلاحي .
وقد جاء خطاب جلالة الملك بمجموعة من المحاور الأساسية أقدمها بتركيز في الفقرات التالية .
وهكذا أكد جلالته على ضرورة القيام بقراءة جماعية لتجارب البلدان المختلفة في مضمار القطاع الفلاحي ، لتحديد المناهج التي يتعين اتباعها للعمل المشترك من أجل محاربة آفتي الفقر والجوع اللتان حولتا مئات الملايين من بني البشر عبر العالم إلى مستضعفين يعانون أقسى مظاهر القهر والحرمان . وقال جلالته إن سياسة المغرب الفلاحية موسومة بطابع الإستمرارية والسعي إلى تحقيق الأمن الغذائي مع الإندماج في السوق العالمية عبر إنجاز برامج هيكلية لتهيئة المنشآت المائية وإعادة تأهيل القطاع العقاري.
كما أكد الخطاب الملكي السامي على أن للقضايا الفلاحية بعد دولي متعدد الأطراف يتطلب جعل التجارة رافعة للتنمية ، وهذا اختيار متين سواء بالنسبة لبلدان الشمال أو الجنوب ، والعمل على إنجاح المناقشات الجارية في المنتديات الدولية المختصة بالتأمل في فكرة “إقامة نظام عالمي زراعي متوازن وقابل للاستمرار” ، وإيجاد آليات للضبط والتضامن ، كفيلة بتمكين كل البلدان من التفعيل الأمثل لسياستها الفلاحية ، والاستفادة مما يتميز به من تفوق بالمقارنة مع منافسيها.
كما قال جلالته إن العولمة أخذت تربك ما ترسخ في أذهان الناس من مفاهيم وتصورات ، بشأن التبعية وانعدام الأمن الزراعي ؛ وفي حالة عدم توخي الحيطة والحذر ، فإن العولمة ستجعل الفاعلين السياسيين والمحليين منقادين إلى التسليم ، من حيث لا يدرون ، لحتمية هجرة الأهالي للفضاءات الريفية ، واستصغار الموروث الفلاحي الذي اغتنى بفضله التراث الثقافي والحضاري العريق .
إن العالم بصدد مواجهة تحد عالمي يقتضي تضامنا دوليا فعالا لتحقيق تدبير ناجع ومسؤول لهذه المرحلة الانتقالية في المجالين الزراعي والقروي التي تمر بها القطاعات الفلاحية ، لاسيما في دول الجنوب .
إن الحل الأمثل لهذه المعضلة لا يكمن في اقتناء فائض الإنتاج الفلاحي للدول الغنية بأسعار زهيدة ، بل إن من شأن هذا الخيار أن يلحق بالغ الضرر بالقطاعات الفلاحية الوطنية ، ويزيد في تكريس التبعية الغذائية.
كما أشار جلالته إلى الطموح من الاستفادة مما قد تتيحه هذه العولمة لاقتصاديات دول الجنوب من إمكانيات جديدة للتنمية الزراعية.
وذكر بالعمل على تبادل ونشر المعارف والخبرات والإنجازات العلمية والتكنولوجية التي تهم بالخصوص ميادين الزراعة البيولوجية وأمن المواد الغذائية وتقنيات تحسين مردودية المحاصيل الزراعية ، واتخاذ كل التدابير الرامية إلى توسيع دائرة ولوج الأسواق وإزاحة العراقيل الجديدة التي تحول دون تسويق المنتوجات الفلاحية الواردة من الدول النامية .
وقال صاحب الجلالة أن المملكة المغربية لم تتوان في وضع تجربتها وخبرتها رهن إشارة الدول الإفريقية الشقيقة ، حيث انخرطت دون أدنى تحفظ في البرنامج الخاص بالأمن الغذائي الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ، غداة انعقاد مؤتمر القمة العالمي الأول للأغذية .
وذكر الخطاب الملكي السامي أن القارة الإفريقية تعاني من أوضاع جد مقلقة إذ شهدت تراجعا لمعدل العرض الغذائي المتوفر للفرد الواحد ، وأن في إفريقيا 200 مليون شخص معرضون لمخاطر انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية .
كما أخبر جلالة الملك الحضور الكريم بأن المغرب أرسل أطره وتقنييه إلى الدول التي عبرت عن رغبتها في ذلك ، وعملت على فتح حدودها أمام المنتوجات الفلاحية للدول الإفريقية الأقل نموا ، وأنه لا بد لنا من انطلاقة جديدة معززة بوازع التضامن القوي ، ولا مناص من “ابتكار نظام جديد للتضامن” ضمن المجموعة الدولية وداخل المجتمع.
وبغض النظر عن الأشكال التي يتخذها مفهوم التضامن ، سواء تعلق الأمر بتضامن دول شمال-جنوب أو جنوب-جنوب أو التضامن بين المدن والقرى ، أو التضامن الذي يتوخى التوفيق بين مستويات التنمية المتباينة بين إقليم وآخر ، أو التضامن القائم على مزيد من التعاضد بين الأجيال ، فإن هذا التضامن الفعلي والفعال والمتواصل واجب جماعي .
القسم الثاني
الوضع الداخلي في المغرب
على ضوء المعطيات الواردة في عدد من الطروحات المتطرقة لإشكالية المجاعة التي تهدد البشرية ، في هذا الإتجاه اخترت منهجية تحليلية لاستنباط استشرافي لمئآل جانب مهم لقطاع التغذية ببلادنا انطلاقا من الواقع المعاش ، فوضعت منطلقا مبنيا على مجموعة من الفرضيات على أساس استهلاك القمح الذي ليس هو الوحيد الذي نتغذى به موازاة مع الشعير والذرة وكل أنواع القطاني .
إن المعطيات الرقمية ، إذ تضيء سبل وآفاق مدبري الشأن العام وتساعدهم على التخطيط لبرمجة شروط العيش الكريم للمواطن ، تتوكأ بدون الإفصاح عن وجودها على مجموعة من القيم الإنسانية المستنبطة من قيمنا الوطنية السمحة ومن القيم الإنسانية المتينة التي شيدتها ثقافتنا المجتمعية المنغرسة في أعماق تاريخنا المجيد والمنبجسة من أحشاء كرم مجتمعنا وحب التضامن والتعاون والأخوة الساكنة في أعماق قلبه .
1. نموذج الإستهلاك :
إن المعطيات الرقمية التي أوردها فيما يلي ، حسب تقديراتي ومنظوري ، هي فرضيات رقمية مؤسسة لطبيعة نموذجنا الإستهلاكي ، وتمكن من وضع 5 فرضيات تؤثث لوضع استراتيجية غذائية مؤطرة للمجتمع قد تساهم في التخطيط المعقلن للإستشراف المستقبلي على الأمد البعيد :
– شرائح أعمار المستهلكين :
. من يوم واحد إلى عامين : حليب
. من عامين إلى 5 أعوام : 250 غرام من القمح
. من 05 إلى 10 : 300 غ
. من 10 إلى 15 : 400 غ
. من 15 إلى 35 : 600 غ
. من 35 إلى 45 : 500 غ
. من 45 إلى 60 : 350 غ
. من 60 إلى 70 : 300 غ
. من 70 فما فوق: 250 غ
. المجموع : 3000 غرام أي 3 كيلوغرام ،
– عدد شرائح المجتمع للحسابات الإحصائية ونطاقات الأعمار : 9
– معدل الإستهلاك اليومي لكل مواطن : 3000 غ ÷ 9 = 333,33 غ
خلال تدقيقي في وضع الحسابات ، أطلعتني بعض المصادر أن المواطن المغربي قد يستهلك 200 غ من الدقيق كمعدل يومي ، إلا أنني افترضت أن المعدل المتوازن حسب كل شرائح مجتمعنا قد تكون أكثر نظرا لنموذج الإستهلاك الغذائي ببلادنا ، وبهذا فقد احتفظت ب 350 غ كمعدل تقريبي أقصى ، عوض 200 غ أو 333,33 غ من دقيق القمح للإستهلاك اليومي من طرف كل مواطن ، كما استخرجته من الجدول أعلاه .
– ثمن كيلو واحد للدقيق : 5 دراهم ، علما بأن عددا كبيرا جدا من المواطنين يستهلكون الدقيق الممتاز -فورص- خصوصا في المدن نظرا لثمنه المنخفض نسبيا ، وكذلك الشعير في عدد من البوادي .
أذكر أن ثمن كيلوغرام طحين فورص : 3,60 درهما وثمن كيلوغرام طحين كامل : 6,50 درهما إلى 7,00 دراهم .
– عدد ساكنة المغرب : 38 مليون نسمة .
2. الحاجيات الإستهلاكية ،
إن حاجيات استهلاك الدقيق على المستوى الوطني تظهر أرقاما ذات دلالة عالية الأهمية في ميزان التخطيط الإستشرافي إن على مستوى الكم او على مستوى أساس النفقات المقدمة من طرف المواطن أو خزينة الدولة :
إن وزن المعدل اليومي لاستهلاك الحبوب هو 350 غ في38 مليون نسمة أي13.300.000 كيلو أو 13300 طن في اليوم ، وبالتالي فوزن المعدل السنوي لاستهلاك الدقيق/القمح هو 13300 ط في 365 يوم أي 4.854.000 طن في السنة أو 48.540.000 قنطارا ؛
أما قيمة الميزانية المدفوعة لاستهلاك القمح فهي كالتالي : فالمواطن يصرف يوميا 13.300.000كيلو في 5 دراهم أي ما يعادل66.500.000 درهما ما قيمته سنويا 66500000x365
= 24.272.500.000 درهما ،
بالموازاة نعرف أن الإنتاج الوطني العام التقديري للحبوب لسنة 2022 هو : 32 مليون قنطار ، ومعدل الإستهلاك السنوي : 48.540.000 قنطارا .
وبالتالي فالحاجيات الإستهلاكية برسم 2022 هي : الإستهلاك ناقص الإنتاج = 16.540.000 قنطار 1.654.000.000 كيلو في 5 دراهم = 8.276.000.000 درهما .
.أما مصاريف خزينة الدولة لتوريد حاجياتنا من القمح حسب سعر صرف الدولار الحالي : 1$ = 9,8895 درهما فهي :
. 8276 مليون در ÷ 9,8895 دو = 836.847.161,13 دولار .
