إبنة تاونات الميداوي سفيرة المغرب ببلغاريا تعدد ملامح الثورة التي قادها الملك محمد السادس
الرباط :”تاونات نت”/- أجرت جريدة “Hilife” البلغارية حوارا مع سفيرة المغرب بدولة بلغاريا إبنة إقليم تاونات زكية الميداوي، بمناسبة الذكرى ال 23 لعيد العرش.
جريدة “تاونات نت” تعيد نشر الحوار باللغة العربية نظرا لأهمية ماورد فيه من معطيات وأرقام وتحليل لعدد من الملفات. وفيما يلي نص الحوار:
س:أصبح المغرب دولة حديثة ومنفتحة منذ تربع الملك محمد السادس عل العرش في 30 يوليوز 1999. ما هي أهم الإنجازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي رات النور في عهد جلالته؟
ج:تم الاحتفال بتنصيب جلالة الملك محمد السادس على العرش في 30 يوليو 1999؛ وهو اليوم الذي أدى فيه جلالة الملك صلاة الجمعة رسميًا وألقى خطابه الأول من القصر الملكي بالرباط. وقد أصبح هذا التاريخ منذ ذلك الحين اليوم الوطني الرسمي للمملكة المغربية اي عيد العرش الذي يحتفل به كل المغاربة بدون استثناء دابا على سنة الملوك العلويين منذ استقلال المغرب من ربقة الاستعمار.
وقد شهد العهد الجديد، الذي يعد جزءا من امتداد الديناميكية التي بدأت خلال التسعينيات، تحولات عميقة في المشهد الوطني. اذ تم الشروع في إصلاحات غير مسبوقة في جميع المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإنسانية، بهدف الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة الدول الصاعدة، وتماشيا مع المعايير الدولية مع الحفاظ على خصوصياته الوطنية. فعلى الصعيد السياسي، تم اعتماد دستور جديد، عُرض على الاستفتاء الشعبي في يوليوز 2011، وضم العديد من أوجه التقدم الذي رسخ دور المؤسسات توجهها فيما يلي:
– تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء، بحيث أصبح يدعى “رئيس الحكومة” بدل الوزير الأول. ويعين من طرف جلالة الملك من الحزب السياسي الذي احتل الصدارة في الانتخابات.
– زيادة مشاركة المجتمع المدني في التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبلد.
– الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية التي هي اللغة الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد المكونات الثقافية للهوية الوطنية.
– ترسيخ دور السلطة القضائية بحيث اصبحت تتمتع باستقلالية تامة و منفصلة عن السلطات الأخرى.
– تطبيق الجهوية المتقدمة، التي سمحت للمملكة المغربية أن تندرج في عداد الدول التي يسري فيها نظام اللامركزية الموسعة، مع إيلاء أهمية خاصة لجهات الصحراء المغربية بالنظر لخصوصياتها.
بالإضافة إلى مكونه السياسي، كرس الدستور الجديد توسيع نطاق الحريات الفردية والجماعية، وكذلك المساواة بين الرجل والمرأة. هذا فضلا عن تعزيز المؤسسات المسؤولة عن مكافحة الفساد.
و تجدر الاشارة في هذا السياق، الى ان جلالة الملك قد اتخذ مبادرات مهمة في وقت مبكر جدا لترسيخ احترام حقوق الإنسان في المغرب كما هو متعارف عليه عالميا. ويعكس إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة هذه الرغبة الواضحة، المسؤولة عن التعامل مع ملفات الماضي وإغلاقها نهائياً، باعتبارها آخر نقطة في مسيرة مستنيرة وأصيلة للقطع مع الممارسات التي عرفها المغرب قبل اعتلاء جلالة الملك محمد السادي عرش اسلافه.
كما شكل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي تم تجديده عام 1990، مبادرة مهمة للانفتاح السياسي، و قد تمكن من احداث تغييرات مهمة في مجال حقوق الإنسان، هذا بالاضافة الى هيئة التحكيم التي أحدثها جلالة الملك، بعد أقل من شهر من حكمه. وهذا يعكس الإرادة الملكية لتعزيز احترام حقوق الإنسان التي تبصم على عدالته وحكامته التي يتميز بها حكمه.
ومما لا ريب فيه تن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، يشارك بنشاط في تعزيز حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي. وتتجلى الإنجازات التي حققها في إجراءات الجديدة التي اثرت المجال الاجتماعي، ولا سيما تطبيق مدونة الأسرة كنموذج جديد للنهوض بحقوق المرأة.
إنها مدونة توصف بكونها ثورة اجتماعية وثقافية وسياسية حقيقية، تجعل من المغرب في هذا المضمار نموذجاً ورائداً في العالم العربي الإسلامي، مع بقاءه متشبثاً بجذوره وقيمه الدينية والثقافية.
وفي سياق نفس المرامي، يشكل العمل الاجتماعي أولوية مهمة في البلاد. والدليل على ذلك الدعم دفعة الملكي الكبير الذي حظي به هذا الموضوع. و تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اطلقها صاحب الجلالة سنة 2005 تجسيدا لحسه الوطني والانساني والقيم النبيلة لجلالته. هذا المبادرة أضحت بالنظر إلى أهدافها مشروعا اجتماعيا كبيرا بتصميمه ومنهجه وتمويله وطريقة تنفيذه. وقد تم تم تقسيم هذا المشروع الضخم إلى عدة مراحل وبرامج تشغيلية متكاملة طويلة الأجل تهدف إلى مكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية والإقليمية.
