دوار عين باردة بجماعة البيبان
عبد الله الكرضة:”تاونات نت”/في زماننا ومكاننا هذين(بداية القرن الواحد والعشرين/ المغرب ـ تاونات ـ جماعة البيبان؛ أصبحنا نعيش جملة من التغيرات والتحولات المتوالية في مختلف المجالات، على رأسها المجالين: الاقتصادي والاجتماعي، باعتبارهما الأكثر نشاطا لدى أهل المنطقة في ظل غياب أنشطة أخرى موازية ومدرة للدخل، إلى جانب تغيرات وتحولات مثيرة نشهدها مؤخرا تهم الجانب التربوي والثقافي لأفراد الساكنة، حيث تظهر العلاقة الجدلية بين كل هذه المجالات المتداخلة فيما بينها والتي يصعب أحيانا تفكيك جذور العلاقة بينها أو تحديد أسبقية مجال عن آخر في قضية التأثير والتأثر. لكن يبقى الظاهر أن هناك مشكلا بنيويا اجتماعيا واقتصاديا يؤدي إلى مشكل ثقافي وتربوي أو العكس.
فعلى المستوى الاقتصادي؛ نجد مصادر الدخل اليومي للساكنة قد انتقلت بسرعة مؤخرا من الاعتماد على المداخيل الفلاحية المعاشية البسيطة من منتجات الفلاحة المسقية على جوانب الأودية صيفا، والمنتجات البورية المتنوعة على مدار السنة: من برقوق، وتين، وعنب، وزيتون، وقمح، وفول، وبشكل ضئيل جدا شبه منعدم، اللوز والصيد البري، إلى جانب الرعي وتربية المواشي؛ لكن الأمر بعد ظهور نبات القنب الهندي، نهاية التسعينات وبداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة التي نعيشها الآن، تغيرت رؤية السكان تجاه طريقة العيش الفلاحية السابقة (رغم تحفظ مجموعة من الأسر وامتناعها عن ممارسة هذا النوع من الفلاحة لوازع ديني/ أخلاقي، أو بسبب وعيها بخطورة هذه الفلاحة على الصحة والنباتات الفلاحية الأخر)، وانتقل غالبية السكان إلى زرع هذه النبتة التي اعترف السكان بعد مدة أنها دمرت النمط الفلاحي الأول الموروث عن الأجداد، وأضعفت قدرة التربة على تطعيم باقي الأشجار والنباتات الفلاحية الأخرى، و هناك من فسر جفاف الأودية وتراجع نسبة كبيرة جدا من المخزون المائي في المنطقة، بأن زراعة هذه النبتة هو السبب، كما اعتبروها السبب في قلة الأمطار وفساد الأخلاق، و السبب في بعض الكوارث الطبيعية التي حدثت في المنطقة؛ مثل تساقط الثلوج الذي خلف أضرارا جسيمة معنوية ومادية تمثلت في انكسار شجر الزيتون والتين واقتلاع بعضها من الجذور.
صورة-للكيف-بمنطقة-غفساي
كما اعتبرها البعض سبب رفع البركة عن هذه الأرض التي كانت ذات مرحلة محجا لطلاب القرآن الكريم من مختلف مناطق المغرب؛ شمالا وجنوبا شرقا وغربا، الذين كانوا يحصون بالعشرات في كل مسجد من مساجد البلدة التي يبلغ عددها ثمانية مساجد. فتم التراجع رويدا رويدا عن زراعة هذه النبتة بشكل ملحوظ بفضل محاربة السلطات المحلية زراعتها. فتم الانتقال من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى هي مرحلة هجرة الشباب إلى المدن، بهدف الدراسة في الجامعة، أو بهدف العمل في المعامل والشركات مثل: الدار البيضاء وطنجة بشكل كبير مؤخرا، في حين بقيت فئة التلاميذ و الأطفال والشيوخ وبعض فئة الشباب المتزوجين أو غير قادرين على الهجرة لأسباب عدة أهمها عدم التمدرس والهدر المدرسي، فكان لهذا التطور على مستوى الفكر الاقتصادي الأثر الكبير على المستوى الاجتماعي.