قد يتركز نظر المتابع والمواطن المغربي على مستوى غلاف العملة الصعبة المدفوعة من طرف ميزانية خزينة الدولة أي 836.847.000 دولارا خلال سنة جفاف ، بمعنى ان خزينتنا تستطيع توفير هذا المبلغ خلال السنوات التي يكون الحصاد فيها وفيرا .
أسجل أن هاته الحسابات قامت على ثمن استهلاك القمح في السوق الداخلي وليس بثمن شرائه من الأسواق العالمية التي قد تكون أقل بحوالي 35% .
هدف هذا “النهج الديداكتيكي” هو إثارة انتباه المواطن على مجهودات خزينة الدولة من جهة ، ومن جهة أخرى التسطير على أن قدرة الطاقة الزراعية المغربية في إنتاج الحبوب بكل أصنافها وأنواعها هائلة مع رفع مستوى القدرات التقنية الإنتاجية .
3 – الطاقات الخامة الوطنية :
إن الطاقات الخامة الكامنة عندنا ، طاقات هائلة جدا يمكن لها أن تضع بلادنا على الخط الأول ، وفي مقدمة الدول المنتجة والمصدرة للحبوب بكل أنواعها وأصنافها كما هو الحال في قطاعات عديدة كالصيد البحري والمعادن المستخرجة من باطن الأرض من فوصفاط وحديد ونحاس وكوبالط ومنغنيز… وصناعة السيارات المتعددة الأصناف وقطع الغيار الخ .
بالموازاة عندنا قطاعات اقتصادية تساهم بقوة في توفير العملة الصعبة كقطاع السياحة أو كما تؤمنها مواردنا البشرية العاملة بديار المهجر التي بقيت وفية لوطنها مرتبطة ارتباطا عضويا وعاطفيا بمهبط الرأس.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يمكن له أن ينتج ملايين القناطر وربما الأطنان من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه والثمور وجميع أنواع اللحوم من دواجن وحيتان وغيرها كافية للإستهلاك الداخلي والتصدير .
وسيمكننا هذا التوجه من توفير العملة الصعبة اللازمة لتمكيننا من توريد حاجياتنا الأساسية وحتى الكمالية واحترام التزاماتنا المالية والإقتصادية مع شركائنا الدوليين من حكومات ومؤسسات .
وهذا وارد نظرا لما حبا الله بلادنا من طبيعة غنية سخية بسهولها الممتدة على مساحات فسيحة واسعة كسهول الغرب واللوكس وسايس وطريفة والحياينة واشراقة والشاوية ودكالة وعبدة والرحامنة وتادلة وسوس وبجبالها المخضرة طيلة السنة وبأنهارها ووديانها الرقراقة وسواحلها الممتدة على 3500 كيلومتر من طنجة إلى لكويرة وصحاريها الممتدة في الآفاق المنتجة للثمور بكل أنواعها وأصنافها .
حاليا ، حسب المعطيات المتوفرة المستقاة من موقع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ، تغطي سلسلة الحبوب لوحدها 71 % من المساحة الإجمالية للأراضي الصالحة للزراعة ، وتدرُّ حوالي 20% من رقم المعاملات الفلاحية الإجمالية وتساهم في التشغيل بنسبة 19 %.
وحسب نفس المصدر فإن مردودية الهكتار الواحد من الحبوب كانت قد ارتفعت بنسبة 42% ما بين 2003 و2019 وذلك من 12 إلى 17 قنطار للهكتار الواحد . أما الإنتاج فقد عرف من جانبه خلال خمس سنوات تحسنا بنسبة 25% منتقلا من 64 مليون قنطار ما بين 2003 و2007 إلى 80 مليون قنطار ما بين 2015 و2019 . وقد رافق هذا الارتفاع انخفاض المساحات المزروعة على المستوى الوطني بالحبوب بنحو الثلث : 32% أي من 5,35 مليون هكتار في 2008 إلى 3,65 مليون هكتار في 2019 .
ويندرج هذا الانخفاض في إطار الهدف الذي حددته الوزارة من أجل تقليص المساحات المزروعة بالحبوب عبر تحويلها إلى زراعات ذات قيمة مضافة عالية ، المتجهة إلى التصدير من أجل توفير العملة الصعبة وذلك مع ما لا يقل عن 1,4 مليون هكتار .
تجدر الإشارة إلى أن الإنتاج الوطني من الحبوب يساهم في خلق رقم معاملات يفوق 15 مليار درهم .
4 – الواقع الحالي :
إن إنتاج الحبوب برسم 2021-2022 كان متواضعا جدا بالنسبة للسنوات السابقة وبالنسبة لحاجياتنا الإستهلاكية العادية .
للذكرى والتذكير ، خرجت الصحف الوطنية خلال صيف عام 1969 بعنوان بارز يقول “بلغ محصول الحبوب سنة 1969 : 120 مليون قنطارا ” وكان عدد سكان المغرب آنذاك لا يتجاوز 14 مليون نسمة .
حاليا بلغ الإنتاج النهائي من الحبوب الرئيسية الثلاثة بالنسبة للموسم 2021-2022 ما مجموعه 32 مليون قنطارا ، بانخفاض يقدر ب57% مقارنة بمعدل سنة متوسطة حددها مخطط المغرب الأخضر في سقف 75 مليون قنطار وبانخفاض بنسبة 39 % مقارنة بالموسم السابق الذي كان اعتبر سنة متوسطة في إنتاج الحبوب ب52 مليون قنطار .