كما يعد نظام الحماية الاجتماعية أيضًا مشروعً اجتماعيً بامتياز، لكونه تمكن من توسيع التغطية الطبية لجميع الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك غير الأجراء، والتي تم تمديدها لتشمل الطلبة منذ عام 2016. وبالمثل، بدأ التفكير في استراتيجية لإنشاء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية. وهناك حاجة ملحة مع زيادة الطلب على المعدات والمنتجات الطبية في سياق جائحة كوفيد19. في هذا الصدد، أعطى المغرب، بالاعتماد على موارده الخاصة، مثالا رائعا للتضامن والتعبئة والتنظيم.
وقد تميز النهج الذي تبنته المملكة بطابعه الاستباقي وتماسكه وشموليته، بالتوفيق بين ضرورة احترام القيود الصحية والتحديات المفروضة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ففي ظل القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تعامل المغرب مع هذه المحنة بحزم وهدوء وحكمة. وهذا ما تكشفه نتائج التطعيمات ضد كوفيد -19 اليوم. ذلك أنه في نهاية يونيو 2022، تلقى أكثر من ثلثي سكان المغرب (25.000.000 شخص) الجرعة الأولى من اللقاح، 23.500.000 الثانية، والجرعة الثالثة 6500000. وهو نجاح كبير لأن العدد الإجمالي يشكل 37 مليون نسمة.
في سياق آخر، تشكل الإنجازات في المجال الاقتصادي والبنية التحتية الأساسية أساسًا آخر لتنمية المملكة. لقد جعلت هذه الإنجازات المهمة من البلاد منصة حقيقية بين المغرب وإفريقيا وبقية العالم. في هذا الصدد، شهد العقدان الماضيان نشر شبكة مهمة من البنى التحتية الاستراتيجية، بما في ذلك على وجه الخصوص:
– ميناء طنجة المتوسط، الذي انطلق عام 2007، والذي تطلب 78 مليار درهم من الاستثمارات العامة والخاصة، ويشكل قطبًا صناعيًا بسعة 9.000.000 حاوية و 7.000.000 راكب و1.000.000 مركبة و 700.000 شاحنة ترانزيت دولية و 6 مناطق حرة صناعية ولوجستية تستوعب أكثر من 1100 شركة تمثل حجم مبيعات سنوي يزيد عن 5.9 مليار دولار.
– توسعة شبكة الطرق السريعة، التي يبلغ إجمالي طولها حاليا أكثر من 1800 كيلومتر، والتي تلعب دورا مهمًا في الربط بين المدن الكبيرة.
– تطوير خطوط السكك الحديدية، لا سيما مع دخول الخدمة في نونبر 2018 لخط فائق السرعة (البراق) بطول 320 كم، وهو أول رابط في مشروع TGV المغربي، الذي يهدف إلى تزويد البلاد بـ 1500 كلم من السكك الحديدية العالية السرعة بحلول عام 2030. فبفضل هذه الإنجازات، أصبح المغرب “محوراً” اقتصادياً إقليميا وحتى دولياً مهماً، والمركز الأول في شمال إفريقيا والثالث في إفريقيا والسادس في العالم العربي من حيث البنية التحتية. و تجدر الاشارة في نفس النطاق، إلى أن أقاليم جنوب المغرب، وكجزء من عملية التطوير، شهدت إنشاء نموذج تنموي جديد تلعب فيه الدولة دورا هيكليا من حيث البنية التحتية، لتعزيز الوصول الفعال للمواطنين للخدمات الأساسية ومحاربة الهشاشة. هذا المخطط (2016-2021)، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس في 6 نونبر 2015، خصصت له ميزانية 77 مليار درهم قبل رفعها إلى 85 مليار (أي ما يقرب من 9.4 مليار دولار). والهدف المنشود هو تسريع اندماج الصحراء المغربية في الديناميكيات الوطنية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويتمحور هذا البرنامج على وجه الخصوص، حول مشاريع هيكلية مثل الطريق السريع تزنيت – العيون – الداخلة ، ميناء الصيد لمهيريز وميناء الأطلسي الداخلة. ومن المقرر أيضا في هذا البرنامج إنشاء خط ملاحي ساحلي مخصص للبضائع التي تربط الدار البيضاء والداخلة، وإعادة فتح خطين ملاحيين يربطان جزر الكناري بطرفاية من جهة، والعيون من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك، إحداث مركز مستشفى جامعي في مدينة العيون وحديقة تكنولوجية في فم الواد. و يتعلق هذا البرنامج بعقود لإنجاز أكثر من 700 مشروع.
وبعد أن أغرتها الطموحات التي أظهرتها هذه الخطة والآفاق الواعدة التي تقدمها أقاليم الجنوب المغربي، انضمت عدة دول إلى أشغال التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تم الاضطلاع بها وبدأت باستثمارات كبيرة في المنطقة. بل أكثر من ذلك، قامت عدة دول بفتح قنصليات لها في هذه الأقاليم اعترافا بالسيادة المغربية على صحراءه. ومن المحفزات التي شجعت هذه الدول على مساندة بلادنا في حقوقه المشروعة على اقاليمه الجنوبية هي رغبتها في الانخراط في التعاون الاقتصادي بين بلدان الجنوب من هذه المنطقة التي من المقرر أن تصبح مركزًا قاريًا. وتوجد حاليا 25 قنصلية نشيطة، 13 منها في مدينة الداخلة و 12 في مدينة العيون.
مشروع هام آخر أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. ويتعلق الأمر بالطاقات المتجددة. لقد قام المغرب بالاختيار الحكيم لإنتاج الطاقة الوطنية والمتجددة و الطاقة الكهرومائية. فقد بدأت سياسة بناء السدود في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، و استمرت منذ ذلك الحين من قبل ملكنا المفدى، والتي امتدت لتشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
أدى الاهتمام المتزايد بتطوير الطاقات المتجددة الجديدة إلى إنشاء مجمع نور ورزازات، الذي تم افتتاح المرحلة الأولى منه في فبراير 2016. هذا المجمع هو أول مشروع للطاقة الشمسية تم تطويره كجزء من استراتيجية الطاقة الوطنية، والتي تهدف إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الكهرباء في المملكة إلى أكثر من 52٪ بحلول عام 2030. وبفضل هذه الرؤية الملكية، تلتزم الدولة أيضًا بالتحول البيئي الهادف إلى الحياد الكربوني. وقد إستضاف المغرب في هذا المضمار الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ؛ كوب 22 في مراكش في نونبر 2016، وشارك صاحب الجلالة الملك محمد السادس في “قمة الأرض” (باريس ، 12 دجنبر 2017).
من بين المشاريع الكبيرة التي تم إطلاقها تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك، هناك خطة “المغرب الأخضر”. إنه برنامج تنموي زراعي طموح يضع الزراعة ضمن أولويات الدولة. كان الهدف الأساسي لهذه الخطة هو جعل الزراعة قطاعًا عالي الأداء قادرًا على أن يصبح رافعة للاقتصاد الوطني. الأمر الذي يساهم في محاربة الفقر والنزوح من البوادي صوب الحواضر. وقد ساهم تنفيذ هذه الخطة بشكل كبير في التنمية المستدامة للقطاع الفلاحي في المغرب. في هذا الصدد، مكنت “خطة المغرب الأخضر” الحقل الاقتصادي من مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الزراعي خلال الفترة ما بين 2007 و 2018. وبالمثل، زادت مساهمة الزراعة في نمو الناتج المحلي الإجمالي من 7٪ خلال العقد 1998-2008 إلى 17٪ خلال الفترة 2008-2018.
وعلى نفس المنوال ، وبغية بلورة الأصول التي اكتسبتها شركة المغرب الأخضر ووضع الفلاحة المغربية في دائرة حديثة ومستدامة تحقق قيمة مضافة وخلق فرص عمل ونمو شامل، تم إطلاق خطة “الجيل الأخضر” في عام 2020. تهدف هذه الاستراتيجية بشكل خاص إلى ظهور جيل جديد من “الطبقة الوسطى الزراعية”، مع انضمام 400 ألف أسرة إلى الطبقة الوسطى الزراعية وتغطية اجتماعية من 3 إلى 4 ملايين مزارع، فضلاً عن الحفاظ على موارد المياه و دعم المحاصيل المروية في إطار البرنامج الوطني لإمداد مياه الشرب والري (2020-2027).
ستعمل هذه الخطة أيضًا على تحسين دخل المزارعين وإنشاء نظام حوافز جديد موجه للشباب، وتعميم التأمين الزراعي، والذي سيؤثر على 2.5 مليون هكتار. كما تم التخطيط لتدابير دعم جديدة تتعلق بإدخال تقنيات جديدة ورقمنة الخدمات الزراعية لصالح ما يقرب من مليوني مزارع نشيط. علاوة على ذلك، وحرصا على وضع نموذج تنموي جديد يتماشى مع المتغيرات التي تمر بها البلاد والتحديات التي تفرضها العولمة، وقبل كل شيء لإيجاد استجابات مناسبة للمطالب الملحة واحتياجات المواطنين المتزايدة.
في سنة 2019، شكل الملك محمد السادس لجنة خاصة معنية بنموذج للتنمية، مكونة من شخصيات بارزة ذات خبرة ومهارات مثبتة. نظمت هذه اللجنة سلسلة من جلسات الاستماع وورشات العمل والاجتماعات والأفكار الجماعية التي شاركت فيها جميع القوى الحية للأمة في نهج شامل وتشاركي على حد سواء، والهدف هو إجراء تشخيص مضبوط، وتحديد نقاط القوة والضعف، وجمع الشكاوى و التعليقات والرؤى، مع التركيز على مقترحات ومسارات الإصلاح. وقد أدت عملية التشاور الموسعة هذه إلى ظهور تقرير ذي أهمية كبيرة، قدم إلى جلالة الملك في 25 مايو 2021، يحدد مراحل الاستراتيجية الوطنية الجديدة تجاه الأهداف المتوقعة، وتحديد الخيارات الاستراتيجية، واستحضار آليات متابعة وتعبئة الفاعلين المعنيين وكافة المواطنين المغاربة.