أما على المستوى الاجتماعي: فقد تغيرت طرق عيش الساكنة، وانتقلت من التفكير التقليدي تجاه الحياة إلى تفكير جديد معاصر، يطمح إلى الانفتاح وتغيير مستوى العيش البسيط إلى مستوى ينسجم والتطورات التي يشهدها العالم المعاصر، مثل التخلي عن البناء التقليدي للمنازل (التربة، الحجر، الخشب، الزنك)، واعتماد مواد (الاسمنت، الحديد، الآجور، الألمينيوم، الرخام) إلى جانب التفكير في التجارة عن طريق فتح المحلات التجارية. والصناعة؛ عن طريق التكوين المهني وتحصيل الدبلومات المهنية.
م. مدارس عين باردة
و هذا النمط من التفكير أحدث شرخا على مستوى العلاقات الاجتماعية المتمثل في التخلي عن مبادئ التآخي والتآزر والتعاون والتضامن الذي كان سائدا في مرحلة نمط العيش البسيط، في مقابل الاعتماد على التفكير الفردي والمشروع الذاتي، الذي أثر بشكل كبير جدا على العلاقات داخل الأسر كذلك؛ حيث ظهرت مشاكل عدة بين الزوجين (فساد العلاقة الزوجية)و بين الإخوة (الحسابات الضيقة حول الارث وغيره) و بين الآباء والأبناء(رفض الابناء سلطة الاباء/عقوق الوالدين)، إلى جانب عوامل إعلامية من برامج إذاعية ووسائل تكنولوجية حديثة (التلفاز/ الفضائيات، الهاتف/الإنتيرنيت) التي دخلت جميع المنازل ولقيت استهلاكا كبيرا من لدن الأسر بمختلف أعمار وجنس أفرادها.
بناء عليه و في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها “تلاميذ” مجموعة مدارس عين باردة ومؤسسة البيبان ويعانون منها؛ أصبح لزاما علينا التفكير في طرق تدريس جديدة بديلة لطرق التدريس التقليدية التي لم تعد تنسجم وهذه الظروف التي ذكرت سابقا، فلم يعد الترهيب التقليدي ولا التهديد النمطي يجدي نفعا لضبط القسم أو ضمان رغبة التلميذ في التعلم؛ بل أضحى الأمر يتطلب منا محاولة الإجابة عن الإشكال التالي: كيف نحبب المدرسة والدراسة للتلميذ في ظل عزوفهم عن الرغبة في التعلم الذي أصبح يؤرق الأساتذة والأسر جميعا ؟
إذا تأملنا الوضع التربوي داخل المؤسسة نجده قد بدأ بالتحول المثير للانتباه مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق، من تم وجب التدخل عاجلا لتقويم سلوكات المتعلمين وتوجيههم لاسترجاع الرغبة في التعلم والثقة في المدرسة كمؤسسة تربوية تعليمية تمنحهم حق التعلم وفرصة تطوير الذات.
فعلى سبيل المثال أصبحت ظاهرة الغش في الامتحان تتفشى بشكل كبير جدا وتنعكس سلبا على مردودية التلاميذ ورغبتهم في الاجتهاد والتحصيل، بالموازاة لظاهرة الشغب والرغبة في مغادرة المدرسة، وتدني المستوى الأخلاقي للتلاميذ. لذا أقدم هذه المقترحات كخطوات يمكن الاستعانة بها لمواجهة هذه الإشكالات التربوية، وتحبيب المدرسة للتلميذ ومنحه فرصة المصالحة مع المؤسسة التربوية وتغيير نظرته السلبية تجاهها.