خلال الموسم الفلاحي 2021-2022 بلغ إنتاج الحبوب حسب النوع :
– القمح الطري – فارينا – المخصصة للخبز : 17,7 مليون قنطار ،
– القمح الصلب المخصص للمعجنات والكسكس : 7,9 مليون قنطار ،
– الشعير : 6,4 مليون قنطار ،
أي ما مجموعه 32 مليون قنطارا .
وقد بلغت مساحة الحبوب المزروعة خلال هذا الموسم 3,4 مليون هكتارا .
ويسجل تقرير وزارة الفلاحة أن سلسلة الحبوب تساهم في الاستهلاك البشري والتغذية الحيوانية ، الشيء الذي تترتب عنه تداخلات مهمة بين مختلف الأقطاب الفلاحية .
لذلك تمثل هذه السلسلة رهانات اجتماعية واقتصادية قوية بالنظر إلى وزنها الكبير وسط القطاع الفلاحي المغربي .
5. مصادر تموين السوق الداخلية :
وقد نوّعت بلادنا مصادر تزويد السوق الداخلية بالقمح من 25 بلدا من القارات الثلاث أوروبا وأميركا وآسيا ، وذلك تبنيا لاستراتيجية تنويع مصادر التموين ، حتى لا يتأثر السوق الداخلي بالعوامل الخارجية كما حصل بعد اندلاع الحرب الروسية-الأكرانية صباح يوم الخميس 24 فبراير 2022 ؛ وهكذا تصدرت الأرجنتين والبرازيل قائمة الموردين للقمح بأكثر من 40 % حتى شهر فبراير 2022 .
بسياسة التنويع هاته ، تمكن المغرب من تجنب انعكاسات تقلبات الأسواق الخارجية ، بسبب الحرب بين روسيا وجارتها أوكرانيا وهما المزودتان لبلادنا بالقمح اللين ، في الدرجة الثانية والثالثة .
للعلم فقد رفع المغرب من واردات القمح مع بداية السنة الجارية ، في ظل موسم فلاحي اتسم بقلة التساقطات المطرية الشيء الذي تسبب في انخفاض كبير في المحصول الوطني من الحبوب .
وحسب نشرة مكتب الصرف ، فإن بلادنا استوردت خلال شهر يناير المنصرم 805 آلاف طن من القمح ، مقابل 338 ألف طن في الفترة نفسها من سنة 2021 أي بزيادة قيمة نسبية 56,53 %.
وقد قفز ثمن طن القمح في نهاية شهر يناير المنصرم إلى 3238 درهما مقابل 2669 درهما سنة من قبل وهو ما يمثل زيادة بـ21,32 %.
ويستورد المغرب سنويا من الخارج خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وأوكرانيا من 60 إلى 75 مليون قنطار من الحبوب سنويا .
القسم الثالث
الظروف الدولية الوضعية
تتطلب الظروف الحالية إن على المستوى السياسي الدولي أو على مستوى طبيعة الجغرافيا الكونية من تغير المناخ والتلوث ونتائجه الكارثية على الزراعة ، اتخاذ عدد من الإجراءات الإحتياطية في إطار تخطيط استراتيجي محكم مدروس بعناية فائقة .
في هذا المسلسل المعقد الذي تحكمه حروب العقول وتتحكم فيه المصالح الآنية لكل دولة ومن أجل تقريبها إلى كل متتبع للظروف الدولية الصعبة ، سأحاول التذكير بالظروف الدولية العامة مع التطرق إلى إنتاج الحبوب عالميا وتصدير القمح دوليا .
1. الظروف الدولية العامة :
يتطرق عدد من المهتمين والمتتبعين والملاحظين للشأن العام وطنيا وإقليميا ودوليا لمعطيات عالية الأهمية ذات أبعاد استراتيجية لتدبير سوق استهلاك الحبوب ببلادنا بصفة خاصة وإشكالية التغذية والمجاعة بصفة عامة التي أصبحت تطل على البشرية بكليتها كنتيجة لعدة عوامل من أهمها :
– ا. الجفاف الذي أصبح يهدد البشرية جمعاء منذ عقود خصوصا منذ بداية عشرية الثمانين من القرن الماضي .
– ب. تزايد عدد سكان العالم الذي أصبح يدق أبواب 8 مليار نسمة
– ج. ضعف مستوى الإنتاج الفلاحي وتناقصه خصوصا في الدول . التي اصطلح عليها نعت “دول العالم الثالث” وبالأساس الدول عالية مستوى الفقر أو التي لم تتمكن من وضع استراتيجية لتنمية محاصيلها الزراعية والفلاحية بصفة عامة .
– د. تصاعد كبير جدا في أثمان الموارد والمواد التي تدخل في الإنتاج الفلاحي : اليد العاملة ، الطاقة ، المحروقات ، البذور ، الأسمدة ، المبيدات ، مستوى نسب التضخم المالي على المستوى الدولي وارتداداته على الإقتصاد العالمي ، تزايد مصاريف النقل والتأمين ، الخ .