ومن أهداف هذا النموذج التنموي الجديد، مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للفرد بحلول عام 2035، وإتقان التعلم الأساسي في نهاية المرحلة الابتدائية لأكثر من 90٪ من التلاميذ، وزيادة عدد الأطباء لكل فرد للوصول إلى مقاييس منظمة الصحة العالمية. إضافة إلى انخفاض بنسبة 20٪ في نسبة القطاع غير المهيكل، وزيادة نسبة مشاركة النساء إلى 45٪، مقارنة بـ 22٪ في عام 2019، وهي نسبة رضا المواطنين عن الإدارة والخدمات العامة بأكثر من 80٪. إن الأمر يتعلق بعدد من الإنجازات الرئيسية التي بدأت بقيادة جلالة الملك محمد السادس والتي تهدف إلى ترسيخ مكانة المغرب بين البلدان الحديثة، مزودة ببنية تحتية وسياسات مناسبة تتماشى مع المعايير الدولية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
س:بعد أن قضيت أكثر من 5 سنوات في بلغاريا، ما هي انطباعاتك وملاحظاتك على الروح والشخصية البلغارية؟
ج:منذ تعييني كسفيرة فوق العادة ومفوضة من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في بلغاريا، منذ أكثر من خمس سنوات، أتيحت لي فرص سانحة لألتقي بشخصيات وازنة ان على المستوى الرسمي أو غير الرسمي بما في ذلك العلاقات الشخصية والحياة اليومية، التي عززت ارتباطي وتقديري لهذا البلد الجميل الرائع. لقد انبهرت بالتعامل اللطيف للاصدقاء البلغار نساء ورجالا وصدق مشاعرهم واحساسك نحوي، بغض النظر عن المسؤولية التي يتحملونها. فعلى الرغم من أنهم ينتمون إلى عالمين مختلفين اختلافا جوهريا من حيث ثقافتهم وتاريخهم، إلا أن البلغار والمغاربة تجمعهم العديد من القيم المشتركة. يتميز الشعبان، اللذان يعتمد كلاهما على تراث تاريخي عمره قرون، بارتباطهما الكبير بهويتهما الوطنية. وهذا يعزز فكرة الانتماء إلى بلد غني بتراثه الثقافي ويفتخر بتنوعه.
وبالمثل، يتميز الشعبان المغربي والبلغاري بالأهمية التي يوليانها للعلاقة الأسرية والتضامن الأسري داخل المجتمع. خاصية أخرى ينفرد بها بشكل خاص الاصدقاء البلغار، ويتعلق الامر بجود و كرم الضيافة تجاه الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، في المغرب كما في بلغاريا، يعتبر التسامح والانفتاح على الآخرين من السمات المميزة لعقلية الناس. وهو ما يؤثر أيضا، في رأيي، على تصورهم للعالم الخارجي. وتحصيل الحاصل، فالبلغار كما المغاربة توافقون إلى السلم بشكل عام ويفضلون التفاهم والتسوية على المواجهة من أجل التعامل مع النزاعات مهما كانت طبيعتها.
س:خلال فترة إقامتك في بلغاريا، أصبحت محركة للحوار الثقافي بين الأسرة البلغارية والأسرة الأفريقية. هل يمكنك اعطاءنا بعض الانطباعات حول هذا الموضوع؟
ج:أشكركم على طرح هذا الموضوع القريب من قلبي بشكل خاص. كوني من دولة أفريقية ومتشبعة بقوة بالثقافة الأفريقية في جوانبها المتعددة والغنية. فأنا مرتبطة جدا بهويتي الأفريقية ومدفوعة برغبة قوية في التعريف بهذا التراث وهذه الثقافة ومشاركتها مع من حولي، والحال مع الاصدقاء البلغار بالنظر إلى قيامي حاليا بمهامي في بلغاريا. ولعل احساسي هذا نابع اهتمام ونزعة بلدي الأفريقية. فهو لا يتوانى في التأكيد على هويته الأفريقية من خلال وضع القارة في قلب خياراتها الاستراتيجية. لقد أولى دائما أهمية قصوى لتنمية العلاقات الوثيقة مع البلدان الأفريقية الأخرى، سعيا إلى توطيد العلاقات السياسية أكثر من أي وقت مضى وإقامة شراكات متنوعة وداعمة ومثمرة؛ وفاء في ذلك للروابط التاريخية العميقة التي تجمع المغرب و مجمل الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة.
في هذا الصدد، كما تعلمون، أنا عميدة السلك الدبلوماسي الأفريقي في بلغاريا، وبالتالي تشرفني جدا رعاية العديد من الأعمال التي تهدف إلى التعريف بالثقافة الأفريقية في تنوعها وثرائها في بلغاريا و للمساهمة بأي شكل من الأشكال في التقارب بين هذه القارة الرائعة والمجتمع البلغاري. ففي الآونة الأخيرة، أتيحت لنا الفرصة السارة للاحتفال بيوم إفريقيا في 21 مايو بالتعاون مع السفارات الأفريقية المعتمدة في بلغاريا وكذلك القناصل الفخريين الذين يمثلون بعض الدول الأفريقية. أقيم هذا الحدث في غاردن سيتي أمام مسرح Ivan Vasov في صوفيا. شهد هذا الاحتفال مشاركة كبار المسؤولين والمنتخبين المحليين وأعضاء من البرلمان الأوروبي البلغاريين بالإضافة إلى السلك الدبلوماسي المعتمد في بلغاريا. كما شارك في هذا الحدث العديد من الجمعيات وأعضاء من الشتات الأفريقي والمؤسسات الخيرية البلغارية ووسائل الإعلام العامة والخاصة (..) ، والتي تميزت أيضا بحضور عدد كبير من الجمهور. لقد كانت لحظة تبادل مكثف ومشاركة عميقة. تم تمثيل كل سفارة بجناح خاص حيث تم عرض الأزياء التقليدية والحرف اليدوية والمنتجات المحلية والمأكولات الوطنية ومستحضرات التجميل من البلدان الأفريقية.
