الصحراء المغربية في مسلسل النهج التاريخي…بقلم الدكتور بوزيد عزوزي

محمد الزروالي –تاونات :”تاونات.نت”/-استعرض الدكتور بوزيد عزوزي (أستاذ جامعي ومدير المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط سابقا) أهم المحطات التي قطعتها القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية ألا وهي قضية الصحراء المغربية خلال هذه الندوة المعنونة “الصحراء المغربية ومؤتمر برلين 1885” والتي كانت من تنظيم جريدة “صدى تاونات” بمعية الوزير الأسبق والسفير السابق البروفيسور نجيب الزروالي وارثي والصحافي محمد التوزاني يوم السبت 24 دجنبر 2022 بقاعة الإجتماعات بالمركز الإقليمي للتكوين المستمر بمدينة تاونات بمناسبة الذكرى 28 من تأسيس هذه الجريدة المحلية. ونظرا لأهمية مضامين هذه المداخلة نعيد نشرها كاملة:

تقديم

توطئة

المنهجية

الباب الأول : الساقية الحمراء ووادي الذهب عبر التاريخ 

          – ا.  جذور المغرب الأقصى 

          – ب. تزوير التاريخ 

          – ج.  التناقضات الجزائرية 

          – د. احتلال الساقية الحمراء ووادي الذهب 

الباب الثاني : الإتفاقيات الإستعمارية دوس على السيادة المغربية 

          – ا. اتفاقية بروكسيل سنة 1876 

          – ب  اتفاقية برلين سنة 1885 

          – ج اتفاقية بروكسيل سنة 1890 

          – د. اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906 

          – ه. عقدي الحماية الفرنسية والإسبانية سنة 1912 

الباب الثالث : الرأي الإستشاري مدخل للسيادة الوطنية على الساقية الحمراء ووادي الذهب

          –ا. رباط البيعة 

          – ب. حق تقرير المصير 

          – ج. مسار الحركة الإنفصالية 

               * موريهوب 

               * بوليزاريو 

          – د. المسيرة الخضراء المظفرة .

     الخاتمة : الإستراتيجية

                          ——————-  

إننا رجعنا من الجهاد الأصغر لخوض الجهاد الأكبر. “

         جلالة الملك سيدي محمد الخامس طيب الله ثراه

                             …..

                        قسم المسيرة الخضراء :

أقسم بالله العلي العظيم أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني من البوغاز إلى الصحراء.

     أقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم لأسرتي وعثرتي في سري وعلانيتي والله سبحانه هو الرقيب على طويتي وصدق نيتي.”

     جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه

                             …..

       “شعبي العزيز ،

إن المغرب لا يتفاوض على صحرائه ، ومغربية الصحراء لم تكن يوما ، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات ، وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل . وعلى هذا الأساس نؤكد تمسك المغرب بالمسار السياسي الأممي.”

جلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله وأطال في عمره .

                          ……………….

                                تقديم  

نحتفل اليوم بذكرى عزيزة علينا جميعا ألا وهي تخليد الذكرى 28 لميلاد جريدتنا الغراء “صدى-تاونات “. 

     خلال فترة ميلاد الجريدة اتصل بي سي ادريس الوالي (مدير جريدة “صدى تاونات”)  وأخبرني بعزمه إصدار جريدة سماها “صدى-تاونات” .

     حبذت الفكرة وثمنت عاليا المبادرة ، خصوصا وأنني كنت آنذاك محرر افتتاحية مجلة “الإنماء” التي كانت تصدر حينها بمدينة فاس بالموازاة أنني كنت خلقت حينها جمعية المقاولين الشباب لتاونات وكان هو عضوا بمكتبها .

     حينما هاتفني سي ادريس الوالي بداية شهر دجنبر الجاري ليخبرني بتخليد الذكرى 28 من صدور الجريدة يوم السبت 24 دجنبر طلب مني اقتراح عنوان عرض حول ملف صحرائنا الذي سيكون محور الذكرى ؛ مباشرة وبأدنى تردد اقترحت عليه : “الصحراء المغربية ومؤتمر برلين ليوم الخميس 26 فبراير 1885”  مطردا :  إنني أسميه “الخميس الأسود” كما كان الحال للخميس الأسود 29 أكتوبر 1929 الذي يخلد لانهيار قيم البورصات في العالم وانطلاق الأزمة الإقتصادية الكبرى خلال القرن 20 ، ثم أضفت : إن الحدود بين للمغرب والجزائر وموريطانيا ومالي رسمت بمسطرة مسطحة وفرض مبدأ حرمة الحدود وعدم المساس بالحدود الموروثة عن الإستعمار intangibilité desfrontières.

     فهنيئا للسي ادريس وطاقمه من صحفيين وتقنيين ، وأشجعه على المثابرة والمحافظة على هذا النفس الطويل والقوي كما هو الحال لكافة أبناء إقليمنا العزيز إقليم تاونات .

     موضوعنا اليوم حول صحرائنا الغالية وضعت له عنوان :  “صحرائنا في مسلسل النهج التاريخي” . 

                                   توطئة 

     يذكرني هذا الموضوع بأول عرض قمت به بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط خلال شهر دجنبر سنة 1976 ، حين كنت أهيء إجازتي في شعبة العلوم السياسية sciences politiques مع أساتذتي العميد سي محمد بنونة وسي محمد بنعزوز أستاذ القانون الدولي العام والبروفسور بلاتزولي Palazoli أستاذ علم الإجتماع السياسي sociologie-politique والأستاذ عبداللطيف المنوني أستاذ العلوم السياسية وغيرهم عديدون .

     كان الموضوع جديدا كليا علينا آنذاك ، فكنا نقوم بأبحاث عميقة داخل مكتبة كلية الحقوق بأكدال بالرباط بين كتب قليلة يطلبها طلبة متعددون حول تاريخ الصحراء وتموضعها في إطار القانون الدولي العام من مؤتمر برلين الذي انطلق يوم 15 نونبر سنة 1884 وانتهى يوم الخميس 26 فبراير 1885 إلى البحث عن أسس مجموعة من القرارات التي تهم صحراءنا الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة بدء بالقرار 1514-XV ل14 دجنبر 1960 المنظم لحق تقرير مصير الشعوب إلى الإجتماعات العديدة المتعددة على المستوى السياسي داخل بلادنا من طرف الهيئات الوطنية وعلى المستوى الخارجي ديبلوماسيا من طرف وزرائنا وكذلك من طرف زعماء الأحزاب السياسية التي كان يكلفهم جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله بمهمات سامية في عدد من عواصم الدول .

                                  المنهجية 

     لفهم تاريخ ملف صحرائنا ارتأيت أن أسائل ماضي منطقتنا ودراسة تاريخها في علاقتها المعقدة مع التيار الإستعماري الذي ساد خلال القرن 19 والقرن 20 وكيف تطورت الأحداث حتى أصبحت تحت سيطرة الإسبان .