– ه. نتائج وتوابع جائحة كورونا والحرب الروسية-الأكرانية :
* التأثيرات السلبية والقوية جدا التي خلفتها جائحة كورونا خلال أكثر من سنتين 2020-2022 على الإقتصادات العالمية من ضعف في الإنتاج وتزايد عدد البطالة والتضخم المالي مع توقف عدد كبير من وحدات الإنتاج في جميع القطاعات الإجتماعية والإقتصادية والمالية في كل بلدان العالم المتقدمة منها والنامية .
* وذلك نظرا لكون هاتين الدولتين من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للحبوب في العالم ، وما تلاه من مشاكل عويصة وتعقيدات شائكة في نقل الطاقة وازدياد تكلفتها الثقيلة التي يؤديها المستهلك في نهاية مطاف سلسلة التوزيع .
– و. مخاوف كبيرة من تزايد فرضية حرب جديدة في المحيط الهندي والمحيط الهادي على ضوء الصراع الباطن-الظاهر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول قضية فورموزا-طيوان التي قد تتسبب في اندلاع حرب نووية كونية ، لا قدر الله .
– ز. نظرا للظروف الدولية العالية التأزم ، أسوق أمثلة بعض الدول التي اتخذت قرارات سياسية صعبة حتى لا أقول عالية الخطورة على الإستهلاك الغذائي العالمي وتأثيرها على الدفع بتهديد المجاعة إلى آفاق مخيفة :
– فرملت الهند أو امتنعت في بعض الحالات من تصدير الحبوب إلى دول أخرى ،
– رفضت ماليزيا تصدير السكر ،
– امتنعت أندونوسيا من تصدير الزيوت .
– الخ …
يظهر جليا من هذا السياق أن كل دولة أصبحت تتخذ الإجراءات الإحتياطية السيادية لحماية مواطنيها من آفة المجاعة والخصاص تزامنا مع أفول قيم التضامن والتكافل والتعاون التي تنادي بها أيام السلم والوفرة .
– ح. تراجع قيمة الدولار واليورو في السوق المالية الدولية وبداية تعامل عدد من الدول في معاملاتها الثنائية بالعملات الوطنية ، وعدد من دول أخرى بالعملات الإلكترونية الرقمية كالبيت-كوين والدوك-كوين والإتروم وغيرها رغم الإنزلاقات التي تعرفها حاليا
– ط. تكاثف هاته العوامل جعل معطيات جديدة مختلفة تبرز وتأجج شروط ضعف الإستقرار في الأسواق المالية والتجارة الدوليتين بالموازاة مع اهتزاز علاقات الثقة بين جميع الدول على المستوى العالمي الثنائي والمتعدد الأطراف .
وهكذا أصبحت نسب التضخم المالي في أوربا والولايات المتحدة الأميريكية والدول النامية تعرف سقوفا لم تلمسها منذ أكثر من أربعة عقود ، الشيء الذي يكون تهديدا خطيرا جدا على السلم الإجتماعي في كل الدول ، وما قد تفرزه تداعيات هاته الإهتزازت على التوازنات الإجتماعية والمالية والإقتصادية والسياسية .
2. انتاج الحبوب عالميا :
* ملاحظة أولية : أود تسجيل وتأكيد ملاحظة منهجية حول الأرقام المقدمة في هذا البحث ، ذو البعد العملي الواقعي والنهج الأكاديمي البحثي المستخرج من المعطيات المرقمة ومن فضاء العلاقات الدولية المشاكسة ، من إنتاج وتصدير للحبوب بصفة عامة أو القمح كعنصر أساسي في التغذية حيث أن المعطيات المقدمة تختلف من مصدر لآخر .
في نسق منهجية التفاعل مع هذه المعطيات ، حاولت وضع معدلات تقريبية التي استقيتها من المصادر المتوفرة في عدة منصات التواصل وويبوغرافيا وبيوغرافيا المستخرجة من محركات البحث المتوفرة موازاة مع نشرات المؤسسات الرسمية كبنك المغرب ومكتب الصرف والمندوبية السامية للتخطيط وغيرها.
وهكذا ، تجاوز إنتاج محصول الحبوب خلال موسم 2020-2021 على المستوى الدولي 2780 مليون طن بزيادة قدرها 2,6% بالنسبة لسنة 2019-2020 أي ما يقارب 3 مليار طن سنويا أي ثلاث تريليون كيلو .
يشمل هذا الإنتاج :
– الذرة : 1.207.000.000 ط
– الأرز : 508.000.000 ط
– القمح : 758.000.000 ط
إن هذا الرقم لحوالي 3 مليار طن ، يظهر نظريا ، أنه لو كان العالم منظما ومهيكلا على شكل هرم دولة وحيدة واحدة لكان لكل إنسان 384,62 كيلو سنويا من الحبوب أي ما يكفيه لأكثر من ثلاث سنوات … ولكن هيهات …
فيما يلي أهم الدول المنتجة للحبوب أي القمح ، الشعير ، الذرة ، الأرز ، الخرطال، الصويا ، الخ هي :
– الصين : 582.660.863 طن ،
– الولايات المتحدة الأميركية : 475.983.881 طن ،
– الهند : 294.711.871 طن ،
– روسيا : 117.749.733 طن ،
– أندونوسيا : 97.667.060 طن ،
– برازيل : 84.128.489 طن ،
– أرجنتين : 67.024.441 طن ،
– كندا : 66.000.000 طن ،
– أوكرانيا : 65.211.480 طن ،
– فرنسا : 56.900.000 طن ،
– بنغلاديش : 56.388.892 طن ،
* المجموع : 1,965 مليار طن .