كما تم تقديم المشروبات والوجبات التي تعكس تنوع النكهات الأفريقية على الزائرين على مدار اليوم من قبل السفارات الأفريقية المشاركة. أما المغرب فقدم في جناح خاص منتوجات متنوعة للصناعة التقليدية المغربية اي الحرف اليدوية (خشب و جلد و نحاس)، و منتجات زراعية وصناعية زراعية (زيت وصابون أركان، مستحضرات تجميل من مجموعة سيارات و بلح و زيتون و سردين و معلبات…) ، وكءا عرض مختلف الازياء الوطنية من جلباب
وجابادور وقفاطين وأوشحة ومجوهرات من الحرف اليدوية المغربية، والتي اقبل الزوار على شرائها. و قد تم التبرع بعائداتها على المؤسسة البلغارية “لأطفالنا”، التي تؤوي الأطفال المحرومين (المهجرين والمعاقين والفئات الضعيفة). ولتوضيح تقاليد الضيافة المغربية، تمكن الضيوف والسياح العابرون والزوار المحليون إلى صوفيا والمناطق المحيطة بها من الاستمتاع بمشروبنا الوطني: شاي بالنعناع، و الحلويات المغربية، والأطباق المغربية المتنوعة التي تقدمها سفارة المملكة المغربية في صوفيا في العديد من المناسبات. بالإضافة إلى ذلك، تم تزيين هذا اليوم ببرنامج ثقافي متنوع للغاية، قام بموجبه الفنانون البلغار والأفارقة وكذلك أعضاء الشتات الأفريقي، بالتناوب على المسرح الكبير الذي أقيم في وسط الحديقة العامة. كما تجلت مشاركة السفارة المغربية في صوفيا من خلال تقديم أربع رقصات مغربية قدمتها فتيات معهد صوفيا للرقص (في قفطان) برشاقة كبيرة على أنغام الموسيقى الشعبية وسط تصفيق الجمهور الحاضر. بعد ذلك، إرتدت هؤلاء الفتيات الصغيرات أزياء مغربية تقليدية (قفطان..) في شكل عرض للأزياء على خشبة المسرح تحت أنظار الجمهور الذي انبهر من عبقرية مصممي الأزياء والمعلمات المغاربة. كان تنظيم سفارة المغرب لهذا الحدث، احتفالاً بالذكرى 59 لتأسيس المنظمة الإفريقية القارية، التي أشاد بها، بالمناسبة، الجميع، وكان فرصة حقيقية للجمهور البلغاري والسياح الأجانب للاقتراب والاندماج مع بعض جوانب التراث الثقافي الأفريقي، بما في ذلك المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من وسائل الإعلام البلغارية، بما في ذلك وكالة الأنباء الرسمية (BTA) ، والتلفزيون والإذاعة الوطنية البلغارية، وكذلك وسائل الإعلام البلغارية الخاصة، قامت بتغطية إعلامية واسعة للاحتفال بيوم إفريقيا في بلغاريا لعام 2022.
س:هل تعتقدون أننا نشترك في تاريخ وقيم مشتركة من شأنها أن تؤسس قاعدة صلبة لمشاريع مشتركة تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي لكلا البلدين؟
ج:يعتبر كل من المغرب وبلغاريا وصيين على تراث تاريخي عمره قرون. وغني عن البيان أن التراث الثقافي له أهمية حيوية في جميع البلدان. هو الذي يشارك إلى حد كبير في تحديد الهوية الوطنية وتحديد معالمها. على هذا النحو، فإنه يشكل عاملاً مفضلاً لتنمية الشعور بالانتماء المجتمعي المشترك إلى جذور الأجداد والتعبير عنه بوسائل مختلفة، لا سيما الموسيقى والغناء والأزياء و فن العمارة وفن الطهي. و نظرا لكوني، سفيرة المغرب في صوفيا، ساهمت في حملة ” عجائب بلغاريا” التي قادتها منذ أكثر من 10 سنوات السيدة سلافكا بوزوكوفا، رئيسة تحرير “Standart.news“. وأهتم بشدة بـ الحقيقة الثقافية في بلدكم، لقد استطعت أن أرى عن كثب الإرادة العظيمة التي تحفز الناس والسلطات العامة والمجتمع المدني في بلغاريا للحفاظ على تراثهم الغني والمتنوع وتعزيزه ومن خلال إحساسهم بالإبداع، كما يتضح من عدد المؤسسات المتخصصة في جميع أنواع الفنون والمهرجانات الثقافية الدولية التي تقام سنويًا في هذا البلد.
هذه الرغبة نفسها تحفز أيضًا الناس والقادة في المغرب. علاوة على ذلك، منذ توليه عرش أجداده، جعل جلالة الملك محمد السادس الثقافة أولوية وطنية. ملكنا المفدى لا يتوقف أبدا عن إحاطة هذا القطاع، الذي يعتبر أساسيا في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب، باهتمامه الكبير. علاوة على ذلك، فإن هذه الرؤية الملكية مكرسة في دستور 2011، الذي يؤكد تمسك المملكة بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار من أجل التفاهم المتبادل بين جميع ثقافات وحضارات العالم، والتي تحدد التزام المملكة والسلطات العمومية لدعم وتطوير الإبداع الثقافي والفني. كما نوقش هذا الموضوع خلال لقاء أخير مع السيد أتاناس أتاناسوف، وزير الثقافة البلغاري، وتمت مناقشة الأفكار التي تسير في اتجاه تطوير علاقات تعاون مستدامة على المستوى الثنائي في مختلف الجوانب المتعلقة بالثقافة الميدانية وتنتظر الانتهاء منها والتنفيذ في المستقبل القريب.