     وهكذا سألت التاريخ من زاوية البعد السياسي لفهم القرارات السياسية التي كانت تتخذ خلال القرن 19 من الحكومات الأوربية لاحتلال واستعمار الأراضي الإفريقية واستغلال أراضيها واستيلاب أهاليها .

     وجدت أن مشكل صحرائنا تنبع جذوره من “فلسفة الإستعمار وسياسته الإستيطانية” التي سادت ونمت خلال قرون والتي كانت تتمحور حول المصالح الإقتصادية للدول الأوربية و”توسيع مجالها الحيوي” و”تنمية قطاعات اقتصادية” بعينها في بلدانهم من فلاحة ومعادن وتجارة التي كانت تستجيب لحاجيات زمانهم .

     في هذا الإطار وجدت أن ما حصل خلال القرن الثامن عشر وخصوصا التاسع عشر كان “عملية مدروسة متدرجة” من طرف الدول الأوربية على فترة طويلة المدى كانت تسعى إلى السطو على الأراضي الإفريقية .

     فكان التوسع المجالي الجغرافي الحيوي والمصالح الإقتصادية هما الدافعان الأساسيان والمحركان الرئيسيان للقرارات السياسية التي اتخذتها الحكومات الأوربية لاستعمار دول إفريقيا من حوض ألكونغو إلى شمال افريقيا مرورا بوسطها وشرقها وغربها متخفية تحت شعار “تحضير -من حضارة – الشعوب المتخلفة“.

     وهكذا تطور الفكر الإستعماري على مراحل عديدة مرورا من مرحلة تثبيت المصالح الإقتصادية والهيمنة على الجغرافيا إلى التخطيط للسطو على الأراضي الخصبة والشواطئ المطلة على المحيطين الأطلسي والهندي وحتى الخليج العربي إلى مرحلة التقنين في مسلسل اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف .

     خلال عقود طويلة أصبغت على هذا المخطط الجهنمي روح الهيمنة السياسية التي قفزت إلى ما أسميه “مرحلة تقنين الإستعمار” أي مررت إلى فضاء القانون والإتفاقيات بوضع قوانين وقرارات في اتفاقيات ومسودات ثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول الأوربية وإصباغها “بصفة القانون الدولي” الذي أصبح ساري المفعول بتطبيقه على الدول التي جعلتها نصب أعينها لاستعمارها .

     وهكذا تم تنظيم عدة مؤتمرات من طرف الدول الأوربية خصوصا ببروكسيل وبرلين لتقاسم القارة الإفريقة فيما بينها والتي كانت تهدف إلى اقتسام الكعكة تحت مسمى المهمة الحضارية mission civilisatrice . 

     لفهم ما تم الإتفاق عليه بين هاته الدول اخترت أبرز الإتفاقيات التي تنسجم مع المنهج التاريخي الذي وضعته إطارا لهذا البحث وهي سبعة

     – اتفاقية بروكسيل لعام 1867 ،

     – اتفاقية بروكسيل لعام 1890 ،

     – اتفاقية برلين لسنة 1885 ،

     –  اتفافية الجزيرة الخضراء لعام 1906 ،

     – عقد عهد الحماية مع فرنسا سنة 1912 ،

     – عقد عهد الحماية مع إسبانيا سنة 1912 .

     أعدت قراءة هاته الإتفاقيات بإمعان كبير وتركيز شديد وبالموازاة نظرت إلى خرائط المغرب ومنطقة شمال إفريقيا وسجلت تطورها عبر الزمن وتغير الحدود والمساحات الجغرافية التي أبانت بجلاء نوايا حكام الدول الأوربية آنذاك وأظهرت بوضوح الفكر التوسعي والإستيطاني للأستعمار .

     بعد هذا الطرح استطردت بقرائة الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية وتحليله وتقديم نبذة عن مسار الإنفصاليين منها بحثي بنبرة عن المسيرة الخضراء المظفرة .

     قبل تقديم هاته الإتفاقيات أذكر بتاريخ حدود الجغرافيا والسعي لتزوير الحقائق من طرف أعداء وحدتنا الترابية .

                            الباب الاول 

     الساقية الحمراء ووادي الذهب عبر التاريخ 

     إن المنهج التاريخي هو الحكم الفصل في التدليل على مغربية صحرائنا : وادي الذهب والساقية الحمراء .

     يشهد التاريخ على الحدود الأصلية التي لا يمكن تزويرها أو الإفتراء عليها وهكذا فإن حججنا التاريخية تفند ادعاءات ومزاعم أعداء وحدتنا الترابية .

          – ١. جذور المغرب الأقصى :

     إن علاقات المغرب الجنوبي بالشمالي تعود إلى عهود قديمة ، فخلال تلك الفترات وحد أجدادنا الأشاوس المغرب الكبير من طنجة إلى نهر السينغال – انظر الخرائط – وتتالت على مر القرون وحدة الجغرافيا المغربية إلى أن ظهرت الأطماع الغربية واحتلت فرنسا ما سمته الجزائر انطلاقا من سنة 1827 وفصلت إسبانيا الساقية الحمراء ووادي الذهب عن القلب النابض للوطن الأب بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 .

     لقد كانت سلطة الدولة المغربية تصل حتى دولة النيجر الحالية مابين القرن 16 والقرن 18 : انظر الخرائط.

     لا يمكن فهم ما حصل دون الرجوع إلى التاريخ ووضع الأصابع على مراحل بعينها كانت تهيء للسطو على أراضي المناطق الجنوبية للكرة الأرضية منذ مدة غير قصيرة .

     لقد انطلق الفكر الإستعماري منذ قرون وتجسدت سلطته العسكرية عبر تهييء “التقنين لتقاسم النفوذ” بين الدول الأوربية .

     لأجل إيضاح هذا المسلسل أسوق مجموعة من الإتفاقيات التي مهدت لتلك المرحلة السوداء التي ابتدأت انطلاقا من تفتح شهية الدول الأوربية على اكتساح افريقيا

     حسب كل الخرائط المتداولة نهاية القرن التاسع عشر يظهر جليا أن دولة المغرب : انظر خرائط القرن 19 ، كانت تمتد شرقا حتى شرق مناطق تلمسان وعين تمشنت نزولا إلى كولومبشار فتندوف وجنوبا حتى نهر السنغال فمدينتي تمبوكتو وكويا حيث كانت صلاة الجمعة تقام بمساجدها بسم سلطان الدولة المغربية التي توجدان اليوم بدولة مالي وحتى تخوم  نهر النيجر .