نلاحظ أن 11 دولة على حولي 206 دولة (193 أعضاء بهيئة الأمم المتحدة) أي 0,053 % تنتج 1,965 مليار طن أي 70,68% من الإنتاج العالمي .
تساؤلات عديدة تفرض نفسها بالنظر إلى هاته الأرقام .
3 – أهم الدول المنتجة للقمح عالميا :
تجاوز إنتاج القمح على المستوى العالمي 553 مليون طن سنويا على أساس الأرقام المستقاة من محرك البحث كوكل .
نسجل أن نسبة إنتاج القمح على المستوى العالمي هي 19,89 % بالنسبة لمحصول الحبوب الذي وصل خلال الموسم الفلاحي الاخير 2,780 مليار طن .
فيما يلي الدول الأساسية المنتجة للقمح عالميا :
– الصين : 134 مليون طن ،
– الهند : 108 مليون طن ،
– روسيا : 85 مليون طن ،
– الولايات المتحدة الأميركية : 50 مليون طن ،
– الإتحاد الأوربي : 127 مليون طن ،
– كندا : 35 مليون طن ،
– باكستان : 26 مليون طن ،
– اوكرانيا : 25 مليون طن ،
– تركيا : 18 مليون طن ،
– أرجنتين : 18 مليون طن ،
– إيران : 15 مليون طن ،
– كزاخستان : 14 مليون طن ،
– انجلترا : 10 مليون طن ،
– مصر : 9 ملايين طن ،
– برازيل : 6 مليون طن .
توحي لائحة أسماء هاته الدول بالإشارة إلى أن عددا من الدول العربية يمكن لها أن تتبوء مكانة مشرفة في قائمة الدول المنتجة للحبوب كالمغرب والسودان .
للوصول إلى هذا الهدف ومن بين الجوانب الممكن التركيز عليها للدفع بالإنتاج إلى مستويات رفيعة : توسيع المساحات المزروعة ، تحسين نوعية الحبوب وإنتاجياتها ، اختيار الحبوب ذات الإنتاجية العالية ، تحسين تقنيات الزراعة والحرث ، تعميم استعمال الآلات العصرية للبذر والحرث والحصاد في الجبال كما في السهول ، تكييف نوعية الحبوب المزروعة مع طبيعة التربة ، إغناء التربة المحروثة عبر استعمال أوسع للأسمدة ، الخ .
4 – تصدير القمح عالميا :
جاء في أحد التقارير أنه تم توريد 270 مليون طن من القمح عالميا خلال 2010 ، بينما وصل إلى 660 مليون طن في 2020 ، أي أن واردات القمح ازدادت بما قدره 390 مليون طن على المستوى الدولي ، في الوقت الذي ازداد فيه عدد سكان العالم خلال هاته القترة ب 14% أي بما قدره حوالي مليار نسمة .
يبين هذا المعطى بوضوح كبير جدا أن الإنتاج الفلاحي تقهقر بشكل فظيع في الوقت الذي تزايد فيه عدد سكان العالم بحوالي 1,8 مليار نسمة في خلال عقد واحد . إنه معطى مقلق جدا وتحذيري لمدبري الشأن العام على المستوى العالمي إذ ينذر بمخاطر اجتماعية قد تكتسح الساحة الإجتماعية الدولية .
ا. الدول المصدرة للقمح على المستوى العالمي :
– روسيا : 19,5 % مقابل 10,3 مليار $
– كندا : 13,9% مقابل 7,13 مليار $
– الولايات المتحدة الأميركية : 13,7% مقابل 7,04 مليار $
– فرنسا : 9,26% مقابل 4,76 مليار$
– اوكرانيا : 8,97% مقابل 4,61 مليار $
– أسترليا : 5,21%
– ألمانيا :4,32%
–أرجنتين : 4,17%
– ليتوانيا : 2,52%
– بولونيا : 2,32% .
وتعتبر روسيا وأوكرانيا من بين كبار مصدري القمح في العالم ، لذلك فإن تعطل الصادرات من هاتين الدولتين أثر على الأمن الغذائي العالمي .
ب. أكبر الدول المشترية للقمح في العالم :
* مشتري القمح الروسي :
مصر : 32.1% ، تركيا : 16.5% ، نيجيريا : 5.5% ، بنغلادش :4.1% ، باكستان : 3.9% .
* مشتري القمح الكندي :
الصين : 17.9% ، إندونيسيا : 7.3% ، اليابان : 7.2% ، إيطاليا : 6.3% ، الولايات المتحدة الأميركية : 6% .
* مشتري القمح الأمريكي :
الصين : 13.2% ، الفلبين : 11.5% ، المكسيك : 10.8% ، اليابان : 9.4% ، كوريا الجنوبية : 5.1%.
* مشتري القمح الفرنسي :
الأرجنتين : 18.7% ، الصين : 12.2% ، بلجيكا : 8.9% ، المغرب : 8.3% ، هولندا : 7.8% .
نلاحظ من خلال هاته القوائم أن زراعة الحبوب وتصديرها يمكن خزينة الدول من الحصول على مداخيل عالية جدا من العملة الصعبة.
وبما أن الموقع الجغرافي للمغرب جعل مناخه متقلبا خلال العقود الأربعة الماضية ، رغم وجوده على ضفتي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وتتوسطه أربع سلاسل من الجبال ، فمن المفروض أن ينظر مهندسونا وتقنيونا ذوو الإختصاصات في هذا الميدان إلى التفكير في استخراج الخيرات المائية المتوفرة في باطن الأرض الممتدة من منطقة سهل طريفة المحتضن لمدينتي وجدة والسعيدية إلى قلب صحرائنا مابين مدينتي العيون والسمارة ومن قائل حتى أبعد جنوبا .
تأكد عبر التاريخ أن البحث العلميRecherche-Développement المدبر والمسير من طرف أبناء الوطن هو النهج الوحيد والأوحد الذي يضمن تقدم الدول والأمم ، وهذا مهما كانت إرادة الدول الصديقة والشريكة في توسيع بنية التعاون الدولي الثنائي أو متعدد الأطراف .
في هذا المسار وفي مسلسل الظروف الدولية الراهنة ، علينا التفكير بجدية عالية للمناداة على أطرنا الذين غادروا وطنهم المغرب إلى بلاد المهجر للعودة إليه والعمل على المساهمة في تنميته مع توفير كل الإمتيازات المستحقة لهم وتمتيعهم بجميع شروط الحياة الكريمة . إن مهندسينا ذوو التخصصات في الميدان الفلاحي لهم من الكفاءات العالية والقدرات العلمية ما يجعلهم يساهمون في رفع الإنتاجية الفلاحية بكل مكوناتها ببلادنا وتحسين نوعيتها .
سيمكننا هذا التوجه من الحصول على الإكتفاء الذاتي في القطاع الزراعي من جهة ، ومن جهة أخرى توفير العملة الصعبة التي تنفقها خزينتنا لتوريد الحبوب واستثمارها في قطاعات منتجة ، ونتمكن كذلك عبر هذا التوفير من تغطية واردات الحاجيات التي لا ننتجها في بلادنا .
الخاتمة
هل فعلا دخلنا في نظام عالمي جديد في ظل أزمة الأمن الغذائي العالمي ؟
هل الإقتصادات والنظم المالية التقليدية باتت على أبواب التبخر على ضوء الصراعات الدولية المتعددة الميادين والأطراف التي من نتائجها تفاقم الأزمة الغذائية وتصاعد التضخم الذي لم يعرف مثيله في الأسواق المالية العالمية منذ أربعة عقود ؟
إن الأمن الغذائي العالمي نتيجة وآلية ؛ فهو نتيجة لعوامل طبيعية وبشرية ، ووسيلة تؤلل لتحقيق مآرب سياسية وجيو-سياسية واقتصادية .
مثقل بقوة بشرية هائلة من 7,8 مليار نسمة ، أصبح الأمن الغذائي العالمي وزنا ثقيلا في موازين القوى للعلاقات الدولية خصوصا في قلب الأزمة الحالية التي يمر بها العالم ؛ فهي مختلفة الجوانب ومتعددة الأبعاد : غذائية ، مالية ، اقتصادية ، عسكرية ، اجتماعية ، سياسية وطاقية .
على ضوء تهديد المجاعة للبشرية جمعاء ، أتابع على عدد من القنوات التواصلية من تلفزة ومنصات التواصل الإجتماعي عددا من المتكلمين والخطباء والمنظرين الذين يتنافسون في تقديم تعاريف للحضارة الغربية منها والشرقية وإدماجهما في تعاريف للحضارة الإنسانية .
كل واحد يشنف أسماعنا بتعاريف مكتنزة بمفردات مضخمة عن الحضارة . وحين نمعن النظر ونركز السمع نجد أن الحضارة التي يتحدثون عنها هي حضارة الحديد المجسدة بأشكال وأنواع السيارات الفخمة والبواخر السياحية والطائرات المدنية والحربية والمدرعات والصواريخ وقس على ذلك ، وأنواع الملابس وأشكال المأكولات … كل هذا في غياب القيم الإنسانية الأساسية .
في نفس الوقت تحصي فيه المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة :
– ملايين الجوعى في عدد من القارات وتسجل أرقام الإحصاءات أن إنتاج الحبوب يفوق سنويا حاجيات الإستهلاك العالمي بسقوف عالية جدا ،
– وفي نفس الوقت تهدد المجاعة البشرية ويخيف الخصاص الغذائي عددا من الأمم والساهرين على تدبير شأنهم ويجعل فرائصهم ترتعد وجلودهم تقشعر خوفا من ارتدادات الأمن الأهلي عليهم في دولهم .
هل هي حضارة الشرق هاته أم حضارة الغرب أم حضارة الخطب الرنانة ؟
لغات فصيحة تتفجر هنا وهناك وتتحدث عن الحضارة الإنسانية في نفس الوقت الذي يفتك فيه الجوع بمآت الملايين من أبناء وبنات آدم وحواء في القارة الإفريقية على وجه الخصوص .
هنا تهدد دول بالسلاح الغذائي ، وهنا تهدد قوة عظمى بالسلاح النووي والبيولوجي والكيماوي ، وهنا تهدد أخرى بسلاح فرط-صوتي واللايزر والنيوترون … في وقت يموت فيه الجوعى من بني جلدتهم البشرية على ربوع هذا الكوكب .
حين تخسف القيم الإنسانية الحقيقية القحة الأصيلة ، وتقدم على طابق المحاباة قيم النفاق من أجل الإستهلاك القذر والإبتزاز ، فأين هي الحضارة الإنسانية ؟ الكل يتشدق بكلمة الإنسانية التي أصبحت كلمة جوفاء غوغائية وأحرف بدون معنى ولا مذاق ولا أي محتوى الذي من المفروض أن يبلغ عن مفاهيم نقية سامية ذات أبعاد إنسانية حبلى بالحب والرأفة والرحمة والتسامح والتكافل والتعاون والتضامن .
تبا لحضارة مدمرة مخربة تدعي لنفسها حضارة إنسانية متفوقة،
تبا لحضارة قاتلة بالحديد والنار والأمواج الهيدرو-مغناطيسية والنووية وتدعي لنفسها التقدم والتحضر وتتكلم باسم الحضارة الإنسانية في الوقت الذي تحتقر البشرة السوداء وحرية الإختيار الديني والفكري ، ويموت الناس بالجوع ،
تبا لحضارة تفرض رأيها على الآخر ، كل الآخر ، باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وتستغل خيراتها باسم المساعدة والتعاون الدوليين وتستلب شعوبها باسم الصداقة المزيفة ،
تبا لحضارة يموت في فضائها الملوث ، بالتغييرات المناخية المتتالية الحطامة ، ملايين من بني الإنسان بالجوع وتنتحر بالجهل … ورغم ذلك تتنفس الأمل على أن تعود من جديد للحياة لا لتنتقم ولكن لتبسط قيم الحضارة الحقيقية التي تحترم الآخر وتبني وتشيد صروح الحق والعدل والمساواة حسب العمل والإستحقاق ، والعيش الكريم لبني البشر كل البشر .
التحكم والتملك مصطلحان يسكنان عمق التربية الأخلاقية للإنسان ويستحوذان على أبعاده السيكولوجية ، إذ يجسدان عند الإنسان البدائي بعدا عميقا للفردانية والأنانية والنرجسية .
فهما يسكنان أحشاء كل إنسان غابت عنه قيم الحق والعدل والمساواة والتنكر لإنسانيته التي من المفروض أن تكون متحضرة ، هاته الإنسانية المتبلورة عبر ثنايا الحضارات المتجددة قرنا بعد قرن ، والتي تكونت عبر حقب وأزمان وقرون ، الحضارة بمفهومها الثقافي وليس المادي الذي يعمي البصر والبصيرة .
هكذا طغت على هذا الإنسان المتقدم ماديا والمتخلف حضاريا ، طغت عليه ميولاته النرجسية الخلقية – بفتح خ – بكل أطيافها الأنانية العميقة التي تفرز روحا عدوانية تتماها مع رواسب العمق البدائي المتجذر في خلايا الإنسان الأول .
كيف يمكن رفع نوعية العلاقات البشرية إلى مستوى إنساني سامي متحضر بوجود رواسب من هاته الأبعاد الذاتية التي تسكن أعماق صدور من يتحكم في رقاب البشرية عبر العالم ، من نخب وحكومات وأجهزة تنفيذ ؟
كيف يمكن للبشرية جمعاء ولكل الأمم والشعوب ، التي تتوق إلى الحرية والعيش الكريم ، أن تنعم بالهناء والطمأنينة في ظل هاته العقلية التي تحرمها من الأمن الغذائي والسيادة الغذائية التي منحتها الطبيعة ، منذ الأزل ، إلى كل ساكنة البسيطة بدون ميز ولا تمييز ؟
لقد وفرت الطبيعة للإنسان كل موارد الأمن الغذائي بكمية كبيرة جدا من أجل عيش كريم ، ومنحته القدرة على العمل واستخراج الخيرات من باطن الأرض ومن أعماق البحار ومن جو السماء ليعيش هنيئا مطمئنا مرتاح البال .
فلماذا فقد الإنسان أمنه الغذائي على وجه كوكبنا الذي توفرت فيه كل مصادر الحياة الكريمة هاته ؟
… وللحديث بقية …
بقلم الأستاذ بوزيد عزوزي .
تاونات في الإثنين 04 يوليوز 2022 – 04 ذي الحجة 1443 .
………………….
نبذة مختصرة للسيرة الذاتية
للأستاذ بوزيد عزوزي*: من مواليد تاونات ،
– أستاذ جامعي : 1996 – 2016 ،
– مدير مديرية المساهمات المالية والصناعية والسياحية 1983-1987 بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي BNDE ،
– مدير مديرية المقاولات المتوسطة والصغرى 1987-1994 بالبنك الوطني للإنماء الإقتصاديPME BNDE ،
– مستشار المدير العام للمكتب الوطني للمواصلات السلكية واللاسلكية ONPT – 1996-1995 ،
– مدير مديرية التعاون الدولي والتمويل وتنمية القطاع الخاص بوكالة تنمية الأقاليم الشمالية 1996-1999 APDN ،
– مدير المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط 1999- 2004 .
——————————-