س:قمتم بتنفيذ مشروع “المغرب وبلغاريا – أرض الورود” بعرض رائع من القفاطين. هل ترغبون في مشاركة المزيد حول تاريخ هذا الزي التقليدي الفريد؟
ج:القفطان جزء من التراث الثقافي المغربي ولا يزال يحتفظ بمكانة بارزة في الخزانة المغربية. هذا الزي قديم جدًا ومتجذر بعمق في عادات اللباس في البلاد. ظهرت في القرن الثالث عشر في عهد سلالة المرينيين حيث كان يرتديها الملوك وأقاربهم في ذلك الوقت. يمكن العثور على اسمها وجذورها البعيدة في التراث الفارسي الذي قدمه الفاتحون المسلمون إلى المغرب والأندلس. لكن تطوره وتأنيث هذا الفستان في المغرب جعله لباسًا مختلفًا تمامًا عن القفطان الفارسي والعثماني. كان يرتدي القفطان في الأصل من قبل كبار المسؤولين والعلماء في بلاط السلاطين. هو تراث من الشرق، فستان طويل من القماش، بدون ياقة وبأكمام واسعة. على الرغم من أن المغرب لم يكن أبدًا مقاطعة عثمانية، إلا أن هناك تأثيرًا تركيًا في بعض الملابس الرجالية، بما في ذلك القفطان، الذي قدمته نقابة الباركاسير في سلا ، والتي ربما تأثرت بقرصنة تونس.
القفطان المغربي الحالي، الواسع والمطرّز بشكل غني ومزين بالحجارة، هو نتاج توليفة أسلوبية يديرها مصممون مغاربة بدأوا في الموضة الغربية، الذين قاموا بتحديثه وتكييفه مع أذواق ومتطلبات عصرنا. في الوقت الحاضر، يعتبر القفطان المغربي والتكشيطة من الملابس الاحتفالية بامتياز خلال الاحتفالات الاحتفالية (الأعراس، حفلات والأعياد الدينية..). كلها ترمز إلى الأصالة المغربية. وتجدر الإشارة إلى أن غير المغاربة غالباً ما يخلطون بين القفطان والتكشيطة ويطلقون عليهما القفطان المغربي. في الحقيقة، النساء المغربيات والمصممون من الثقافة المغربية يصنعون الفرق بين الاثنين. التكشيطة هو فستان من قطعتين أو أكثر: القفطان أو الدفينة التي تلبس تحتها. الفوقية التي تلبس فوق القفطان، عادة ما تكون أكثر عملًا وتحتوي على المزيد من الزخارف والتطريز والأحجار وما إلى ذلك. عادة ما يتم ارتداء التكشيطة مع حزام، إما من الحرير أو الذهب أو الفضة مزينة بالأحجار الكريمة (الماس والياقوت والزمرد). القفطان الذي يتم ارتداؤه بمفرده بسيط وقليل من الزخارف، ويتكون من قطعة واحدة تسمى فوقية. غالبًا ما يكون القفطان المغربي والتكشيطة مفتوحًا وشفافًا ويمكن ارتداؤه أيضًا بحزام أو بدونه. تتميز الخياطة التقليدية للقفطان والتكشيطة المغربيان بذكريات بمناطق المملكة المعروفة. تتميز إبداعات فاس، على سبيل المثال، بأصالة قديمة تمتزج مع الخيط الفضي أو الذهبي الذي ترفض نساء المدينة التخلي عنه. إن أسلوب العاصمة الرباط، الذي يُطلق عليه أيضًا تصميم الأزياء الخزفية (رسمي)، فريد من نوعه، حيث يقدم نفسه على شكل قفطان خفيف يستحضر الأسلوب الذي كانت ترتديه النساء في القصر في الماضي.
وقد تخصص العديد من المصممين المغاربة المشهورين في القفطان، ويقدمون أعمالهم التي تجمع بين الأناقة والرقي والمتوفرة في العديد من الأساليب والألوان، في عروض الأزياء المرموقة في المغرب والخارج. من خلال اعتماده كملابس احتفالية خلال الاحتفالات الرسمية، تساهم العائلة الملكية المغربية بشكل كبير في الحفاظ على صورة هذا اللباس التقليدي وتطويرها، وهو فخر الجميع في المغرب، والذي يجمع بين الفن والدراية والابتكار والأصالة. الثقافة، تسلط الضوء على نعمة وأناقة المرأة المغربية.