منظر شامل لجماعة البيبان
-
تحبيب المدرسة بالأنشطة الرياضية: تبقى الأنشطة الرياضية داخل المؤسسة ذات أهمية كبيرة في تعزيز قدرات ومهارات التلاميذ الحسحركية والفكرية، والنفسية، التي تجعلهم أكثر استيعابا للدروس وأقوى تركيزا داخل الفصل، إضافة إلى ما توفره من فسحة ومناسبة لصقل التلاميذ الموهوبين رياضيا قدراتهم الفنية وتعزز ثقتهم بأنفسهم وكفاءتهم في إتقان شيء معين في الحياة، فضلا عن أنهم يفجرون خلال الأنشطة الرياضية طاقاتهم بدل تحويلها لسلوكات الشغب داخل الفصل الدراسي.
-
تحبيب المدرسة بالرحلات: لا يقل تنظيم الرحلات المدرسية (سواء كانت استكشافية، أو ترفيهية، أو ثقافية) أهمية عن الأنشطة التربوية الأخرى، في منح التلاميذ طاقة تفكيرية إيجابية تجاه الدراسة والبذل من أجل النجاح في المسار الدراسي، حيث تخفف هذه الرحلات من الضغط الدراسي على التلاميذ، وتجعلهم أكثر إقبالا على المدرسة والتشبث بمتابعة المسار الدراسي بتفوق ونجاح مستحق، خاصة حين تكون المشاركة في هذه الأنشطة مشروطة بالتفوق الدراسي أو بمحفزات مناسبة.
-
تحبيب المدرسة بالقراءة: إن فعل القراءة هو المحرك الأساس في جذب وإثارة رغبة التلميذ للتعلم، لكونه يمنح التلميذ فرصة للتصالح مع الذات وسقيها بمعارف ومعلومات من مختلف المجالات كالأدب، والعلوم الطبيعية، والفلكية، والدينية، واكتساب قواعد استعمال اللغة وتوظيف معجمها في سياقات تعبيرية مناسبة. وهو الأمر الذي سيحدد للتلميذ كفاءته المستقبلية الوظيفية والمهنية، وييسر له الطريق لتنمية فكره وتطويره نظريا.
-
تحبيب المدرسة بالعروض: نؤكد على أهمية العروض الثقافية داخل المؤسسة، والتي يستحسن أن ينجزها التلاميذ بتأطير من السادة الأساتذة نظريا، وفتح باب المشاركة لجميع التلاميذ بمختلف أجناسهم وأعمارهم وقدراتهم المهارية والمعرفية، باقتراح الأستاذ المؤطر أو التلاميذ مواضيع لهذه العروض تحترم مستواهم الإدراكي والتعلمي. إلى جانب اقتراح عروض فنية (من مسرحيات، وأناشيد، وسكيتشات فكاهية، وأمسيات للرسم، ومسابقات ثقافية، ومسابقات إبداعية في مجالات القصة، والشعر والحكاية وغيرها) يتم الاشتغال عليها في إطار برنامج سنوي لأنشطة الأندية التربوية بالمؤسسة.
أهمية القراءة للتلاميذ
وفي خلاصة لهذا المقال أشير إلى أهمية النقط الأربع أعلاه في تحبيب المدرسة والدراسة لدى أبناء المنطقة، نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على سيكولجيتهم ورغبتهم في التمدرس والتعلم، وهي السبب الرئيس في مشكل الهدر المدرسي، والإدمان على المخدرات وشتى أنواع الانحراف الأخلاقي والسلوكي الذي أصبحنا نعانيه في أوساط الشباب ذكورا وإناثا.
كما أأكد على ان الدعم المادي ومبادرات التشجيع والتحفيز للمؤسسة التربوية، وتوفير الفضاءات والوسائل اللوجستيكية المناسبة يبقى على رأس المحركات المهمة لتفعيل الحياة المدرسية وتنشيطها والدفع بالمؤسسة إلى تحقيق غاياتهاالنبيلة.