من دواوير جماعة كلاز
رشيد الكويرتي –عن”هسبريس”:”تاونات نت”/“وصف أوكوست مولييراس بلاد الجاية (جماعة كلاز) بإقليم تاونات أواخر القرن الـ19 ببلاد البهجة، وهي البلاد التي كانت تسمى، أيضا، بلاد الزبيب، حيث كثرة مغارس العنب والتين والزيتون والبرتقال”، هكذا أجاب محمد العبادي، أستاذ سابق بثانوية العهد الجديد بكلاز وعضو فريق البحث في الأمكنة والمجالات والمشاهد بمركز الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس، عندما سألته هسبريس عن واقع جماعة كلاز من منظوره كعارف بهذا المكان وبجغرافيته وتاريخه.
تعد جماعة كلاز من بين أفقر الجماعات الترابية بإقليم تاونات حسب مؤشرات التنمية. جماعة ظلمها الإنسان والجغرافيا، فعانت من التهميش لعقود، زاد من معاناة ساكنتها وجودها في مجال جغرافي صعب التضاريس، حيث تشكل مقدمة لجبال الريف، المعروف بطبيعته الوعرة.
العزلة القاتمة
“كانت جماعة كلاز منطقة غنية بالبساتين والجنان من الفواكه والخضر والمياه، ويغلب على سكانها الاحتفال بالمواسم والمهرجانات والأعياد”، يقول محمد العبادي في لقاء له بالموقع، مضيفا “أن سمة إحياء المواسم هي التي ما زالت تميز، اليوم، سكان كلاز، حيث لا يفوتون الفرصة للاحتفال بمواسم عدد من الزوايا، مثل زاوية سيدي عبد الرحمان. “وقد أصبحت البهجة، مع مرور الوقت، معكوسة ومقرونة بالعبوس والبؤس، نظرا لتغير الأحوال السوسيواقتصادية للسكان”، يوضح العبادي.
“لقد تراجعت البساتين وشح إنتاج الحقول والمغارس، ولم تعد كلاز مقرونة ببلاد الزبيب إلا في بعض الدواوير المحدودة جدا”، يوضح متحدث الموقع، الذي أكد أن سكان هذه الجماعة يضطرون لترك قراهم والهجرة إلى المدينة للارتقاء بمستوى معيشتهم، خاصة نحو مدينة طنجة.
ما قاله العبادي أكده كمال العمراوي، شاب من دوار القليعة، الذي ذكر للموقع أن سكان دواره والدواوير المجاورة يعانون صعوبات كبيرة في الوصول إلى الطريق المعبدة، حيث تبقى وسيلتهم الوحيدة لذلك استعمال الدواب وقطع نهر ورغة ركوبا على القوارب؛ مبرزا أن الصعوبات تزداد خلال فصل الشتاء، “جماعة كلاز مثل السجن، تحيط بها الوديان من كل الجهات، هناك نهر ورغة وواد أولاي وواد أمزاز”، يوضح كمال، الذي أكد أن الناس معذبون في المنطقة، حيث منهم من يقطع 10 كلم للوصول إلى الطريق المعبدة.
معصرة بجماعة كلاز
سيدة مسنة، من دوار علونة، ربطت حمارها جنب الطريق وتستعد للتنقل إلى السوق الأسبوعي مستقلة سيارة للنقل السري، قالت في حديثها مع الموقع: “بلادنا جميلة، ولكن لا توجد الطريق، لا يوجد مستوصف، إذا مرضنا علينا أن ننتقل إلى مدينة تاونات.. حتى مستوصف كلاز بعيد عنا، يلزمنا 10 دراهم لكي نصل إليه”.
من جانبه، قال نبيل أمزيان، خريج من جامعة فاس، كان في زيارة لمسقط رأسه بدوار قليعة أولاد كيلان، في حديث له مع الموقع: “جغرافية المنطقة واضحة، عندما تكون هناك أمطار يصبح عبور نهر ورغة صعبا، ولا يمكن قطعه ولو باستعمال القوارب، نحن منسيون على مستوى المرافق والبنية التحتية”.
“لمن نوجه الرسالة؟.. الواقع يحكي عن نفسه بنفسه.. الأسر تعاني في هذه الجبال، والوضع كارثي.. المنطقة في حاجة إلى الطريق، مطلب غالبا ما يتم استغلاله خلال الانتخابات لاستمالة الناخبين.. دائما يقولون ن الطريق سيتم إصلاحها ونحن ننتظر”، يوضح نبيل أمزيان، الذي أضاف بالقول: “حتى سكان جماعة كلاز لهم ثقافتهم وتاريخهم، يجب على المسؤولين أن ينظروا إلى هذه الدواوير التي تعاني العزلة.. حتى الزيتون، الذي يشكل اقتصاد المنطقة، لا يكون إنتاجه دوما وفيرا.. والسماسرة يتدخلون في خفض ثمنه، ما يعمق معاناة الساكنة”.
في اتجاه جماعة كلاز
مشتل للخادمات
لم تنعكس ظاهرة الفقر بجماعة كلاز على الذكور فقط، الذين يضطرون إلى الهجرة صوب المدينة؛ فقد مست الظاهرة، كذلك، فئة الإناث، حيث تشكل هذه الجماعة مشتلا ومصدرا لخادمات المنازل إلى المدن المغربية؛ أمر أكده محمد العبادي، المطلع على شؤون المنطقة، والذي قال للموقع في هذا الصدد: “فتيات الجماعة يهجرن بيوت أسرهن للعمل كخادمات منازل في المدن الكبرى لأجل مساعدة أسرهن الهشة، وبخاصة في دوار بني بوزولات، المعروف بتصدير خادمات البيوت”.
جماعة كلاز بتاونات … العزلة تفتت الحجر وتغتال بهجة البشر
المتحدث ذاته لم يفوت الفرصة للحديث عن العزلة التي تعيشها جماعة كلاز برمتها، زاد من حدتها انهيار القنطرة الوحيدة التي كانت تربط الجماعة بالعالم الخارجي، سنة 2010، والمتمثلة في قنطرة واد أمزاز، وهي المنشأة التي خلفها الاستعمار الفرنسي، حيث لم يشرع في إعادة بنائها، إلا منذ أشهر معدودة، وذلك بعد سلسلة من الاحتجاجات خاضتها الساكنة.
العبادي أشار، كذلك، إلى كون المشروع الوحيد الذي جلبه مخطط المغرب الأخضر للمنطقة، والمتمثل في معصرة عصرية للزيتون، التي تم تمويلها في إطار برنامج تحدي الألفية بمليار و500 مليون سنتيم، لإنتاج زيت الزيتون البكر الممتازة، مشروع تعترضه الصعوبات، يؤكد العبادي، وتتمثل أساسا في ضعف البنية التحتية وضعف تأطير الفلاحين والتعاونيات؛ وهو “ما جعل هذا المشروع يتهدده الفشل، بعد أن كان يعول عليه لزرع بذور التنمية بمنطقة كلاز”، بتعبير المتحدث .