     تظهر الحدود التي وضعت بعد استيلاء فرنسا وإسبانيا على المنطقة الشمالية لإفريقيا ، تظهر بجلاء أنها مسطرة بمسطرة مسطحة ، لا اعوجاج فيها كما هو الحال مثلا في حدود البرتغال مع إسبانيا أو إسبانيا مع فرنسا أو فرنسا مع ألمانيا أوسويسرا مع إيطاليا الخ

          – ب. تزوير التاريخ

     لقد احتلت فرنسا ما يسمى اليوم الجزائر على مراحل متدرجة إذ كانت تنوي احتلال المنطقة الشماليا لإفريقيا المسماة حاليا الجزائر منذ مدة ، فاستعملت حادثة المروحة كذريعة لاحتلال هاته المنطقة التي كانت تحت السيطرة العثمانية وذلك انطلاقا من سنة 1827 ، فهاجمت شواطيء هاته المنطقة واستمرت عمليات الإحتلال حتى سنة 1847 .

     من منظور تعريف فضاء ومجال ما يسمى اليوم الجزائر ، تجيبنا الخرائط بكل وضوح انظر الخرائط صحبته .

     * ا. لقد احتلت فرنسا المنطقة الشرقية من بلادنا وبدأت بتسطير الحدود بمسطرة مسطحة وخلقت ارضا سمتها الجزائر نسبة إلى مساحة أرضية تدعى الألجروى Algérois أي المنطقة المحيطة بمدينة الجزائر الحالية المطلة على البحر الأبيض المتوسط وهكذا من الألجيروى Algérois بمساحة حولي 30 ألف كلم² أصبحت هاته الأرض تصل إلى مساحة 2381741 كلم².

     السؤال المهم هو :” لماذا وسعت فرنسا هاته المنطقة إلى هذا الحد وخلقت فضاء سمته الجزائر ، ولماذا قطعت أرض المغرب بالقوة العسكرية وأخذت أطرافها الشرقية والشرقية-الجنوبية للجزائر وأطرافها الجنوبية لموريطانيا ؟

     الجواب واضح وضوح الشمس في قلب السماء :  لأن فرنسا  كانت قد وضعت في مخططاتها دمج ما سمته الجزائر تحت السيادة الفرنسية كإقليم فرنسي كباريس وديجون وبوردو ومارسيي .

          – ج. التناقضات الجزائرية  :

     . تجاهر الجزائر بتصنيف نفسها كدولة مناهضة للإستعمار وكنظام تابع لحركات التحرر الوطنية ،

     . وفي نفس الوقت لا ترفض إدماج أراض المغرب لها  ككيان خلقته فرنسا ” من عدم”  ex-nihilo وسمته الجزائر وأعطته لها بل أوجدت لها هوية جغرافية وسياسية وسمتها الجزائر .

     . فسارت الجزائر اليوم  تطالب بصحرائنا لمنحها لكيان لقيط تاريخيا وسياسيا وسمته بوليزاريو وذلك باسم قانون وضعه الإستعمار الذي حاربته هاته الجزائر التي تدعي مناهضة الفكر الإستعماري انسجاما مع مقولة : “حلال علي ، حرام عليه  .” 

لقد قامت دولة الجزائر على تزوير التاريخ الذي وضعته الدولة المستعمرة أي فرنسا التي كانت تريد ضم أراض الجزائر الحالية لسيادة دولتها ؛ لقد مزقت فرنسا شمال إفريقيا لتستغل وتنهب خيراتها فقضمت أراضي الدولة المغربية لخلق كيانات من عدم ex-nihilo سمته الجزائر كما إسبانيا خلقت منطقة أرادت منحها سيادة مزيفة بعد سلخها من جذورها  وهي صحراؤنا الغالية وادي الذهب والساقية الحمراء – انظر الخريطة  …

          – د. احتلال الساقية الحمراء ووادي الذهب

     في تلك الظروف خلال نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 التي اتسمت بالفوضى الكبيرة التي عرفتها علاقات الدول الأوربية فيما بينها بالتسابق لاحتلال دول جنوب الكرة الأرضية إذ استعمرت إسبانيا الصحراء المغربية بطريقة تدريجية طوال 34 سنة من سنة 1900 إلى 1934 عن طريق صفقات تجارية وغيرها  وهاته خطة ستأكدها اتفاقية يوم 27 نونبر 1912 التي حددت المناطق الثلاث : الشمال وإيفني والجنوب أي الساقية الحمراء ووادي الذهب على أساس اتفاقية سرية تمت مع فرنسا يوم 3 نونبر 1904 المبنية على بروتوكول تفاهم فرنسي-بريطاني أمضي يوم 08 أبريل 1904 .

     استمرت فترة الدخول 34 سنة نظرا للمقاوة التي نظمت من طرف منظمات جيش التحرير المغربي في الجنوب وفي الريف وفي الأطلس .           

     إن الصحراء في حدودها الجغرافية الحالية امتداد جغرافي طبيعي للشمال انطلاقا من السعيدية إلى طنجة شمالا ومن طنجة إلى حدودنا مع موريطانيا جنوبا في إطار خطوط العرض والطول ، ظهر هذا الفضاء أي الساقية الحمراء ووادي الذهب بداية القرن العشرين ، أي منذ ان استعمرت فرنسا المنطقة الشمالية-الغربية لإفريقيا بموجب اتفاقيات منحت لنفسها صفة “اتفاقيات دولية” وبالتالي أصبحت مكونا من مكونات القانون الدولي الوضعي .

                              الباب الثاني 

      الإتفاقيات الإستعمارية دوس على السيادة المغربية 

      أسجل أن صفة  “اتفاقيات دولية” رسخت من طرف هاته القوات عبر استعمال القوة العسكرية ، جاءت لتزكي اتفاقيات لم يكن للمغرب أية يد فيها ، إذ تمت بين مجموعة من الدول الغربية من بينها فرنسا وإسبانيا ، على حسابنا في وقت كانت تعرف أجهزة الدولة المغربية نوعا من ضعف التدبير الإداري .

     فإذا عدنا إلى الخرائط نجد أن المغرب مر من مراحل متدرجة جعلته يفقد أطرافا من أراضيه : انظر الخرائط .

     هذه أراضينا ولم تكن أبدا أراض غير أراض مغربية ، وهذا هو منطق “الشرعية التاريخية” الذي تنادي بها روسيا في الدونباس بأوكرانيا والصين بجزيرة فورموزا-طيوان بالصين  والذي يعاكس منطق القانون الوضعي الدولي الذي فرض فرضا بقوة السلاح ومراوغات تدليس التاريخ .

     لقد تم تزوير مفضوح كبير جدا وتدليس خارق على حساب الحقوق المشروعة للدولة المغربية العريقة بموجب اتفاقيات حررت في الظلام وفرضت تحت فواهات البارود والبنادق والمدافع

      أهم هاته الإتفاقيات الإستعمارية بالنسبة للمغرب هي ستة 7 :   

     – ١. اتفاقية بروكسيل لسنة 1876

     التأم يوم 12 شتنبر 1876 مؤتمر افتتحه الملك لييوبولد الثاني ملك بلجيكا ، الذي كان عمره 41 سنة وسماه “مؤتمر الجغرافيا” خصص لإفريقيا ودعا إليه حوالي 30 عالما من كل أوربا .

     رسميا قيل آنذاك أن  هدف هذا المؤتمر هو استكشاف القارة السوداء بهدف :  “فتح الحضارة على المنطقة الوحيدة في الكرة الأرضية التي لم تدخلها الحضارة ومحاربة تجارة العبيد التي كان يتعاطى لها المسلمون” .

     في ذلك الوقت كان الأوربيون يتسابقون على من سيضع علم بلاده على آخر بقعة من الكرة الأرضية لم يتم التحكم فيها حتى حينه .

     اختتم الملك لييوبولد الثاني هذا المؤتمر يوم 19 شتنبر 1876 بخلق جمعية سماها : “الجمعية الدولية لاستكشاف وتحضير وسط إفريقيا” وترأسها هو شخصيا ووضع لها علما أزرقا تتوسطه نجوم ذهبية .

     يوم 28 نونبر 1878 خلق الملك البلجيكي بسم هاته الجمعية : “لجنة الدراسات للكونغو-العالي ” التي أمضت مباشرة مع الصحفي هانري-مورطن اتفاقية مدتها 5 سنين قصد تقديم دراسة حول حوض الكونغو أكبر نهر بوسط إفريقيا أي حيث الآن منطقة الكونغو وطنزانيا وغيرهما.

     هكذا كانت تهيأ مرحلة الإستعمار للقارة الإفريقية عبر دراسات واتفاقيات .

          – ب. اتفاقية برلين سنة 1885 :

     التأم ببرلين مؤتمر كبير استمر 104 يوم أي 3 أشهر و 14 يوما وذلك من يوم 15 نونبر 1884 إلى الخميس 26 فبراير 1884 .

     ضم هذا المؤتمر 17 دولة التي وقعت على اتفاقية حملت إسم اتفاقية مؤتمر برلين لسنة 1885 من بينها 14 دولة أوربية وهي : فرنسا ، ألمانيا ، إسبانيا ، البرتغال ، إيطاليا ، هولاندا ، بلجيكا ، بروسيا ، النمسا ، بوهيميا ، هنغاريا ، الدانمارك ، بريطانيا ، إيرلاندا ، اللكسنبورغ ، السويد ، النرويج ، وكذلك 3 دول خارج أوربا وهي : الولايات المتحدة الأميركية والأمبراطورية العثمانية وروسيا .

     تحتوي هاته الإتفاقية على مقدمة و38 بندا موزعة على 8 أبواب

     جاء في مقدمتها مجموعة من التوجهات التي فصلت في البنود المكونة للإتفاق من أهمها :

* لزومية التفاهم بين جميع القوات المستعمرة على الأرض الأفريقية لتفادي أي نزاع محتمل ،

* تحديد قواعد الإستعمار وفرض شرط الفعلية effectivité لأثبات ضم الأرض للدولة المستعمرة ،

* تنمية التجارة وتحضير (حضارة) المناطق المحتلة ،

حرية التجارة ،

* إدخال قواعد موحدة في العلاقات الدولية لاحتلال الشواطئ الإفريقية وذلك لتفادي كل نزاع محتمل .

     اجتمعت هاته  الدول بمدينة برلين لتقسيم أفريقيا فيما بينها قصد بسط سلطتها عليها واستعمارها من أجل استغلال خيراتها من فلاحة ومعادن واستلاب الإنسان واكتساح الجغرافيا حيث الجبال والغابات والبحيرات الرائعة . كان هدف هذا المؤتمر هو توسيع هذا المنظور إلى باقي دول العالم ، لأن هاته الإتفاقية هي العقد المحوري بين كافة الدول الممضية عليه والتي كانت ترفع خطابا علنيا عنوانه : التحضير – من كلمة الحضارة – للشعوب بمفهومه الغربي mission civilisatrice إخفاء للهدف الإستعماري الإستيطاني .

     جائت هاته الإتفاقية لتزكي اتفاقيات عديدة من بينها اتفاقية سنة 1876 وتهيء الأرضية لاتفاقيات لاحقة من بينها اتفاقية 1890 ثم اتفاقية الجزيرة الخضراء خلال يناير 1906 بشبه الجزيرة الإيبيرية وكل الإتفاقيات الثنائية كاتفاقيتي مارس ونونبر 1912 التي جعلت فرنسا وإسبانيا تحتلان المغرب .

     خلال تلك الفترة استغلت فرنسا وإسبانيا ضعفا في التدبير الإداري لمؤسسة السلطة المركزية ببلادنا لاقتحام حدودها خصوصا وأنها كانت قد هيأت لها الضروف المواتية باتفاقيات ثنائية بالموازاة مع اتفاقيات عديدة تمت بين فرنسا واسبانيا وألمانيا الخ

     خلال هذا المؤتمر انطلقت سياسة التقسيم التي طالت بلادنا .

     وهكذا نلاحظ أن الإستعمار الأوربي كان يبني لبنة لبنة هرمه بكل مكوناته القانونية والعسكرية من أجل السطو على الأراضي الإفريقية.

       – ج. معاهدة بروكسيل سنة 1890 :

     التأم ببروكسيل يوم 02 يوليوز سنة 1890 مؤتمرا واسعا شمل عددا كبيرا من الدول التي وقعت على المعاهدة  وهي : المملكة المتحدة  وفرنسا والأمبراطورية الألمانية ومملكة البرتغال ودولة الكونغو الحرة ومملكة إيطاليا وإسبانيا وهولاندا وبلجيكا والأمبراطورية الروسية والنمسا-المجر والسويد والنرويج والدانمارك والولايات المتحدة الأميركية والدولة العثمانية وزنجبار  وبلاد فارس .

     كانت هاته المعاهدة تتعلق بتجارة العبيد وتوريد الأسلحة النارية من مدافع وذخيرة وكل الأسلحة الأخرى إلى إفريقيا مع منع بيعها إلى أهاليها بالموازاة مع حظر الرق وإنهاء تجارة العبيد الزنوج براً وبحراً ، وتحسين الأحوال الأخلاقية والمادية للأعراق الأصلية ، وغطت هاته الإتفاقية مجال الخليج العربي والبحر الأحمر ومدغشقر .

     كانت هذه المعاهدة موجهة أساسا بخطابها للتجار المسلمين قصد قطع الطريق عليهم في أي عمل قد يطمحون التوجه إليه او الإشتغال به .

     كانت هاته المعاهدة تسري بالتحديد على الدول التي لها ممتلكات أو محميات في الحوض التقليدي للكونغو بما فيها الدولة العثمانية والقوى الأخرى في ساحل شرق أفريقيا والمحيط الهندي والمناطق الأخرى .

    وقد عدلت هاته المعاهدة بسان-جرمان-أون-لاي التي وقعتها القوى المتحالفة في الحرب العالمية الأولى في 10 سبتمبر 1919 .

     نستخلص من هاته الاتفاقيات الثلاث أن الدول الأوربية كانت تشتغل بمنهجية تدرجية مرتقة تبنى وتهيكل على مراحل مخططة لها بجوانبها المتعددة المتمحورة على التشخيص الميداني عبر دراسات تليها مراحل التقنين عبر الإتفاقيات لإصباغها بأبعاد قانونية .

    وهذا ما ستؤكده لا حقا اتفاقية الجزيرة الخضراء لسنة 1906 واتفاقيتي احتلال المغرب تحت مسمى الحماية موازاة مع عدد من الإتفاقيات العديدة خلال تلك المرحلة .

          – د. اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906 :

     في عام 1901 قتل تاجر وهراني على الساحل الريفي أدى إلى تدخل وزير الشؤون الخارجية الفرنسية السيد ديكلسي الذي اقترح على السلطات المغربية بالسماح لفرنسا “بمساعدة” السلطات المغربية في المناطق الشرقية السائبة “بلاد سيبة bled-Siba ” بإعادة النظام والأمن في إطار اتفاقية معينة .

     وكان وزير خارجية فرنسا ديكلسي قد زار المملكة المغربية حاملا معه جملة من المقترحات لإصلاح الإدارة والمالية في مقابل توقيع معاهدة “الحماية” ؛ كانت هذه المناورة أي إمضاء “عقد الحماية”  بمثابة  “حصان طروادة” للنفاذ إلى قلب القلعة المحصنة بتاريخها المجيد وأمجادها التليدة دولة المغرب .

     مستفيدا من الاتفاقات المتتالية أمر الحاكم العام الفرنسي للجزائر جونار Jonard ، أمر العقيد هوبير ليوطي Hubert Lyautey : المقيم العام الفرنسي في ما بعد على المغرب ، الذي تكلف بما سمي “تهدئة الحدود الجزائرية المغربية“.

     وهكذا بدأ هوبير ليوطي يتردد باستمرار على  الداخل المغربي.

     يذكر التاريخ أن فرنسا لم تكن هي الوحيدة المهتمة بالمغرب آنذاك إذ أن إسبانيا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا أيضا كانت مصممة على احتلال المغرب .

    في هذا المسلسل المتسارع ، كانت فرنسا قد ضمنت حياد بريطانيا بتنازلها عن مصر ثم إيطاليا بتنازلها عن ليبيا سنة 1911 إلا أن التنافس ظل محتدما بينها وبين إسبانيا وألمانيا التي وصل بها الأمر إلى زيارة قيصرها غيليوم الثاني لطنجة سنة 1905 عارضا مساعدات في خطاب امام السلطان مولاي عبد العزيز على المملكة المغربية مظهرا “حسن نية” وأن ألمانيا ليست لديها أية أطماع استعمارية على عكس بقية القوى الاستعمارية الأخرى في إشارة إلى فرنسا .

     في هذا الجو المحتدم بدأت فرنسا وألمانيا في الاتفاق على تنظيم مؤتمر دولي حول المغرب الذي انعقد فعلا في الجزيرة الخضراء انطلاقا من 16 يناير 1906 ، والذي جمع اثني عشر دولة أوروبيه وقد اختير الرئيس الاميركي ثيودور روزفلت وسيطا بين الاطراف المشاركة .

     وقد تم عقده تحت شعار “الإصلاح والحداثة وتدويل الإقتصاد المغربي” ، ولكن الهدف الحقيقي كان هو “وضع المملكة المغربية تحت حماية القوى الأوروبية الاستعمارية الرئيسية” التي كانت تتناحر طيلة سنوات خلال أواخر القرن التاسع عشر على الأراضي المغربية

     استعمرت فرنسا وإسبانيا المغرب بقوة السلاح انطلاقا من هذا المؤتمر الذي منحهما الباب الواسع للإستلاء على أراضينا وهكذا تم تقسيمه بينهما بموجب اتفاقيات لاحقة .

     بعد مفاوضات عسيرة تم الإتفاق على وضع طنجة تحت الوصاية الدولية واقتسام المغرب بين فرنسا وإسبانيا اللذان اتفقا على إنشاء شرطة الموانئ وإنشاء بنك الدولة وهلم جرا .

     فيما بعد تخلت فرنسا لألمانيا عن حقوقها في حوض الكونغو والكامرون على أن تتخلى ألمانيا عن حقوقها لفرنسا في المغرب ، وذلك في مقابل موافقة ألمانيا على فرض “الحماية” الفرنسية على المغرب

     طبعا استغلت فرنسا وإسبانيا مرحلة تاريخية حساسة فأبرمتا اتفاقية الحماية سنة 1912 من أجل احتلال المغرب تحت يافطة “الحماية“.

     ولم يتم احتلال المغرب بالصورة التي كانا يتصورانها ، بل لاقتهم صعوبات كثيرة جدا لا في الجبال والسهول ولا في المدن والقرى .

     ففي الريف كان محمد بن عبدالكريم الخطابي وفي الأطلس كان موحا وحمو الزياني وفي المدن والقرى كان جيش التحرير وفي العاصمة الرباط كان الإلتحام حول العرش الذي كان جالسا عليه سيدي محمد الخامس بن مولاي يوسف بن مولاي الحسن سليل الدوحة النبوية الشريفة طيب الله ثراه وقد التحم حوله الشعب المغرب ممثلا بالحركة الوطنية قاطبة .

        – ه. الحماية الفرنسية والإسبانية 1912  : 

     لقد فرضت اتفاقيتي الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب على مراحل ، وهكذا

* فرضت اتفاقية الحماية الفرنسية على المغرب يوم 30 مارس 1912 .

* وتم الإتفاق بين فرنسا وإسبانيا :

 * يوم 27 نونبر 1912 على تحديد المناطق الثلاث للنفوذ الإسباني بالشمال والجنوب وسيدي إفني ،

* وذلك تبعا لاتفاقية سرية تمت بينهما يوم 03 نونبر 1904 ،

* وذلك بعد اتفاقية التفاهم بين فرنسا وابريطانيا يوم 08 أبريل 1904 .

     أما منطقة طنجة فقد تم وضعها تحت نظام خاص تم تحديده باتفاقية باريس يوم 18 دجنبر 1923.

     يظهر بوضوح تام من خلال هاته التواريخ المتدرجة وهاته الإتفاقيات المختلفة كيف تم السطو على المغرب وكيف تم تقسيمه كالكعكة .

     تظهر هاته الإتفاقيات كيف أصبحت صحراءنا خارجة عن سيطرة السيادة الوطنية وكيف تم منح طرف واسع فسيح منها إلى الجزائر من طرف فرنسا .

     استمر الإستعمار الفرنسي للمنطقة الوسطى والإسباني للمنطقة الشمالية حتى سنة 1956 ، وبقيت إسبانيا بالساقية الحمراء ووادي الذهب حتى جاءت الظروف التاريخية الحساسة المواتية التي اتخذ فيها جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه قراره التاريخي باسترجاع صحرائنا الغالية : الساقية الحمراء ووادي الذهب بدء بطلب الرأي الإستشاري من  محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولاندا  وانتهاء بالمسيرة الخضراء المظفرة .

                              الباب الثالث 

الرأي الإستشاري مدخل للسيادة الوطنية على الساقية الحمراء ووادي الذهب   

    في ظروف خاصة جاءت بعد النزاع المغربي-الجزائري سنة 1963 حول الحدود بمنطقة حسي-بيضا المحاذية لتيندف وبعد مرحلة انتقالية سياسية عرفتها المنطقة ظهرت بوادر محاولة زعزعتها من بينها اختلاق منظمة الإنفصاليين بوليزاريو polisario ، خلق جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني رحمه الله المفاجئة الكبرى سنة 1974 حين طلب الرأي الإستشاري avis consultatif من محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولاندا CIJ عن طريق الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة ONU الذي قدم السؤال التالي إلى المحكمة خلال شهر دجنبر 1974 .

وقد جاء السؤال  كما يلي

” – هل الصحراء الغربية ( وادي الذهب والساقية الحمراء) كانت حين استعمارها من طرف إسبانيا أرضا خلاء Terra-Nullius ؟

          إذا كان الجواب سلبيا على السؤال الأول ،

ما هي العلاقات القانونية لهاته الأرض مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية ؟

     – ا. رباط البيعة :

     وفي 16 أكتوبر 1975  أصدرت محكمة العدل الدولية الرأي الإستشاري الذي أكدت فيه “وجود علاقات بيعة” بين سلطان المغرب وسكان الصحراء  بعد أن أكدت أن ” الصحراء لم تكن أرضا خلاء” بمفهوم القانون الدولي.

Le Sahara N’ÉTAIT PAS TERRA-NULLIUS

      إن مفهوم “لم تكن أرضا خلاء” في القانون الدولي مفهوم محدد أي أن الصحراء كانت “تابعة لسلطة معينة” أي لسلطة مركزية كان لها الحكم الشرعي المؤسس على الشرعية الدينية أي “علاقات البيعة” liens d’allégeance .

     إن “البيعة” هي الرباط الذي لا ينفصم بين الحاكم وأولي الأمر أي السلطان او الخليفة والرعية أو الشعب او الأمة والذي يجسد السلطة الشرعية التي تمنحه الحكم الشرعي لتمثيل الأمة ؛ وهكذا فالسلطان كان يجسد السلطة الشرعية والسيادة الوطنية .

     وكان هذا الرباط يفعل ويجسد بموجب الأوامر والتعليمات التي كانت تصدر من خلال

      * الظهائر الشريفة التي يصدرها السلطان  إلى الشرفاء ورؤساء القبائل والأعيان وممثليهم .

     كما كان يجسد هذا الرباط

     * الزيارات التي كان يقوم بها السلطان بالحركات harka على ظهور الجياد والفرسان والإبل إلى الأقاليم الصحراوية بمعية أفراد أسرته ،

     * أو من خلال البعثات التي كانت تمثله عند ساكنة الصحراء وأعيانها ،

     * بالموازاة مع القوافل التجارية الكبيرة التي كانت تقام بين فاس ومراكش وغيرها من مدن الشمال .

      تجد البيعة منبعها ومصدرها في ديننا الإسلام الحنيف ، في كلام الله العزيز الذي جاء في القرآن الكريم :

     “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم” صدق الله العظيم

     مباشرة بعد صدور الرأي الإستشاري بمحكمة العدل الدولية توجه جلالة الملك المغفور له مولاي الحسن الثاني رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه بخطاب سام قدم للأمة المغربية ما معناه ان المملكة المغربية دولة مسلمة والشعب المغربي شعب مسلم وبما ان روابط البيعة التي تربط العرش بالشعب وبالرعايا بالصحراء هي روابط قائمة على البيعة وبالتالي فسيادتنا تمتد إلىالساقية الحمراء ووادي الذهب أي الصحراء المغربية .

     وهكذا أكد جلاة المغفور له أن القانون الإسلامي يطبق على الأمة الإسلامية ولا يمكن تطبيق القانون الوضعي على صحرائنا هذا القانون الذي وضعه المستعمر حسب ما كانت تمليه مصالحه عبر اتفاقيات ثنائية او متعددة الأطراف والتي وضعها تحت فواهة البندقية والمدفع .

     فالبيعة مبنية على مصدر التشريع عندنا كمسلمين أي القرآن الكريم والسنة الشريفة ، من حيث تنبع السلطة الدينية الشرعية لملكيتنا الشريفة .

     بالموازاة مع الشرعية التاريخية والشرعية الشعبية ناهيك عن الشرعية الدستورية المنبثقة من الإختيارت الشعبية عبر كافة الدساتير انطلاقا من أول دستور مغربي لسنة 1908 إلى آخر دستور لسنة 2011 .

     وليس لأن السلطة المركزية كانت تمر بمرحلة ضعف معين في وقت ما من تاريخ بلادنا تحت ضغط القوة العسكرية الموازية للعمليات التجارية المدبرة من أجل السطو عليها على طول شواطئنا ، معناه أن “سيرورة سيادة دولتنا على أراضينا من بينها أراضينا الصحراوية” قد يتم سحبها منا .

     مباشرة بعد صدور الرأي الإستشاري أطلق جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني رحمه الله المسيرة الخضراء المظفرة يوم 06 نونبر 1975 تحت شعار السلام :  المصحف الكريم وعلمنا الوطني.      

     وهكذا بأرقى وأرفع نهج سلمي ، استرجعنا صحرائنا الغالية : الساقية الحمراء ووادي الذهب .

          – ب : حق تقرير المصير :

     في نفس الآن قالت محكمة العدل الدولية بأن حق تقرير المصير  مبني على ما جاء في ميثاق هيئة الأمم المتحدة ل1945 كمرجعية للقانون الدولي الوضعي .

     للإشارة تم استنباط حق تقرير المصير من هذا الميثاق وتم تحرير قرار صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة حمل رقم 1514-XV يوم 14 دجنبر 1960 المعروف بإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة .

Octroi de l’indépendanceaux aux pays et peuples coloniaux .

     وقد تم التصويت على هذا القرار ب89 صوت بما فيه المغرب أي 88 + 1 لفائدة القرار وامتنع 9 عن التصويت وقد كان المغرب أحد الدول التي ساهمت في تحرير النص وصوتت لصالحه .

ويجب التذكير إلى أن هذا القرار الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء في حقبة تصلعدت فيه كتلة الدول المنضوية ضمن تيار عدم الإنحياز  وتعاظمت فيه حركات التحرر الوطنية.

           – ج. مسار  الحركة الإنفصالية :

     تدرج ظهور الحركة الإنفصالية على فترة قصيرة جدا ؛ وهكذا ظهرت موريهوب تلتها بوليزاريو .

        * ا. موريهوب  :

     خلال سنة 1969 قام إدوارد موحى المزداد سنة 1943 بأولاد طالب بقبيلة ركيبات بخلق الحركة الثورية للرجال الزرق  -MORÉHOB : Mouvement Révolutionnaire des Hommes Bleux 

كان الهدف من خلق هاته المنظمة هو طرد الإسبان من الصحراء المغربية .

     في سنة 1972 رحل إدوارد موحى موريهوب إلى الجزائر ، إلا أنه فطن إلى أن الجزائر كانت تحاول استعماله لخلق متاعب ومشاكل للمغرب بطلبها منه معارضة مطالب المغرب لاسترجاع صحرائه .

     فهم إدوار موحى مناورات الجزائر فرحل إلى بروكسيل عاصمة بلجيكا ثم إل  باريس عاصمة فرنسا .

في سنة 1975 رحل إدوارد موحى إلى الرباط فطالب باسترجاع الصحراء للوطن المغرب .

          * ب. بوليزاريو  : 

     حين لاحظت الجزائر أن الأمل في إدوارد موحى تبخر  أدارت وجهتها نحو بوليزاريو الذي رأى النور في يوليوز 1973 بموريطانيا من طرف الوالي مصطفى السيد من قبيلة ركيبات والذي كانت أسرته تسكن بمدينة بني ملال في قلب الأطلس المتوسط . وكان الوالي طالب بجامعة محمد الخامس بكلية الحقوق بأكدال بالرباط وكان يسكن بشقة بعمارة بشارع فزول الذي يسمى حاليا شارع الاطلس .

     كانت هاته الحركة مكونة من طرف طلبة مغاربة وموريطانيين منتمين للحركة الثورية الماركسية والماركسية-الليلينية وتوسع حركة عدم الإنحياز والعالم -الثلاثية التي كانت واسعة الإنتشار نهاية الستينات وبداية السبعينات.

     حينما غادرت إسبانيا صحراءنا نهائيا في فبراير 1976 ، أعلن عن ميلاد rasd الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – جعصد بالجزائر العاصمة واعترفت بها الحكومة الجزائرية في نفس اليوم .

          – د. المسيرة الخضراء المظفرة :

على ضوء الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية بلاهاي يوم 16 أكتوبر 1975 ، أعلن جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني طيب الله ثراه انطلاق المسيرة الخضراء يوم 06 نونبر 1975 التي شارك فيها 350 ألف مواطن ومواطنة مغربية من جميع أقاليم المملكة المغربية : 315 ألف من الرجال و 35 ألف من النساء حاملين المصحف الكريم في يد والعلم الوطني في يد .

     وفي 05 نونبر 1975 خاطب جلالة الملك الحسن الثاني الشعب المغربي  قائلا : ” غدا إن شاء الله ستخترق الحدود ، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة ، غدا إن شاء الله ستطأون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم  وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز .” 

     كانت المسيرة الخضراء المظفرة ملحمة تاريخية جعلت وطننا المغرب العظيم يسترجع الساقية الحمراء ووادي الذهب بنهج سلمي عالي جعل الحكومة المغربية تدخل مباشرة في مفاوضات أدت إلى دخول المغرب إلى صحرائه حيث يعيش اليوم المواطنون المغاربة في أمن وأمان في إطار نهضة تنموية كبيرة انبهرت لها الدول وأصبحت صحراؤنا صلة وصل مع الدول الإفريقية من كل الأبواب من الكويرة والكركرات وكل الطرق المادية إلى موريطانيا الشقيقة  .

     أذكر  أنه بعد المسيرة الخضراء المظفرة  بدأت المفاوضات في العاصمة الإسبانية مدريد بين المغرب وموريطانيا وإسبانيا .

     خلال هاته المفاوضات تم الإتفاق على انسحاب اسبانيا من الصحراء قبل 28 فبراير 1978م .

     في التطور المتسارع صادق البرلمان الإسباني “الكورتيس” على بنود الإتفاق في شهر نونبر 1975م .

     بناء على الإتفاق الذي تم بين الأطراف الثلاثة، اتفقت على أن تحتفظ موريطانيا بالجهة الجنوبية للصحراء : الساقية الحمراء.

     بعد مدة تخلت موريطانيا اختياريا عن الساقية الحمراء .

     بمجرد ما أن غادرت القوات الموريطانية وادي الذهب بادر المغرب بدخولها وهكذا تم استرجاع كل صحرائنا .

     وتكللت ملحمة الفتح الغراء بنصر المغاربة الذين رفعوا راية الوطن خفاقة في سماء العيون بتاريخ 28 فبراير 1976 إيذانا بانتهاء فترة الإحتلال والوجود الأجنبي بربوع الصحراء المغربية ليليها استرجاع إقليم وادي الذهب يوم 14 غشت 1979 .

     هكذا وضعت المسيرة الخضراء حدا ل63 سنة من الإستعمار والإحتلال الإسباني للصحراء المغربية ، ومكنت المغرب من حسم قضيته الأولى واستكمال وحدته الترابية .

                                       الخاتمة 

     ارتأيت أن أختتم هذا العرض المفصل حول ملف قضيتنا الوطنية الأساسية بمجموعة محاور تكون اقتراح استراتيجة للتدبير المرحلي لملف قضيتنا الوطنية الأولى مساهمة مني للدفاع والمحافظة عن وحدتنا الترابية

                           الإستراتيجية  

     لقد أبان المغرب عن بعد متنور وواعي في تقديم قوته الدبلوماسية على كل اعتبار آخر في مواجهة الإستفزازات الشكلية والجوهرية التي أصبحت مع الأسف متتالية من طرف جارتنا الشرقية رغم كل المجهودات التي يقدمها المغرب من أجل تصويب المسار الثنائي.

     ما فتئ المغرب يقدم يد السلام والمحبة والأخوة والتعاون على مستوى المغرب-العربي والعمل على إحياء روح اتفاقية سنة 1989 ، وهكذا يتابع الملاحظون والمتتبعون يد التصالح التي يقدمها جلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله وأطال في عمره  تجاه الجزائر ، وهذا موقف مشرف يظهر بجلاء البعد السياسي الذي يوفره المغرب على بساط دبلوماسي من أجل تعاون مندمج يساهم بطريقة مباشرة في بناء اقتصاد قوي بين بلدين جارين واندماج شعبين شقيقين تتجاوز عدد ساكنتهما 80 مليون نسمة بطاقات اقتصادية هائلة ومؤهلات جغرافية غنية .   

     ليعلم أشقاؤنا وجيراننا أن الحوار والتعاون بين بلدينا من أجل السلام الجهوي وبالتالي الدولي أساس الإستقرار والنمو والتقدم لبلدينا .

     ليعلم أشقاؤنا وجيراننا أن نظام الأحلاف تهديد للمنطقة وهذا اختيار يتحملون فيه مسؤولية فقدان الثقة بين بلدينا من أجل حوار هادئ ومسؤول في مصلحة الشعبين الشقيقين والدولتين الجارتين .

     ليعلم أشقاؤنا وجيرانا أن فتح المجال أمام بلدينا لجعل منطقتنا فضاء سلام وواحة أمن وأمان من أجل تنمية مندمجة مستدامة في إطار احترام متبادل لسيادة دولتينا وخصوصيات بلدينا على بساط الحضارة العربية-الإسلامية سبيل للنهوض بمقومات انطلاقة تنميتنا إلى أعلى المستويات .

     في هذا المسار أقترح استراتيجية ترتكز على دينامية مكونة من 7 محاور باعتمادها عملا يمتاز بتخطيط استراتيجي في إطار مسلسل تخطيط مندمج مبني على تنسيق محكم بين كافة الأطراف الفاعلة في تدبير سياستنا الوطنية ذات النفس الطويل  :

    – 1. تحصين الحدود  وتأطير الأمن الداخلي :

عملا بمقولة “إذا كنت تريد السلام هيء نفسك للحرب.”

وهكذا  فحمدا لله قواتنا المسلحة الملكية ساهرة على الذود عن حدودنا بفعالية قوية وكبيرة وباستمرار ولها من الموارد البشرية ، بما فيها الخدمة العسكرية الإجبارية ، ووساءل الدفاع أرضا وبحرا وجوا ما يردع الطموحات الخسيسة لأعداء وحدتنا الترابية وأمننا الداخلي ، متيقضة لحماية مواطنينا وتأمين حياتهم وممتلكاتهم وطمأنينتهم من كل من تسول له نفسه محاولة زعزعة الإستقرار في العيون والداخلة والسمارة وكافة ربوع صحرائنا الغالية  .

     -2. الإستثمار والإعمار : انظر مقالاتي حول صحرائنا

 الإستثمارات في البنية التحتية المنتجة على كافة فضاء الصحراء

     * بناء الطرق الرئيسية والثانوية والجهوية والمزدوجة والسيارة ،

     * بناء الموانئ والمطارات والمستشفيات والجامعات والمستشفيات والمركبات الثقافية ،

     * بناء المناطاق الصناعية ومناطق الأنشطة الإقتصادية وربطهما بالماء والكهرباء والإتصالات ووسائل التواصل الإجتماعي ، 

     * تشييد أكبر عدد من الإقامات والمنازل بكافة شروط العيش المريح على كافة تراب صحرائنا وذلك بمبادرة القطاع الخاص بتشجيع من الدولة ،

     -3. السلطة الرابعة

* تعبئة وتأطير الرأي العام من طرف الإعلام الوطني والأحزاب والنقابات والمجتمع المدني تاطيرا تسكنه الروح الوطنية والتشبث بشعارنا الخالد : الله-الوطن-الملك مع التركيز على البعد التاريخي لمغربية الصحراء ،

* التوجه إلى الرأي العام الجزائري بالمنظور التاريخي المعزز بالخرائط .

     -4. الوحدة الوطنية :

      تجسيد الوحدة الوطنية بتعزيز الروح الوطنية بتأطير :

* التعليم من الإبتدائي إلى الجامعي في القطاعين العام والخاص ،

* الثقافة المجتمعية الوطنية : التركيز على اللغة العربية القحة الأصيلة والتقاليد والأعراف الشعبية مع الإنفتاح على اللغات العالمية الحية والثقافات الإنسانية البنائة .

* تحفيز الفضاء الفني من موسيقى وطنية ومسرح ومسلسلات تاريخية تحيي أمجاد ملوكنا العظام وأجدادنا الأشاوس ، 

* تسليط الضوء على تضحيات رمز وحدتنا الوطنية عائلتنا الملكية الشريفة من المنفى السحيق بكورسيكا ثم بمدغشقر وما صاحبها من حركة التحرر الوطنية إلى المسيرة الخضراء المظفرة من أجل ترسيخ الحقيقة التاريخية لمغربية صحرائنا الغالية .

     -5. الدبلوماسية :

     تفعيل دور الدبلومسية الوطنية  بتخطيط محكم وفعال من طرف حكومتنا وتعبئة مصالح وزارة الخارجية تعبئة مستمرة بالموازاة مع دينامية المجتمع السياسي من البرلمان إلى الأحزاب الوطنية والنقابات والمجتمع المدني،

     -6. العلاقات الدولية

     تنمية علاقاتنا مع كافة الشركاء الدوليين شرقا وغربا شمالا وجنوبا على جميع الأصعدة الإستراتيجية والسياسية والإقتصادية والثقافية .

     -7. الإقتصاد :

تفعيل دور المجتمع الإقتصادي بالإستثمارات في اقتصادات الدول الإفريقية والعربية وغيرهما من الصناعة إلى التجارة مرورا بقطاع المالية والأبناك والبورصات

تاونات في السبت 24 دجنبر 2022م – 29 جمادى الأولى 1444 ه

                              —————-

نبذة مختصرة للسيرة الذاتية  للأستاذ بوزيد عزوزي 

* من مواليد تاونات : 21 غشت 1949م – 26 شوال 1368 ه ،

أستاذ جامعي : 1996 – 2016  ، مدير أكثر من 200 رسالة وأطروحة مهنية .

مدير مديرية المساهمات المالية والصناعية والسياحية 1983-1987  بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي BNDE ،

مدير مديرية المقاولات المتوسطة والصغرى 1987-1994 بالبنك الوطني للإنماء الإقتصاديPME   BNDE.

مستشار المدير العام للمكتب الوطني للمواصلات السلكية واللاسلكية ONPT – 1996-1995   ،

مدير مديرية التعاون الدولي وتمويل وتنمية القطاع الخاص بوكالة تنمية الأقاليم الشمالية 1996-1999 APDN ،– مدير المعهدالعالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط  1999 – 2004  .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7255

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى