تاونات… مدينة لم تستفد من مؤهلاتها الفلاحية والسياحية

مدينة تاونات

مدينة تاونات

لم يكن من نصيب تاونات، التي حملت صفة عمالة في 1977، إلا أن تكون محاطة بمدن تعاني التهميش والإقصاء. لذلك كان لا بد أن تشرب هي الأخرى من نفس الكأس. لقد أحاطت بها من الشمال مدن الشاون، المتهمة بزراعة نبتة الكيف، ومن الشرق تازة التي تبحث عن نفسها. أما من جهة الغرب، فتوجد مدينة سيدي قاسم، ذات التاريخ السياسي المتقلب، والذي فرض عليها أن تتراجع خطوات إلى الوراء بسبب جرم ارتكبه أحد أبنائها ضد نظام الحكم.
تقول الدراسات الإحصائية إن الإقليم يصنف ضمن المناطق الأقل تمدنا، حيث يصل المعدل فيها إلى 10 في المائة، في الوقت الذي يصل المعدل الوطني لأكثر من خمسين في المائة. ولا شك أن لهذا الوضع أسبابه التي لا تخفيها ساكنة تاونات، التي تستعرض الفقر الذي تعانيه على مستوى التجهيزات الكافية من مجاري الصرف الصحي والتي لا تزال الكثير من أحياء المدينة تنتظرها، ونظافة، وماء صالح للشرب. أما اقتصادها، فلا يزال يعتمد في نسبة كبيرة على فلاحة القرى والبوادي المجاورة. وهو ما يعني أن شباب تاونات لا يزال ينتظر هو الآخر متى تستفيد من مناطق صناعية، كما هو متوفر في بعض المدن المجاورة، لكي يجد فرص شغل يمكن أن تستوعبه، وتقلص من نسب البطالة المرتفعة في تاونات بنسب عالية. وحدها بعض معاصر تحويل الزيتون، هي التي تنتشر هنا وهناك. وهي معاصر تعتمد في نسبة كبيرة على كل ما هو تقليدي. إضافة إلى بعض مظاهر الصناعة التقليدية التي تحرك حياتها الاقتصادية.
لكن النشاط الفلاحي، هو الذي يظل المورد الحقيقي لتاونات حيث يرتكز على زراعة الحبوب والقطاني، وغرس أشجار الزيتون والتين، الذي تعرف به المنطقة أكثر نظرا لجودته. إضافة إلى تربية المواشي. وقد ساعد تاونات وجود مساحات مسقية بالنظر إلى الطاقات المائية القابلة للتعبئة التي تملكها الجهة بتواجد سدي الوحدة وإدريس الأول، ثم سد الساهلة.
يقال إن كلمة «تاونات» تعني العقبة. لذلك يلاحظ زائر المدينة تواجد مرتفعات ومنحدرات تجعل من المدينة عقبة كبيرة حيث بنيت على هضبة. تماما كما هو حال جارتها تازة. وتخترقها طريق الوحدة، التي سبق أن أحدثت لربط شرق المغرب بغربه مباشرة بعد استقلال البلاد.
تاونات هي اتجاه الشرق للغرب، في اتجاه الطريق الرابطة من أكنول شرقا، إلى وزان غربا. وهي اتجاه الشمال للجنوب، في اتجاه الطريق الرابطة بين كتامة شمالا وفاس جنوبا. وهي الطريق التي تشكل الشريان الرئيسي للإقليم والمدينة.
أما تاريخ تأسيس تاونات، فيعود إلى العهد الموحدي، ما بين القرنين 12 و 13 حينما غادرت قبائل مزياح، والجاية، والرغيوة، منطقة زرهون بالقرب من مكناس، لتستقر بتاونات. كما تحتضن مجموعة من القصبات الشاهدة على مرور المرابطين من المنطقة كقصبة جبل أماركو. وعلى الرغم من الأصول الأمازيغية لساكنة تاونات، إلا أنها تعربت منذ القرن الـ11. وهو ما يفسر طريقة نطقها وتواصلها بلغة عربية يقال إنها تنتمي للغة بني هلال.
تاونات هي أيضا مدينة التين والزيتون، التي أقسم بها الله تعالى.
لكنها أرض الكيف أيضا، الذي ظلت نبتته تزرع في محيط المدينة والإقليم باعتبارها منطقة جبلية وهي التي يطلق على ساكنتها لقب « جبالة». وهو اختيار فرض على تاونات، أن تتحول في رمشة عين إلى التمدن الذي صاحبته أحياء القصدير والبناء العشوائي الذي يفتقر لأبسط شروط الحياة. والحصيلة هي أن تاونات تفتقر اليوم لبرامج للتنمية المستدامة باستفحال التهميش الذي طالها لسنوات. كما تفتقر لتخطيط اقتصادي إنمائي كان يفترض أن يصاحب افتتاح العمالة من يوم نشأتها. لذلك تجد الساكنة نفسها مضطرة للجوء إلى زراعة الكيف في بعض المساحات المتواجدة شمال غرب تاونات.