س:المغرب يرحب بالعديد من البلغار في إجازة كل عام. ما هو الوضع هذا العام؟ بماذا تنصح البلغار بأن يروه في المغرب؟
ج:مع الانخفاض الحاد المسجل في انتشار كوفيد 19 وتحسن الوضع الوبائي في أجزاء كثيرة من العالم، يبدأ الموسم السياحي بآفاق ميمونة. كما تعلم، عانى قطاع السياحة في المغرب وبلغاريا بشدة خلال العامين الماضيين ويعتمد المشغلون النشيطون في هذا المجال بشدة على احتمال حدوث تراجع في الوباء من أجل إحياء الأنشطة السياحية. وفي هذا الصدد، تأثر التدفق السياحي بين البلدين بشدة بالوباء ونأمل أن تستأنف رحلات السائحين البلغار إلى المغرب والسياح المغاربة إلى بلغاريا بشكل كبير. وتساهم التبادلات الإنسانية بين البلدين بشكل كبير في تعزيز العلاقات الثنائية، وهي بالفعل ممتازة. للإجابة على سؤالك مباشرة، أود أن أقول إن المملكة المغربية بلد عربي وإسلامي وإفريقي، مستقر سياسياً، ويمكنه التباهي بأن له تاريخاً عمره عدة عقود من السنين وتراث ثقافي غني. يقع على بعد 14 كيلومترًا من أوروبا: إذا اخترت ذلك، صدقني، ستكون على يقين من أنك ستحظى بعطلة ممتعة وتعيش لحظات لا تُنسى. يمكنك الذهاب إلى المغرب، الذي يتميز ببنيته التحتية الحديثة وتنوعه الثقافي وحسن ضيافة سكانه، في أي وقت من السنة. إنها بلد متوسطي مشمس، مع العديد من شواطئ الأحلام على طول ساحلها الممتد لأكثر من 3500 كلم، التزلج الحديثة، والجبال التي تحتوي على كنوز لاكتشاف حيث يمكنك ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة أو صيد الأسماك، والمساحات الصحراوية الكبيرة… يوجد في بلدي أيضًا العديد من المدن ذات التاريخ والمناظر الطبيعية المتنوعة. العيون والداخلة ومراكش والصويرة وفاس والدار البيضاء والرباط وطنجة وأكادير … كلها مدن تجمع بين التقاليد والحداثة وتحتوي على كنوز طبيعية وتاريخية لا تقدر بثمن.
ولا يمتلك المغرب معالم سياحية فقط لزيارته، بل ستتاح للمسافر فرصة ممتعة لتذوق فن الطهي الثري والمتنوع والذواقة. تشتهر الأطباق المغربية التقليدية والكعك في جميع أنحاء العالم. الكسكس، الطاجين، البسطيلة..، البريوات (…) كلها أطعمة شهية ونكهات أصيلة لاكتشافها. لا تقتصر السياحة في المغرب على زيارات المواقع السياحية فقط. إنه بلد تعيش فيه المدن أجواء ثقافية احتفالية. يتم تنظيم المهرجانات والمعارض وغيرها من الفعاليات الثقافية والاحتفالية على مدار العام.
س:يعتبر المطبخ المغربي من أشهر المأكولات في العالم. ما هي الأطباق والسمات المشتركة التي تكتشفها أثناء إقامتك في بلغاريا، وهل ستشاركنا ببعض أسرار المطبخ المغربي؟.
ج:للوهلة الأولى، تجدر الإشارة إلى أن الذواقة من جميع المشارب يتفقون على إبراز ثراء وتنوع المطبخين المغربي والبلغاري. وبالمثل، فإن النكهات والروائح والمذاق الشهي لأطباق هذين المطبخين يتم تسليط الضوء عليها بالإجماع من قبل الذواقة. على الرغم من أن المطبخ البلغاري والمطبخ المغربي ينتميان إلى عالمين مختلفين، إلا أن الحقيقة تظل أنهما لهما خصائص مشتركة معينة. إنه، أولاً وقبل كل شيء، الطهي المتزامن للمنتجات. هذا ينطبق بشكل خاص على طهي الطعام في الفرن. ميزة أخرى هي استخدام الكثير من الخضار الطازجة أو المحفوظة، والتي يتم طهيها في وقت واحد مع اللحوم. وبالمثل يتم استخدام الكثير من البهارات والتوابل مثل البصل والثوم. في رأيي، المطبخ المغربي، الذي يتم وضعه بانتظام من بين الأفضل في العالم من خلال العديد من التصنيفات المرجعية الدولية، هو نتيجة لتراث ثقافي وتاريخي غني تراقب العائلات المغربية بدقة انتقاله من جيل إلى جيل وداخل نفس العائلة من الأم. لابنته. ويكمن سرها في مزيج دقيق من التوابل والأطعمة والطهي في الوقت المناسب بمهارة، مما ينتج عنه أطباق سخية وملونة وعطرة مختلفة بقدر ما هي لذيذة ، مما يديم احترام التقاليد وإدامة تراث الطهي القديم الثمين. يتكون المطبخ المغربي التقليدي من الكثير من الحب وإتقان كيمياء التوابل. الفلفل، الكمون، البابريكا، الكزبرة، الكركم، القرفة، الزعفران، مسحوق الزنجبيل..، هي التوابل الأساسية الأكثر استخداما في المطبخ المغربي التقليدي. يمكن استخدامها بشكل منفصل أو في خليط معقد محضر مسبقًا: رأس الحنوت، على سبيل المثال، أو حتى في خليط فوري، مثل الكمون والفلفل الحلو. من أجل الزواج المثالي، كل خضار أو لحم أو فاكهة لها توابلها أو توابلها. يتكون المطبخ المغربي من منتجات غير مكلفة يتم تحويلها من خلال فن التوابل والأعشاب والخضروات المختلفة ومياه الزهور إلى أعياد حقيقية تتقاسمها كل عائلة حول المائدة. من بين الأطباق الرائعة التي تحظى بتقدير كبير في المطبخ المغربي هو الطاجين بتنوعاته العديدة؛ الكسكس طبق رمزي للمشاركة والكرم. البسطيلة من أشهر وأفضل أطباق الكعك التقليدي مثل “كعب الغزال والغريبة والبريوات” (…) وهي خليط مكرر من اللوز وماء الورد وزهر البرتقال والعسل والقرفة دون ان ننسى مشروبنا الوطني: شاي بالنعناع، المشروب بامتياز الضيافة.
س:كيف ترون إمكانية تقوية الجسور بين بلدينا على المدى الطويل؟ أين وكيف ترى آفاق تعزيز الجهود المشتركة لدول البلقان والاتحاد الأوروبي وأفريقيا من أجل مستقبل سلمي؟.
ج:تميزت العلاقات الثنائية المغربية البلغارية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل أكثر من ستين عاما، بالاحترام المتبادل والصداقة الصادقة التي تسهم في تطويرها على جميع المستويات. انضمام جمهورية بلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2007، والدور المهم الذي تلعبه في جنوب شرق أوروبا ومنطقة البلقان من جهة، والشراكة المتميزة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي وحضوره الملحوظ في القارة الأفريقية يقول بمستقبل واعد للتطور اللاحق لهذه العلاقات وفتح آفاق واسعة لتعزيزها. وتجدر الإشارة إلى أن جائحة كوفيد -19، على مدى العامين الماضيين، أوقف بشكل ملحوظ الزخم المتسارع للزيارات رفيعة المستوى بين الطرفين. وللتذكير، قام رئيس الدبلوماسية المغربية السيد ناصر بوريطة بزيارة عمل إلى صوفيا في شتنبر 2018 وزار رئيس الوزراء السابق لجمهورية بلغاريا السيد بويكو بوريسوف في نونبر من نفس العام، على رأس وفد كبير المغرب.
الخروج من أزمة صحية مقترنة بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، شعر بها البلدان بشدة وكان لها تأثير قوي على اقتصادات كل منهما، المغرب وبلغاريا، اللذان يشتركان أيضًا في خيارات مماثلة لا رجعة فيها على مستوى الشؤون السياسية والاقتصادية. يعني الديمقراطية في إدارة الشؤون العامة وحرية العمل الاقتصادي، إدراك ضرورة مضاعفة جهودهم وتكثيف الاتصالات الثنائية لتطوير التعاون المثمر في جميع المجالات، خاصة وأن الانتعاش الاقتصادي الحالي على المستوى الدولي يفتح الطريق إلى آفاق واعدة. في هذا الصدد، إذا تم بناء العلاقات بين بلدينا في جو من التفاهم السياسي الجيد واكتسبت عبر السنين إطارًا قانونيًا شاملاً، تظل الحقيقة أن الوقت قد حان لترجمة الطموح المشترك، من كلا الجانبين، إلى رفع هذه العلاقات إلى مستوى أعلى في مختلف مجالات التعاون، في إجراءات ملموسة، لا سيما من خلال تشجيع التدفقات البشرية بين البلدين ومن خلال إعطاء دفعة قوية لتنمية التبادلات الثقافية والاقتصادية بين البلدين والسعي المتبادل فرص التجارة والاستثمار في القطاعات الواعدة ذات الاهتمام المشترك. باختصار، إنها مسألة ضمان أن يكون التعاون بين البلدين طويل الأمد واستخراجه من تقلبات الوضع الاقتصادي.
وكما تعلمون، رسخ المغرب نفسه على مر السنين كوجهة اقتصادية مفضلة. لقد أثبتت الشركات الرائدة على المستوى الدولي في البحث عن مناخ ملائم للأعمال التجارية وخلق القيمة، وجودها دون صعوبة في الديناميكيات الاقتصادية الوطنية. وبسبب موقع بلادي كمفترق طرق بين إفريقيا وأوروبا والمغرب العربي والعالم العربي، واستقرارها السياسي المؤكد، ومكانتها كشريك متقدم في المنطقة الأورومتوسطية، وانفتاحها على دول إفريقيا جنوب الصحراء، العديد من الحوافز للاستثمار والتجارة، والبنية التحتية عالية الأداء… تم إنشاؤها الآن كمحور إقليمي، وحتى دولي، ومتصل بشكل مثالي ببقية العالم. على هذا النحو، يمكن للمغرب أن يشكل بالنسبة لبلغاريا بوابة لمشغليها الاقتصاديين وبضائعها إلى الأسواق الأفريقية. والعكس صحيح، يمكن لبلغاريا بدورها أن تكون بمثابة منصة لأصحاب المشاريع المغاربة والصادرات المغربية للوصول إلى أسواق دول البلقان وأوروبا الشرقية. وغني عن البيان أن نقاط القوة والإمكانيات للاقتصاديين والخبرات المتراكمة على الجانبين ستساهم بشكل كبير في جعل مثل هذه الخطة ممكنة. خاصة وأن المغرب وبلغاريا يصران على المستويين الإقليمي والدولي على تطوير علاقات التعاون المربح للجانبين ، وكذلك إقامة شراكات متضامنة وعادلة ومنصفة. وبالمثل ، فإنهم يؤيدون الحوار البناء والحلول التي تفضل التسوية على المواجهة ، وهذا في عالم نريده جميعًا أن يكون مزدهرًا وسلميًا.