بوعادل بنواحي تاونات

بوعادل بنواحي تاونات

لا يمكن أن نتحدث عن تاونات أيضا دون أن نذكر ارتباط ساكنتها بالخيول، على الرغم من أن البنية هشة، بل ومنعدمة في هذا المجال، حيث لا توجد بالمنطقة إسطبلات نموذجية، ولا تصل المولعين بالفرس أي إعانات للتربية والترويض. كما أن مدارس للتأهيل والتخصص بالفروسية منعدمة. ناهيك عن الملاعب المخصصة للتداريب. لذلك لا يملك المولعون بركوب الفرس إلا الاعتماد على أنفسهم لحماية هذا الموروث الثقافي من الاندثار.
تاونات هي فوق مؤهلاتها الفلاحية، مكان سياحي لا يحتاج إلا لبعض الاهتمام والعناية. ويشكل منبع «بوعادل» اليوم بطبيعته البكر حيث يقع عند سفوح جبال تاونات، مشروعا سياحيا جبليا للمستقبل قد يوازي في جماليته شلالات «أوزود» التي تتواجد بمنطقة أزيلال. غير أن الوصول إلى هذا المكان، يفرض على الزائر الصعود عبر التواءات إلى جبال تاونات. ومع ذلك فلا تملك الساكنة، حينما تشتد درجة الحرارة لتتجاوز الأربعين، إلا أن تصعد الجبل في اتجاه «بوعادل» حيث ظلال الأشجار ومنابع المياه. غير أن المنطقة لا تتوفر على فنادق أو مطاعم يمكن أن تستقبل زوارها. لذلك يؤثر نقص، بل انعدام التجهيزات السياحية والطرق بشكل كبير على تسويق هذه المنطقة سياحيا. كما أن مشاريع تهيئة الفضاء الذي خضعت له المناطق المحيطة بالمنبع في الفترة الماضية، لم تأت بأي جديد، ولم تغير شيئا في واقع الحال، لأنها مشاريع لم يتم إدماجها ضمن مخطط شمولي لتنمية الجماعة وتثمين مواردها الطبيعية والفلاحية.
غير أن جمالية المكان لا تزال تخفي وراءها قبح فقر المنطقة وهشاشتها، حيث تعيش الساكنة التي تقدر بحوالي 1500 نسمة على الزراعة البسيطة والرعي. ويقض ملف التعليم في هذه المنطقة على الخصوص، مضجع الساكنة التي تتحدث عن أرقام مهولة في الهدر المدرسي حيث تنعدم المؤسسات التعليمية الإعداية والثانوية. كما تنعدم الداخليات ودور الطلبة.
غير أن ساكنة المنطقة لا تزال تنتظر لسنوات متى يخرج مشروع تعبئة مياه منبع «بوعادل»، الذي راهنت عليه ليغير وجهها، ويوفر لها مناصب شغل.

أحمد امشكح- جريدة “المساء” /15يوليوز2015 –العدد :2734

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7607

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى